سيناء.. اختبار الأمن القومي من المصريين القدماء حتى اليوم
من يطالع تاريخ مصر القديمة ربما يتعجب إزاء ما أولاه المصريون القدماء من اهتمام تجاه سيناء. حتى لكأن التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى، بل مرارا وتكرارا على مدار القرون.
ذهب المصريون القدماء لسيناء لاستخراج المنجنيز والفيروز والنحاس والمعادن المختلفة التي اقتضاها تشييد حضارة عظيمة بهذا الحجم والنشاط والاتساع، والاهتمام بصناعات كانت معقدة بمعايير هذا الزمان الذي ما زال الإنسان فيه يستكشف الطبيعة ويختبرها ويختبر قواعدها.
بل لقد عبد المصريون القدماء الإلهة "حتحور"، وهي من الآلهة الحامية، والتي كانت تضطلع وفقا لمعتقدات المصري القديم بحماية سيناء.
وظل ارتباط سيناء بالعاصمة المركزية حاضرًا لا يغيب، بل تشكلت عادة عسكرية أصيلة على مدار الأسرات المختلفة، تقضي بأن يذهب الملوك المحاربون لسيناء في بداية حكمهم لبسط هيمنة ونفوذ الدولة والتأكيد على معاني حمايتها، ولدرء الأخطار عنها سواء بصورة استباقية أو بصورة آنية تتعامل مع التهديدات المحيطة.
فقد توالت الحملات العسكرية شمال شرق الدلتا وفي منطقة سيناء، حين طارد المصريون البدو المتربصين بحياة المصريين في هذا الوقت البعيد السحيق من عمر الحضارة البشرية.
وكانت سيناء واحدة من المحاور المركزية لحملات الدفاع عن البلاد وحدودها، حيث انطلقت الحملات غربا لحفظ البلاد من "الليبو" أو "التمحو"، وجنوبا لحماية البلاد جنوب أسوان من هجمات بلاد كوش، وانطلقت الحملات إلى شمال البلاد في الدلتا وإلى شمال شرقها متمثلا في سيناء.
وجاءت هذه الحملات بغية حماية حدود البلاد الشاسعة المترامية وسط مخاطر محدقة دوما من كل اتجاه.
ولعل في مرويات "سنوهي" الذي كان يعمل في عصر الملك أمنمحات الأول في عصر الأسرة الثانية عشرة، عن الحصون والقلاع التي شيدها أمنمحات الأول في الدلتا وسيناء، شاهدًا على ترديد المصريين وتمجيدهم لجهد الملوك الذين قاموا بأدوار الحماية وواجهوا المخاطر والشرور وانطلقوا في جنبات البلاد وعلى حدودها وتخومها بالحملات العسكرية.
بل حتى الملك كامس الذي حارب الهكسوس وخلفه أخوه أحمس مطاردها لهم ومحاربا لهم، كان لديهم وعي بمركزية سيناء وخطورتها على أمن البلاد ما لم يتم تأمينها ورعايتها على أكمل وجه.
فانطلق أحمس مطاردا الهكسوس حتى حاصرهم في بلدة شاروهين بالقرب من غزة، لقرابة ثلاث سنوات، حتى اقتلع شوكتهم تماما ودمرهم واستأصلهم من مصر.
وكل الحفريات والآثار التي وجدها العلماء والباحثون في سيناء تشير لارتباط الإقليم بالعاصمة سواء كانت طيبة أو منف.. فكل النتاج الحضاري والأثري يشير إلى هيمنة وحضور وتمسك واهتمام الدولة المركزية على ضفاف النيل، بشريانها الجاري في سيناء.
ورغم الجهد الجهيد الذي بذله البعض للتلاعب بالسياق الحضاري والمدلول الأثري لحفائر سيناء، إلا أن النظرة العلمية الأشمل تثبت بما لايدع مجالا للشك العلمي بارتباط هذا الإقليم بالدلتا والنيل وحضارة المصريين القدماء ودولتهم.