ما حكم العمل في الشركات العالمية المتعددة الجنسيات وفيها رأس المال أو معظمه لليهود؟.. الإفتاء توضح
ردت دار الإفتاء المصرية، على سؤال ورد إليها نصه: هل يجوز العمل في الشركات العالمية المتعددة الجنسيات المالتي ناشيونال، التي يكون رأس المال فيها أو معظمه لغير المسلمين وخاصة اليهود؟.
العمل في الشركات العالمية المتعددة الجنسيات وفيها رأس المال أو معظمه لليهود.. الإفتاء توضح الحكم
وقالت الإفتاء في فتوى سابقة عبر موقعها الإلكتروني: الشركات العالمية الكبرى، التي يُطلق عليها أحيانًا "متعددة الجنسيات" يَعمل فيها عمالٌ من كل الجنسيات والديانات المختلفة، وكذلك يشارك في رأس مالِها كثيرٌ من الجنسيات والديانات المختلفة، والذي يؤرِّق بعضَ الناس من المسلمين والعرب أن بعضًا -إن لم يكن كثيرًا- من المساهمين بأموالهم في هذه الشركات من اليهود، فهل يجوز العمل معهم كديانة خاصة في هذا الوقت الذي يحتل فيه اليهودُ بعضَ المقدسات، وقد يعينون المغتصبين بهذه الأموال التي يحصلون عليها من أرباح هذه الشركات؟.
وأضافت الإفتاء: والذي ينظر في واقع الأمر يرى أن اليهود ليسوا كلهم محتلين، فبعضهم يقيم في دول أخرى خارج الأرض المحتلة، بل إن بعضهم يحرم الذهاب إلى فلسطين ويرى أن الله أخرج اليهود منها فلا يجوز لهم أن يعودوا إليها، وبعضهم يرى أن اليهود وإن عادوا إليها فلا يجوز لهم أن يكونوا هم حكام البلاد، ثم إن إسرائيل لها معاهدات مع بعض العرب والمسلمين، ولو كان هؤلاء حربيين فلهم أيضا حكمهم في الشريعة.
وأردفت: وملخص القول في ذلك إن اليهود ليسوا كلهم أعداء، فقد يكونون ذميين أو معاهدين، وقد يكونون حربيين، مضيفة: والحكم في هذه المسألة له صور؛ فلو اعتبرنا أن هناك نوعًا من المشاركة فستكون بين المسلم وغير المسلم، والأصل فيها الجواز، وهذا قد بيناه في فتوى مستقلة.
وواصلت الإفتاء: وقد يكون العامل هناك أجيرًا عندهم، وهذا أيضًا الأصلُ فيه الإباحةُ، وقد فعل ذلك صحابةُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة، وأقرَّهم على ذلك.
وأكملت: وأما دليلُ الإجارة من المعاهد فهو ما أخرجه ابنُ عساكر وابن ماجه في "السنن" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أصابت نبيَّ الله صلى الله عليه وآله وسلم خَصَاصةٌ، فبلغ ذلك عليًّا رضي الله عنه، فخرج يلتمس عملًا يصيب فيه شيئًا ليغيث به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأتى بستانًا لرجل من اليهود، فاستسقى له سبعة عشر دلوًا، على كل دلو تمرة، فخيَّره اليهودي على تمرهِ؛ فأخذ سبع عشرة عجوة، فجاء بها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «من أين لك هذا يا أبا الحسن؟» قال: بلغني ما بك من الخصاصة يا نبي الله، فخرجت ألتمس لك عملًا لأصيب لك طعامًا. قال: «حملك على هذا حبُّ الله ورسوله؟» قال: نعم يا نبي الله.
وأردفت: وأخرج الطَّبَرَانِيُّ فِي "الْأَوْسَطِ" عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَرَأَيْتُهُ مُتَغَيِّرًا، قَالَ: قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا لِيَ أَرَاكَ مُتَغَيِّرًا؟ قَالَ: «مَا دَخَلَ جَوْفِي مَا يَدْخُلُ جَوْفَ ذَاتِ كَبِدٍ مُنْذُ ثَلَاثٍ» قَالَ: فَذَهَبْتُ فَإِذَا يَهُودِيٌّ يَسْقِي إِبِلًا لَهُ، فَسَقَيْتُ لَهُ، عَلَى كُلِّ دَلْوٍ تَمْرَةٌ، فَجَمَعْتُ تَمْرًا، فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مِنْ أَيْنَ لَكَ يَا كَعْبُ؟» فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أَتُحِبُّنِي يَا كَعْبُ؟» قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ، نَعَمْ. وإسناده جيد كما في "الترغيب" و"مجمع الزوائد".
وأضافت: وبمثل قولنا صرَّحت طائفة من أهل العلم: قال الإمام ابن قدامة في الكافي: [ولا بأس أن يؤجر نفسه من الذمي، نص عليه؛ لأن عليًّا رضي الله عنه أجر نفسه يهوديًّا، يسقي له كل دلو بتمرة، وأخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم ينكره. وأكل أُجْرَته، ولا يؤجر نفسه لخدمته؛ لأنه يتضمن إذلال المسلم للكافر فلم يجز، كبيعه إياه، ويتخرج الجواز؛ لأنه عاوضه عن منفعة، فجاز، كإجارته لعمل شيء] اهـ.
وأردفت: وأما كونهم يحصلون على الأرباح نتيجة ذلك فالجواب أن المسلمين أيضًا يحصلون على الأموال في مقابل ذلك، كما قد يحصلون على منافع كالبترول الذي تنقب عنه بعض هذه الشركات؛ ولذلك جازت التجارةُ مع أهل الحرب لما فيه من منافعَ لنا، وهي كثيرة ومتنوعة، مع كونهم يحصلون على أرباح أيضًا، ومن أدلة جواز ذلك ما ورد في "الصحيحين" في قصة إسلام ثُمَامَة بن أُثَالٍ، سيد أهل اليمامة حين أسلم، وفيها: "فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: أَصَبَوْتَ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَلَا وَاللهِ، لَا يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ".
وواصلت: أخرجه أيضًا ابن حِبَّان وقال: "فِي هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ التِّجَارَةِ إِلَى دُورِ الْحَرْبِ لِأَهْلِ الْوَرَعِ"، ويوضح ما ذكره ابن حبان رواية البيهقي في "الدلائل" وفيها: "فَأَغْضَبُوهُ فَقَالَ: إِنِّي وَاللهِ مَا صَبَوْتُ وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ، وَصَدَّقْتُ مُحَمَّدًا، وَآمَنْتُ بِهِ، وَايْمُ الَّذِي نَفْسُ ثُمَامَةَ بِيَدِهِ، لَا تَأْتِيكُمْ حَبَّةٌ مِنَ الْيَمَامَةِ -وَكَانَتْ رِيفَ مَكَّةَ- مَا بَقِيتُ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَانْصَرَفَ إِلَى بَلَدِهِ، وَمَنَعَ الْحَمْلَ إِلَى مَكَّةَ، حَتَّى جَهَدَتْ قُرَيْشٌ، فَكَتَبُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ بِأَرْحَامِهِمْ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى ثُمَامَةَ يُخَلِّي حَمْلَ الطَّعَامِ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ".
ووجه الدلالة: أَمْرُهُ صلى الله عليه وآله وسلم لثُمَامَة بإرسال الطعام إلى مكة، وهم محاربون له وقتئذٍ.
واختتمت: وبديهي أن ما سبق مرتبط بعدم وجود ضرر على المسلمين من هذا العمل، وإلا اختلف الحكم، مردفة: وبناءً على ما سبق: فإن العمل في مثل الشركات العالمية متعددة الجنسيات أمرٌ جائزٌ شرعًا ما دام أن هذا العمل غيرُ مرتبطٍ بوجود الضرر بالمسلمين، والله سبحانه وتعالى أعلم.