المخرج محمد عبد العزيز: قائمة تحديد الأجور زوبعة فنجان.. وأعتقد أن عادل إمام في فترة راحة | حوار
تتلمذ المخرج محمد عبد العزيز على يد المخرج صلاح أبو سيف رائد الواقعية في السينما المصرية، لكنه اختار لنفسه لونًا مختلفًا لمع نجمه خلاله ألا وهو الكوميديا، وقدم عبر إطارها 18 فيلمًا مع الزعيم عادل إمام، واعتبره النقاد خليفة المخرج فطين عبد الوهاب، ورغم توقفه عن الإخراج منذ ما يقرب من 13 عامًا فإن رسالته الفنية لم تنته، فهو حريص على نقل خبراته لخلق أجيال جديدة واعية، لعل أبرزهم نجله النجم كريم عبد العزيز، المتربع على عرش إيرادات السينما المصرية بـ 3 أعمال.
وحاور القاهرة 24 المخرج كريم عبد العزيز على هامش الدورة 39 من مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط، وإلى نص الحوار:
لمَ تحرص على حضور فعاليات مهرجان الإسكندرية السينمائي سنويًا؟
كنت شاهدًا على المهرجان منذ أول دورة بصفتي ضيفًا، ومن ثم مشارك بأفلام عديدة، وعضو إحدى لجان التحكيم ومن بعدها رئيس إحدى لجان التحكيم، كما أن لدي العديد من الذكريات المرتبطة بالإسكندرية، حيث إنني صورت العديد من المشاهد في الإسكندرية، وأحن كثيرًا لرونق الإسكندرية في فترة منتصف الخمسينيات والستينيات، فهي كانت ساحرة، وأتذكر أنني عندما زرت مدينة برايتون الساحلية في إنجلترا شعرت بنفس أجواء الإسكندرية والمعالم والكورنيش فيها كالإسكندرية في فترة الخمسينيات، وشعرت بسعادة غامرة.
تربع نجلك كريم عبد العزيز على عرش إيرادات أفلام السينما المصرية بـ 3 أفلام.. في رأيك ما هو سبب استمرارية نجاحه؟
دعيني أتحدث عن مشوار كريم منذ البداية، حيث كانت دراسته في مدارس فرنسية وطلب مني الحصول على شهادة الثانوية العامة من أمريكا، فوافقت ليكتسب لغتين، وعندما حصل على مجموع كبير جدًا في المرحلة الثانوية، تمنيت التحاقه بأي كلية من كليات القمة، وفوجئت بطلبه دراسة الإخراج في معهد السينما، ومن ثم في العام الثاني بدراسته بالمعهد طلب خوض مجال التمثيل، فرفضت، وطلبت منه تحديد الطريق أولًا، واتضح لي فيما بعد أنه يفهم طريقه أكثر مني، وأثبت لي بموهبته أنه ينتمي لما هو أمام الكاميرا وليس خلفها، واستمراريته بالمجال ناتجة عن دراسته للإخراج كما أنه كان متفوقًا وحصد المركز الأول بدفعته، وكان يحضر معي كواليس العديد من الأعمال، فهو دارس لحركات الكاميرا والعدسات وإيماءات المخرج.
كما أن لدى كريم قدرة على اختيار الأعمال جيدة جدًا، وفاجئني باختياراته الناجحة، فهو لا يلهث وراء أي شيء سوى تحقيق صورة له جيدة، وذلك اتضح في فيلم الفيل الأزرق ومن ثم كيرة والجن وأخيرًا فيلم بيت الروبي، ليحقق أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية من 3 أفلام، حيث تخطى فيلم بيت الروبي حاجز 133 مليون جنيه، وذلك رقم خرافي، كما أنني فوجئت بتصويره حاليًا لمسلسل شديد الأهمية وهو الحشاشين عن قصة حياة حسن الصباح، فهو يختار جيدًا أعماله.
وفي بعض الأحيان يعطيني السيناريو ويطلب رأيي، وعندما أخبره بملاحظاتي أجد أنه دوّن البعض منها في دفتر ملاحظاته، فهو لديه التزام وحب للمهنة وتواضع شديد جدًا أوصله للمكانة التي هو بها الآن.
في رأيك لمَ لا تظهر شائعات على نجلك كريم كما نرى مع بعض الفنانين الآخرين؟
كنت أعامله بمنتهى الود والحب أحيانًا في تربيتي له، وعلّمته ركوب الخيل والسباحة وقيادة السيارات، وفي يوم من الأيام استقل سيارتي دون استئذاني وكسّر السيارة، حينها كنت معه في منتهى القسوة والعنف، فخلقت بداخله إحساس بالمسئولية، وزرعت به أن يكون متواضعًا جدًا، فهو صديق لأصغر عامل في البلاتوه، ويود الناس جميعًا، وقليل الظهور، ولا يتحدث عن أي شخص عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك ما أكدت عليه في ندوة الفنان خالد زكي خلال فعاليات مهرجان الإسكندرية، أنه ليس كافيًا أن يكون الفنان دارسا ويجيد أداء الشخصيات وأن يكون ملتزمًا، ولكن الأهم أن يكون لديه نبل وصفاء وقيم إنسانية تحكمه، ستنعكس على أدائه واختياراته وحب الناس له، وأحمد الله أنه كرمني في نجلي كريم.
هل وافقت على إعادة نجلك لاستخدام اسم فيلمك البعض يذهب للمأذون مرتين في فيلم جديد له ووضع كلمة لا فقط في العنوان؟
نعم.. فاجأني كريم ذات يوم وطلب الاستعانة باسم فيلم البعض يذهب للمأذون مرتين، ووضع كلمة لا فقط في متن العنوان، وسطى على الاسم بالفعل، كما أنه في خطته أن يعيد بعض من أعمالي لإعجابه بها جدًا.
ما هي أعمالك التي يريد كريم إعادة تقديمها؟
قدمت في تاريخ 67 فيلمًا روائيًا و20 مسلسلًا و3 مسرحيات حققت نجاحًا كبيرًا وهي شارع محمد علي وعفروتو وبهلول في اسطنبول، ولكن كريم لديه تصور لإعادة صياغة بعض الأفلام بشكل يواكب العصر الحالي، وعلى رأسها فيلم انتخبوا الدكتور سليمان بطولة الفنان عادل إمام وكتابة الراحل وحيد حامد، فهو معجب جدًا بشخصية الدكتور سليمان، كما أنه اتفق مع المخرج مروان حامد نجل وحيد على إعادة الفيلم بشكل مغاير ومختلف.
بين نجلك كريم والمخرج مروان حامد كيمياء بالفن.. هل حرصت مع الراحل وحيد حامد على توارث توافقكما والكيمياء التي جمعتكما لأبنائكما؟
في فترة من الفترات ارتبط كريم بأحمد نادر جلال وعملا سويًا في أعمال عديدة ونجحت بشكل كبير، وكان أيضًا المخرج نادر جلال زميلي ودفعتي وضمن أصدقائي المقربين من الدفعة، كما أنني عملت مع وحيد حامد في فيلمين وكان قريبا مني، وفوجئت بصداقة كريم بابنه مروان، وحتى الآن يقول لي مروان “بابا” باعتبار أنني درست له في المعهد لمدة أربع سنوات، وبشكل تلقائي نشأ الأولاد مرتبطين ببعضهما البعض، أجيال تُكمل بعض، وأحمد الله أنهم دارسين ومتربيين وحققوا نجاحات معا.
بما أنك دكتور في معهد السينما.. ما رأيك فيما يقال حول عدم تدريس الأكاديميات وآداب قسم مسرح التمثيل؟
أكاديميات الفنون في مصر شيء نفخر به بشكل كبر، فهم ما يقرب من 7 أو 8 معاهد على أعلى مستوى في مختلف الفنون سواء الكونسرفتوار أو الباليه أو فنون الطفل أو التذوق أو الفنون الشعبية، فهم أكاديميات لن تتكر على مستوى الشرق الأوسط كله، وخرّجت أجيالًا عظيمة في كل مجالا الفن، وتؤدي دور ضخم وشديد الأهمية في الفن والثقافة، بغض النظر عما انتشر مؤخرًا من محاضرات في أماكن خارجية وورش فنية، ولكن يظل معهد السينما وفنون مسرحية وغيره المكان الشرعي والحقيقي لتخرج أجيالًا تطأ قدمها بشكل مُعد ومهيأ للفن، فهم أكاديميات كبيرة وعليقة لا يُمكن مقارنتها بدراسات أخرى، تقوم بتعليم التمثيل والمهن المختلفة.
لمَ ابتعدت عن الإخراج بعد مسلسل بابا نور عام 2010؟
رحلتي كانت طويلة جدًا، حاليًا أشعر براحة نفسية كبيرة، فأنا حصلت على العديد من الجوائز وتذوقت طعم النجاح من كل مكان، وكنت من أكثر المخرجين الذي عملوا بالمهنة وقمت بالتصوير أيضًا خارج مصر ما بين لندن وعدة مدن ودول خارجية، وأرى أنني أريد فترة هدوء وراحة.
كما أنني تفرغت لتعليم أجيال جديدة أتناقش معهم واستفيد من رؤيتهم وأنقل لهم خبراتي القديمة، فالمعهد يعطيني الشعور بأنني لا زلت في المهنة، وأفخر بتخرج أولاد جُدد سنويًا لي، وأرى أنه من الضروري نقل تلك الخبرات لأجيال أخرى وأسعد بتحقيقهم ذاتهم سواء أمام أو خلف الكاميرا.
إذ افترضنا أنك لم تتوقف عن الإخراج.. مَن الفنان أو الفنانة الذي من الممكن أن تخرج له من الجيل الحالي؟
أحمد عز، حيث إنه ممثل يتخذ الأمور بجدية كبيرة، مع العلم أنني عملت مع معظم نجوم الجيل الحالي في مسرحية عفروتو منهم هنيدي والسقا ومنى زكي وهاني رمزي، وفي فيلم حلق حوش مع ليلى علوي وهنيدي.
إذا تعكر صفوك.. مَن الفنان الذي إذا استمعت تتحسن حالتك المزاجية؟
هناك الكثير، ولكن أُفضّل عبد الحليم، فهو لن يتكرر، كان لديه إحساس وشجن وتأثير وذكاء حاد لن يتكرروا، فأنا عاشق عبد الحليم بشكل كبير، وكانت تجمعني به صداقة قبل رحيله عن دنيانا، بدأت من فيلم أبي فوق الشجرة عندما كنت أعمل مع المخرج حسين كمال وأوكل لي مهمة تنفيذ الأغاني والاستعراضات الخاصة بالفيلم.
ما اليوم الذي لن تنساه في حياتك؟
هناك أيامً عديدة شهدت على نجاحات وانكسارات، وتوقعت أن يكون لأفلام تأثير كبير ولم يكن وأفلام أخرى حققت نجاحات كبيرة.
هل تعرضت لحروب أو ضغوطات على مدار مشوارك الفني؟
بالتأكيد، فهو شيء طبيعي، وهناك ما يقرب من 4 أو 5 أفلام نجحت وكانت أفلامي في البداية وأصبحوا لزملاء آخرين، أما الفيلم الذي سعدت بصدى نجاحه، فيلم انتبهوا أيها السادة الذي أنتجته ولم يكن معي أموالًا بالقدر الكافي، ونفذته في 19 يوما، وعندما طُرح حقق رواجًا غير مسبوق حتى أن مجلة صباح الخير أصدرت عددًا بالكامل من الغلاف للغلاف عن الفيلم، وذلك لم يحدث من قبل مع أي فيلم تم طرحه، وحصلنا على العديد من الجوائز عن ذلك الفيلم، لذا أعتز به كثيرًا.
وما العمل الذي ندمت عليه؟ أو كان من الممكن أن يخرج بشكل أفضل؟
أعتقد فيلم ألف بوسة وبوسة، كان من الممكن أن يكون فيلم أهم مما هو عليه حاليًا.
بعد ذلك المشوار.. مَن الذي توجه له رسالة شكر وأخرى اعتذار؟
رسالة شكر للمخرج صلاح أبو سيف فهو سبب ارتباطي بالمهنة ودخولي معهد السينما، وعملت معه مساعدًا في فيلم القاهرة 30، ورغم أنه كان رائد الواقعية فإنني اتجهت للكوميديا، فأنا لن أنسى أبدًا فضل صلاح أبو سيف عليّ، ورسالة الاعتذار لأي شخص أخطأت أو أسأت له في يوم من الأيام، فأنا لم أدخل في معارك عنيفة مع أي شخص من قبل.
هل تواصلت مع الزعيم عادل إمام للاطمئنان عليه بعد أنباء احتجاز أسرته له في المنزل؟
تواصلت مع أبنائه وسألت عن حالته، ودائمًا أطمئن على عادل من خلال نجله رامي، كما أنني قابلت بعض الأصدقاء المشتركين بيننا، وأخبروني أنه بحالة جيدة ولكنه في فترة راحة بعد مشواره الطويل، فأنا عملت مع عادل 18 فيلما سويًا، وقدم عادل ما يقرب من 100 فيلم والعديد من المسرحيات التي عُرضت لسنوات طويلة، وأعتقد أن شعوره حاليًا مثل شعوري، فهو يريد راحة بعد أداء رسالته بشكل جيد.
تداول مؤخرًا قائمة لتحديد أجور الفنانين والصناع.. ما رأيك بها؟
كانت زوبعة فنجان، وسعيد جدًا بدور النقابات، حيث إنهم التفوا ورفضوا ذلك التصور الغريب الدخيل علينا، كما أن المخرجين اجتمعوا في نقابة المهن السينمائية رافضين الموقف بشكل كبير، وإعلان الأجور بذلك الشكل السخيف، ومن الممكن أن مخططي ذلك الأمر بُعاد عن المهنة وكانوا يريدون فرض أنفسهم على أصحاب المهنة الحقيقيين، وتم رفض الأمر بتاتًا.
ماذا عن رأيك في قرارات النقابات بشأن تحديد أُطر التعامل في الأعمال الفنية؟
من الممكن أن تكون تلك القائمة نوعًا من أنواع الانتفاضة، فأنا مبتعد عن الإخراج منذ فترة، ولكن يتردد على مسامعي أن هناك بعض الأيام التي تزيد عدد ساعات تصويرها ما يزيد عن 19 ساعة، وبلغني أيضًا وصولها إلى 35 و39 ساعة، أصبح العمل حالة من حالات السُخرة.
عذرًا للمقاطعة.. أبطال فيلم هارلي صوروا ما يزيد عن 50 ساعة متواصلة!
كيف للممثل أن يكون لديه القدرة على التمثيل والأداء؟ أو العاملين في موقع التصوير؟، فهي ليست “أشغال شاقة” بل متعة، في رحلتي الطويلة بالإخراج لم أنفذ يومًا واحدًا زادت عدد ساعات تصويره عن 9 ساعات يتخللها ساعة راحة، أتذكر جيدًا عندما كنت أصور مسلسل في لندن وفي ذات يوم كان ينقصني تصوير نهاية مشهد فقط ولم يكن ليستغرق 4 أو 5 ثواني، فوجئت بانقطاع الكهرباء وطالبونا باستكمال التصوير في اليوم التالي، وأيضًا المخرج الكبير بركات الذي لا يمكننا أن ننسى أفلامه العظيمة، أيام تصويره لم تكن تتخطى 6 ساعات، فكان من الضروري تدخل النقابات لإيقاف استغلال جهود العاملين بتلك الطريقة البشعة.
وما رأيك في الأجيال الجديدة ولمعانهم مثل الفنان محمد رمضان؟
أتابع الساحة جيدًا، ومحمد رمضان ممثل جيد جدًا وأتمنى أن يحول العلاقة بينه وبين الجمهور وحبهم له لأشياء أكثر قيمة وأكثر أهمية، ليس بالتباهي وترديد “نمبر وان ونمبر 85”، ولكن القيمة هي التي تبقى بشكل أساسي في نفوس الناس.
أخيرًا.. ماذا عن الأمنية التي تتمنى تحقيقها بعد؟
أتمنى أن يهتم الجيل الذي أدرس له في معهد السينما بالمضمون إلى جانب الشكل، وألا يعتمدوا فقط على عملية الإبهار، بدليل أن أعمال الأعمال ذات الأبيض والأسود ما زالت متصدرة ونسبة مشاهداتها كبيرة؛ لأن صناع تلك الأعمال اهتموا بالمضمون، حيث أن الجانب التقني ضعيفًا قديمًا.