الحكومة: تخصيص 1.6 مليار دولار لتعزيز وتطوير الصناعة منذ منتصف عام 2016
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بـ مجلس الوزراء، تحليلا جديدا تناول من خلاله مفهوم السياسة الصناعية، موضحا أنه يمكن تعريفه بأنه الجهود التي تبذلها الحكومات لدعم صناعات محددة، مثل الصناعات الثقيلة (الحديد والصلب، والنفط، والفحم، والسفن)، والصناعات العسكرية، والفضائية، وصناعة أشباه الموصلات، والمركبات الكهربائية، وتلعب هذه السياسات دورًا مهمًّا في دعم الأمن القومي والقدرات التنافسية للصناعات.
ويأتي ذلك من خلال مجموعة من الأدوات تتمثل في الإعانات، والحوافز الضريبية، وتطوير البنية التحتية للنهوض بالصناعة، ودعم البحث والتطوير، والسياسات الجمركية الحمائية، حيث تهدف إلى حماية المنتج الوطني عن طريق مجموعة من الأدوات تعوق ولوج المنتج الأجنبي.
وتم استخدام السياسات الصناعية في السنوات الماضية كجزء من استراتيجية النمو؛ بهدف الحفاظ على الاستقرار المالي، وتأسيس "شركات وطنية رائدة"، ودعم الأمن القومي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الصناعات المهمة، والنمو الشامل، ورفع قدرات التوظيف، وإنعاش قطاع التصنيع.
وفي هذا الصدد، روَّجت دول عديدة لصناعات معينة، مثل أشباه الموصلات في تايوان، والطاقة المتجددة في ألمانيا، والفضاء في فرنسا، وفي ظل النزعة القومية الاقتصادية والتوترات الجيوسياسية التي يشهدها العالم فمن المرجح أن يظل إنشاء شركات وطنية رائدة هدفًا سياسيًّا مهمًّا للحكومات التي تسعى إلى تعزيز مصالحها الوطنية.
واستعرض التحليل الدور الذي لعبته السياسات الصناعية في الاقتصادات، ففي الفترات السابقة، أطلقت العديد من الدول سياسات صناعية، بما في ذلك ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية وأغلب دول أمريكا اللاتينية والصين، وحققت الدول درجات متفاوتة من النجاح، فبالنسبة لإنجلترا تطورت صناعة الصوف في القرن الـ 14 باستخدام التعريفات الجمركية وقيود التصدير وبعض العوامل الأخرى.
مفهوم السياسة الصناعية
أما بالنسبة لألمانيا فقد فرضت في القرن الـ 19 تعريفات جمركية لحماية كلٍّ من الزراعة والصناعة، وكذلك اتبعت الصين العديد من السياسات الصناعية في إطار الخطة الاستراتيجية "صنع في الصين 2025" والتي تهدف إلى تعزيز التصنيع المحلي عالي التقنية وحددت الاستراتيجية الهدف العام المتمثل في رفع المحتوى المحلي من المكونات والمواد الأساسية إلى 70% بحلول عام 2025. كذلك رفع نسبة الإنفاق على البحث والتطوير كنسبة مئوية من المبيعات من 0.95% في عام 2015 إلى 1.68% بحلول عام 2025.
ويزعم العديد من الخبراء أن السياسة الصناعية في آسيا كانت سببًا في تغذية شرق آسيا، وتحقيق التنمية الاقتصادية السريعة التي شهدتها دول المنطقة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية؛ حيث عززت اليابان وكوريا الجنوبية صناعات الصلب وأشباه الموصلات باستخدام مجموعة من القيود التجارية والاستثمارية والإعانات وغيرها من السياسات، وبحلول الثمانينيات أصبحت اليابان قوة اقتصادية عظمى تنافس الولايات المتحدة الأمريكية، وقد يرى البعض أن هذا التقدم كان نتيجة للسياسات التجارية التي اتخذتها.
وكذلك تم إنشاء وكالة مشروعات الأبحاث المتقدمة في مجال الطاقة (the Advanced Research Projects Agency-Energy)، التابعة لوزارة الطاقة الأمريكية في عام 2007 من أجل الوصول إلى طاقة نظيفة وبأسعار معقولة. وتقدم وكالة مشروعات الأبحاث المتقدمة للطاقة تمويلات لمشروعات الطاقة، وتتراوح الميزانية السنوية للوكالة من 180 مليون دولار إلى 400 مليون دولار.
وتدرس شركة صناعة البطاريات السويدية نورثفولت (Northvolt) - واحدة من ضمن شركات كثيرة تعتزم إقامة استثمارات لها في الولايات المتحدة الأمريكية - فرص استثمارات جديدة لها في أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية.
وأكد التحليل أن عودة السياسات الصناعية سيترتب عليها عددًا من النتائج، فمن المؤكد أنها ستخلق موجة من التغييرات التنظيمية في الدول، فبعدما أقرَّت الولايات المتحدة الأمريكية قانون خفض التضخم، شرع الاتحاد الأوروبي في اتخاذ سياسته الصناعية المتعلقة بالمناخ، على سبيل المثال سياسة دعم تصنيع وتطوير البطاريات التي أطلقها الاتحاد في يوليو 2023، وكذلك أصدر الاتحاد قانون الرقائق الذي يهدف إلى زيادة نسبة مساهمة الاتحاد في الإنتاج العالمي من الرقائق بنسبة تتراوح بين نحو 10% و20%، وتقديم نحو 43 مليار يورو لتعزيز صناعة الرقائق الإلكترونية في القارة الأوروبية.
ويرجع إصدار الاتحاد هذه السياسة إلى التخوف من أن يؤدي الدعم الأمريكي الخاص بقانون خفض التضخم لاستخدام الطاقة النظيفة إلى توجه الاستثمار خارج أوروبا. كذلك أقرَّت كلٌّ من كندا وإنجلترا والصين وكوريا الجنوبية بعض السياسات لدعم التصنيع المحلي، فعلى سبيل المثال أقرت كوريا الجنوبية "قانون رقائق K" (“K-Chips Act”) لتعزيز الاستثمار في الرقائق الإلكترونية.
وتناول مركز المعلومات في تحليله السياسات الصناعية في مصر، حيث تُعَد الدولة المصرية واحدة من الدول التي أولت اهتمامًا بالسياسات الصناعية في القرن الماضي وحتى أوائل التسعينيات، فأطلقت خطة للتصنيع في الخمسينيات تتضمن تقديم الدعم عن طريق الرسوم الجمركية المرتفعة على الواردات، والقروض الميسرة للصناعات الثقيلة مثل الحديد والصلب والمواد الكيميائية، وفي التسعينيات تم إصدار برنامج التعديل الهيكلي، وقد تضمن تحرير الأسعار والتجارة وخفض الدعم.
كما عملت مصر مؤخرًا على تعزيز وتطوير الصناعة من خلال محاور رئيسة تحت مظلة استراتيجية مصر الرقمية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات 2030 والاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي، وهي:
- أولًا: تطوير البنية التحتية الرقمية: حيث تم تخصيص 1.6 مليار دولار أمريكي منذ منتصف عام 2016.
- ثانيًا: رفع كفاءة الاتصال الرقمي، وتوفير إنترنت سريع وبأسعار معقولة، مع توسيع نطاق التغطية له وللكهرباء؛ ومن بين الإجراءات المتخذة في هذا المجال: الاستثمارات في شبكات 4G/ 5G وشبكات الألياف الضوئية من قبل القطاعين العام والخاص، وإطلاق القمر الصناعي "طيبة" لزيادة تغطية المكالمات والإنترنت، كذلك استبدال كابلات الألياف الضوئية بالكابلات النحاسية، والاستثمار في البنية التحتية لشبكة الجيل الخامس.
- ثالثًا، أصدرت مصر لوائح جديدة للاقتصاد الرقمي 2018 تتيح خيارات الدفع الرقمي من خلال قانون المدفوعات الإلكترونية وقانون حماية البيانات الشخصية.
- رابعًا، تعزيز الرقمنة في الشركات، وتُقدِّم الدولة حوافز جديدة لتسريع التحول الرقمي في الشركات ودعم البحث والتطوير في هذا المجال.
- خامسًا، تعزيز الشركات الناشئة، حيث أنشأت جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر في عام 2017، وعملت على سد فجوة التمويل لها، وأطلقت المبادرات والسياسات لدعم الشركات الناشئة، ولا سيما تلك العاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والإلكترونيات.