تفسير وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين.. هل تُبشر بنهايتهم؟
يتزايد البحث عن تفسير وقضينا إلى بني إسرائيل لتفسدن في الأرض مرتين، إذ تتعدد مرات إفساد بني إسرائيل منذ آلاف السنين، فلماذا ذكر الله تعالى إفسادهم مرتين فقط، كذلك ما المقصود بالآية التالية لها، وهل تنبئ تلك الآيات بنهاية إسرائيل؟، هذا ما نعرضه عبر القاهرة 24 في هذا التقرير.
وقد أعاد للأذهان واهتمام الرأي العام تفسير هذه الآيات المباركات من سورة الإسراء، ما شهدته فلسطين من تحركات ضد الكيان المحتل وتبادل الصراعات بعد فترة طويلة من الهدوء، ومحاولات الغرب لدعم الاحتلال والحشد ضد الفلسطينيين، فيما كثر تداول مقاطع فيديو لكثير من الأئمة ورجال الدين وعلى رأسهم الشيخ الشعراوي، للاستدلال به على أن ما حدث هو بمثابة اقتراب نهاية إسرائيل على حد وصف الكثير من نشطاء التواصل الاجتماعي.
تفسير وقضينا إلى بني إسرائيل لتفسدن في الأرض مرتين
قال ابن كثير في تفسير وقضينا إلى بني إسرائيل لتفسدن في الأرض مرتين، إن الله تعالى قد أخبرهم في كتابهم وهو التوراة من غير تحريف، أنهم سيفسدون في الأرض مرتين وسيعلون علوًا كبيرًا "أي: يتجبرون ويطغون ويفْجُرون على الناس".
ثم أتبع ذلك قوله تعالى "فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا"، وهو ما شرحه ابن كثير بأنه "عندما جاء موعد أولى الإفسادتين سلطنا عليكم جندا من خلقنا لهم قوة وعدة وسلطة شديدة فتملكوا بلادكم، وسلكوا خلال بيوتكم، أي: بينها ووسطها، وانصرفوا ذاهبين وجائين لا يخافون أحدا".
ولكن جاء اختلاف المفسرون حول من هم الذين تسلطوا على بني إسرائيل من عباد الله في أول مرة للإفساد، فرأى ابن عباس وقتادة أنه جالوت الجزري وجنوده، وأنه عندما قال تعالى "ثم رددنا لكم الكرة عليهم"، يُقصد بها قتلهم جالوت وعودة سلطتهم ثانية، بينما رأي سعيد بن جبير أنه ملك الموصل سنجاريب وجنوده أو بختنصر ملك بابل.
تفسير آية وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين
ويهتم كثيرون بقول الإمام محمد متولي الشعراوي في تفسير آية وقضينا إلى بني إسرائيل لتفسدن في الأرض مرتين، حيث توقف الإمام عند قوله تعالى "لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مَرَّتَيْنِ" متسائلًا: وهل أفسد بنو إسرائيل في الأرض مرتين فقط؟، ليبين الإمام بعدها أن العلماء ذهبوا إلى أن المرتين حدثتا قبل الإسلام، مستدلين بأن المتأمل لسورة الإسراء يجدها قد ربطتهم بالإسلام، قائلًا "فيبدو أن المراد بالمرتين أحداثٌ حدثتْ منهم في حضْن الإسلام".
ووافق الشعراوي هذا الرأي مستدلًا بقوله تعالى: "فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا"، فقال "معلوم أن (إذَا) ظرف لما يستقبل من الزمان، فهذا دليل على أن أولى الإفسادتين لم تحدث بعد، فلا يستقيم القول بأن الفساد الأول جاء في قصة طالوت وجالوت، وأن الإفساد الثاني جاء في قصة بختنصر".
وقال إن قوله: "بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَآ" دليل آخر على أن الإفسادتين كانتا في حضن الإسلام "لأن كلمة {عِبَادًا} لا تطلق إلا على المؤمنين، أما جالوت الذي قتله طالوت، وبختنصر فهما كافران".
وعندما وصل لقوله تعالى "ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا"، أوضح في تفسيره المنتشر على اليوتيوب، أن وضع انتصار عباد الله عليهم لم يستمر لأن المسلمين تخلَّوْا عن منهج الله وتَنصَّلوا من كَوْنهم عبادًا لله، فدارت عليهم الدائرة، وتسلّط عليهم اليهود.
وعاد ليخاطب المسلمين "وبعد أن استحقوا أن يكونوا عبادًا لله بحق تراجعت كِفتهم وتخلَّوْا عن منهج ربهم، وتحاكموا إلى قوانين وضعية، فسلَّط عليهم عدوهم ليؤدّبهم، فأصبحتْ الغلبة لليهود".
وأكد أن العرب واسرائيل لم تدور بينهما حروب منذ عصر الرسول إلى أن حدث وَعْد بلفور، الذي أعطى لهم الحق في قيام دولتهم المزعومة في فلسطين، وكانت الكَرَّة لهم علينا في عام 1967، وأمدهم الله بالمال "حتى أصبحوا أصحاب رأس المال في العالم كله، وأمدّهم بالبنين الذين يُعلِّمونهم ويُثقّفونهم على أعلى المستويات، وفي كل المجالات".
وشدد الإمام على أن "اليهود ضعفاء في أنفسهم ولابد لهم لكي تقوم لهم قائمة من مساندة أنصارهم وأتباعهم من الدول الأخرى، وهذا واضح لا يحتاج إلى بيان منذ الخطوات الأولى لقيام دولتهم ووطنهم القومي المزعوم في فلسطين، وهذا معنى قوله تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا}". وأوضح أن النفير المراد بها هنا الدول الكبرى التي ساندت اليهود وصادمت المسلمين.
واختتم الشعراوي تفسيره للآيات ببشرى من الله أن النصر عليهم لن يأتي إلا بعودة المسلمين عباد لله "ومازالت الكَرَّة لهم علينا، وسوف تظل إلى أنْ نعود كما كُنَّا، عبادًا لله مُسْتقيمين على منهجه، مُحكِّمين لكتابه، وهذا وَعْد سيتحقّق إنْ شاء الله، كما ذكرتْ الآية التالية: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا...}".
تفسير وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن
وانتشر تفسير وقضينا الى بني اسرائيل في الكتاب لتفسدن للبيضاوي، والذي يقول بأن بني إسرائيل أفسدوا في الأرض مرتين، وكانت أول مرة يتجبرون فيها، أرسل الله عليهم بختنصر الذي أذلهم وقهرهم، ثم أعاد الله لهم قوتهم كأول مرة فلم يتوبوا إلى الله بل طغوا أكثر، وعندما علوا أرسل الله عليهم بيردوس ملك بابل وبعد أن هزمهم وقهرهم، أعلمهم الله بأنهم مازال أمامهم فرصة ليرحمهم إن تابوا ولم يعودوا للإفساد وحذرهم من عاقبة أمرهم إن بغوا مجددًا.
وقد استدل الكثيرون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر وراءه اليهودي: يا مسلم، هذا يهودي ورائي فاقتله"، رواه البخاري ومسلم، بأن الله سيعيد عليهم العذاب وسيرسل عليهم من يقهرهم مجددًا.