الكوربة وضواحيها والساحل وتصادم أمواجه.. كيف اعتمدت أفلام المهرجانات الفنية على راحة الأعين وسكون الروح؟| تقرير
اعتادت أعيُن المشاهدين على نوعية معينة من الأعمال الفنية، سواء الدرامية كانت أم السينمائية، الأعمال المألوفة بالنسبة لهم ولثقافتهم، ولما تعودوا عليه منذ بداية خلق الفن وعالمه؛ لذلك أغفل الجمهور أهمية أعمال المهرجانات الفنية التي قد تكون ذات قيمة كبيرة ومضمون جيد، كونهم لم يعتادوا عليها، وهي غير تجارية وغير مألوفة على أغلب المشاهدين، وتعد المهرجانات هي مأوى تلك الأعمال دائمًا؛ وذلك لأن جمهور دور عرض السينمات، لا يتطلعون لمشاهدة مثل تلك الأعمال، التي قد تبدو بلا أحداث بالنسبة لهم، وأنهم تعودوا بشكل كبير على الأعمال التجارية، وتصاعد أحداثها بالرتم الطبيعي.
وجدير بالذكر، أن هذه الأعمال تعتمد بشكل أكبر على الكادرات الـ wide والـ close-up، المريحة للأعيُن والمخاطبة للروح وسكونها، وكذلك الكادرات التي تبرز كل ما هو غير بشري، فتركز على تصوير المناظر الطبيعية، الحيوانات، الجماد، وكذلك الطعام، مثل كادرت خان الغنية عن التعريف، وغالبا تعتمد تلك الأعمال على أن تكون أبطالها أعدادهم قليلة، ويكونون أغلب الوقت غير معروفين، لتكون تلك الأعمال بداية طريقهم في التمثيل.
وتزامنًا مع بدء عرض فيلم 19 ب منذ شهر، على منصة شاهد، بعد عرضه الأول في مهرجان القاهرة السينمائي في دورته السابقة الـ 44، نستعرض في السطور التالية أبرز أفلام المهرجانات التي مازالت تعرض حتى الآن، ولاقت إعجاب الجمهور، بعد عرضها على المنصات الإلكترونية، وشاشات التليفزيون.
العشم.. وخيبات آمال المتعلقين بحباله
قدمت المخرجة ماجي مورجان في عام 2013 الفيلم الروائي الطويل، عشم، وعرض العمل في عدة مهرجانات فنية، أبرزها مهرجان الدوحة ترايبيكا السينمائى، ومهرجان مهرجان الفيلم العربي الفرنسي، وكذلك مهرجان مالمو للسينما العربية، وغيرهم، والعمل كان مكون من أكثر من فيلم قصير، الذين أخرجتهم ماجي مورجان، ثم قررت جمعهم في فيلم روائي طويل، ولذلك دارت أحداثه في إطار القصص المنفصلة، حول الاضطرابات التي طرأت على البلاد خلال فترة ما قبل ثورة 25 يناير 2011، بالإضافة إلى مناقشة 6 علاقات في مراحل مختلفة، تعبرعن الطموح والسعادة وخيبات الأمل، ويجمع بينهم بائع متجول يُدعى عشم، واعتمدت ماجي مورجان في هذا العمل، على تصوير المشاهد بشكل هادئ، وركزت على الكادرات الواسعة التي تشمل عناصر المشهد بأكمله، وبعد عرضه في تلك المهرجانات، عرض الفيلم على قناة روتانا سينما، ومازال يعرض حتى الآن، ليدخل بيوت المشاهدين، وتُعطى له فرصة أن يشاهده عدد أكبر من الجمهور.
الساحل وتصادم أمواجه.. هدوء ما قبل زحمة الصيف بعيون خان
راحة العين وهدوء البال وكادرات واسعة لمياة بحر الساحل الشمالي الزرقاء، الممزوجة بخيوط الشمس الذهبية المتساقطة عليها، وكذلك تركيز محمد خان على تصوير وجوه أبطال العمل بعناية شديدة، ليظهر تفاصيل ملامحهم، والذين كانوا الفنانة هنا شيحة، والفنان ماجد الكدواني، وذلك في فيلم قبل زحمة الصيف، الذي عرض في عام 2015، وعرض لأول مرة في مهرجان دبي السينمائي الدولي، ثم تم عرضه على قناة روتانا سينما، ليلقى اهتماما من الجمهور المهتم بتلك النوعية من الأعمال غير الصاخبة، والمعتمدة على جمال المناظر بشكل أساسي، حيث دارت أحداث الفيلم في الشهور القليلة قبل بداية فصل الصيف رسميًا، حول الشخصيات الرئيسية للعمل، الذين أرادوا الهروب من صخب القاهرة وزحامها، والاتفاف حول شواطئ الساحل الشمالي واستغلال هدوئه قبل زحمة الصيف، واعتمد خان على تقليل صخب الأصوات البشرية، والإكثار من أصوات تصادم أمواج البحر العنيدة، وكذلك اهتمامه بكادرات الـ close-up على مشاهد الطعام، وتحديدًا الأسماك التي كان يطبخها الدكتور يحيى -ماجد الكدواني-.
سككنا صعب تتلاقى.. الكوربة وضواحيها جامعة البشر مختلفي الأهداف
كعادة المخرج أحمد عبد الله السيد، في تقديم كل ما هو غير مألوف ومُخاطب للروح والقلب قبل العقل، قدم لنا فيلم هليوبوليس، بطولة الفنان خالد أبو النجا، الذي اعتاد هو الآخر على تقديم تلك النوعية من أفلام المهرجانات غير التقليدية، والتي تعتمد على الصور وإبراز تفاصيلها، أكثر بكثير من تقديم قصة درامية دسمة مليئة بالأحداث الصاخبة، وعرض الفيلم في عام 2009 في مهرجان القاهرة السينمائي بدورته الـ 33، ومن ثم تم عرضه على شاشات التليفزيون، ودارت أحداثه في إطار ملئ بالمشاعر المخطلتة، ما بين اليأس والحيرة والحب والفراق والأمل، ويتناول قصص عدد من الشخصيات، الذين يجمع بينهم فقط اليوم والمكان، وهي منطقة مصر الجديدة بالقاهرة، وحي الكوربة المتواجد بها.
ويجسد بطل العمل -خالد أبو النجا-، دور صانع أفلام يحاول تصوير عدد من مشاهد فيلمه في تلك المنطقة، متواصلًا مع سكانها والعاملين بها، ومتغاضيًا عن أزمة فراق حبيبته، التي رحلت عنه، وتركت له رسالة صوتية، سمعها بآخر الفيلم، وجسدت دورها الصوتي الفنانة هند صبري، وجاء هذا المنولوج الخاص بها على النحو التالي: جيت على بالي النهاردة.. فـ قولت مش إشكال لو عرفت أخبارك إيه، أنا عارفة إن إحنا المفروض منتكلمش، بس أنا مستغربة إحنا إزاي مبقيناش نعرف حاجة عن بعض.. غريبة إني مبقتش أعرف يومك ماشي إزاي، كل واحد بقى له حياته.. سكك صعب أوي تتلاقى زي الأول.
الحيوانات الأليفة أحد أبطاله.. ولقطات الـ close-up أساسه
السايس المدافع الأول والأخير عن نفسه، منياوي الأصل، نصر -أحمد خالد صالح- الذي هجر منزله وانسلخ من بيئته وموطنه، للمجئ لقاهرة المعز والمكوث بها وبأحوالها، والعمل مع والده كـ سايس في أحد أحياء القاهرة، وتحمل أشواكها في مقابل العيش بتلك المنطقة التي بنى لنفسه بها عالمه الخاص، وكذلك حارس العقار القديم المتهالك -سيد رجب-، الوفي صاحب القدر الأكبر من الولاء لصاحب البيت الذي يحرسه، والذي سافر وأسرته إلى الخارج، ورموا توبة هذا المنزل، في حين رفض الحارس هذا التخلي عن ذكرياته وحياته التي بناها على جدران هذا المكان بالحي الذ مكث به، كل هذا وأكثر في فيلم 19 ب، الذي عرض في عام 2022، بالدورة الـ 44 من مهرجان القاهرة السينمائي، ثم تم عرضه في السينمات، وأخيرًا، عرض على منصة شاهد منذ فترة.
ودارت أحداث 19 ب بشكل أساسي حول تلك الشخصين، ونحيى معهما حياتهما بالشكل الروتيني البحت لها، وامتازت صورة هذا الفيلم بالاعتماد على الـ color palette غير الصاخبة والمكونة من الألوان الرتيبة، التي توحي برتابة روتين حياة البطلين، كما ركّز المخرج أحمد عبد الله على لقطات الـ close-up، على جميع الأشياء بتلك المنزل الكبير الذي يعيش به حارس العقار ويحرسه، في محاولة منه طوال الفيلم على إبراز تفاصيل المنزل ووضوح مدى قدمه، وكذلك التركيز على العلاقة القوية بين حارس العقار والحيوانات الأليفة التي كان يرعاها، واهتمامه بهم كأنهم جزء من عائلته الصغيرة، وجعلهم من أبرز أبطال الفيلم الأساسيين.