النكبات الفلسطينية
ما يحدث في فلسطين اليوم جريمة تضاف إلى ملف جرائم ومذابح الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني.
ووسط صمت دولى وبرعاية غربية أمريكية تحدث إبادة جماعية للشعب الأعزل، انتفض لها كل أحرار العالم منددين بجرائمهم ومطالبين بحق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة.
فلسطين عاشت فترات طويلة من النكبات، من القتل والتهجير القسري ودمار منازلهم بل وسلب حريتهم، منذ أن زرع الكيان في تلك المنطقة، ولم يتم الوصول إلى تسوية حقيقية لحل القضية الفلسطينية، بل كان توسع الكيان على حساب دمائهم واغتصاب ممتلكاتهم.
ففى عام 1799 فشل نابليون في فتح عكا وتوسيع الإمبرطورية الفرنسية، عاد وأصدر نداء إلى يهود العالم أن عليهم الهجرة للحصول على إرثهم، وترك ذلك صدى في نفوس اليهود، وولد لديهم آمالا بتحقيقه.
فى ذلك الوقت كانت فلسطين تحت الحماية العثمانية، التى بدأت تمرض وتكتب فصول نهايتها، ولم يفرط السلطان العثماني في شبر من أرضها برغم كل الضغوط علية والإغراءات، وفي ذات الوقت ظهرت الحركة الصهيونية 1840 وتبنى البارون روتشيلد فكرة إقامة وطن لليهود، وجاء هرتزل الذي يعتبر أبو الدولة اليهودية عام 1896 ينادي فى كل محافل أوروبا ويعقد المؤتمرات وينادى بهجرة اليهود، لتحقيق حلم اليهود في إقامة وطن لهم، وبدعم من الدول الكبرى آنذاك وخصوصا بريطانيا.
وفي مرج بن عامر ساعد روتشيلد حاييم وايزمان في خطته في عملية الاستيطان بإنشاء شركة لشراء الأراضى من الفلسطنيين، وبنى أول مستوطنة يهودية في فلسطين، واعتبر الفلسطنيون وقتها أن اليهود لا يمثلون تهديدًا وأنهم أقلية، لكن للأسف زاد شراء الأراضي حتى تم شراء مساحة كبيرة كان يمتلكها ثري لبناني، وكان شرط الصفقة شراء الأرض فقط بدون الفلسطنيين الذين يقومون بزراعتها، فتم لأول مرة تهجير أكثر من 60 ألف فلسطيني، والاستعاضة عنهم بيهود من اليمن لزراعتها بخلاف المهجرين.
وهكذا ركزت الحركة الصهيونية على شراء الأراضي، ثم تهويدها بزيادة حالات الهجرة إلى فلسطين، وغياب الوعي الفلسطيني عما يدبر لهم مستقبلا.
وتغير الحال بعد الحرب العالمية الأولى، وسعي بريطانيا لزرع حليف لها في الشرق لرعاية مصالحها وحمايتها بدلا من العرب، فاحتلت فلسطين، وتم توقيع اتفاقية سايكس بيكو، وأصدر وعد بلفور1917 بإنشاء وطن قومي لليهود، وكان الخطاب موجها إلى ليونيل دي روتشيلد، في سقطة أخلاقية كبيرة لبريطانيا، التي أخذت على عاتقها رعاية الحركة الصهيونية، وبمساعدة تشرشل وزير المستعمرات وقتها، لضمان سيطرتهم على البحر المتوسط والأحمر وقناة السويس.
وفي عام 1920 تم تعيين أول حاكم بريطاني لفلسطين وهو الوزير الصهيوني صموئيل الذي كان له دور كبير في تحقيق حلم اليهود، ومع ازدياد حالات الهجرة زاد عدد اليهود إلى 50 ألف مقابل نصف مليون فلسطيني.
هنا بدا الفلسطينيون يفيقون من حالة الغياب التي وقعوا فيها، فقاموا بأول مظاهرة ضد هذا الاستيطان عام 1921 بقيادة مفتي القدس أمين الحسيني، لكن بعد فوات الأوان، ففي سنوات معدودة وصل عدد اليهود من 2000 يهودي تقريبا إلى هذا الرقم الكبير، والذى يتنامى كل عام بمساعدة الإنجليز وغياب الدول العربية عن المشهد، وترهلها.
ودخلت الولايات المتحدة الأمريكية بواسطة اللوبي اليهودي القوي بها على الخط، لدعم خطة بريطانيا وبضرورة تهويد فلسطين، بل وطلب البعض محوها من السجلات في عنصرية بشعة وانحياز أعمى للمغتصب.
واستمر الدعم البريطاني الذي وصل ذروته عام 1933 عندما تم قمع تمرد الفلسطينيين بالقتل والاعتقال وهدم منازلهم، ووأد حركة التمرد المسلح التي قادها الشيخ عز الدين القسام، وقتاله هو وكل مقاتليه، ومساعدة اليهود في بناء مستوطنات جديدة على جثث الفلسطينيين.
وما يفعله نتينياهو اليوم تم ارتكابه عام 1936 فى ثورة الفلسطينيين ضد الإنجليز وسياستهم المنحازة لليهود على حساب أراضيهم ومقدراتهم، ففعلوا مثل ما يحدث الآن في غزة قتلوا الأطفال والنساء والشيوخ وهدموا المنازل واعتقلوا الثوار وتم تهجير السكان بشكل قهري، وعندما تم سؤال بن جوريون هل يعود المهجرون مرة أخرى إلى منازلهم وأراضيهم قال عليهم أن يذهبوا إلى العراق أو سوريا فهناك أراضٍِ كثيرة خصبة، وينبغى لهم أن يظلوا تحت حكم عربي.
لم تفتر عزيمة الفلسطينين رغم كل مآسيهم ومصائبهم، ففي عام 1947 عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعها وصدر قرار التقسيم لفلسطين.
ورغم ذلك التقسيم لم تكفّ العصابة الصهيونية عن إتمام مخطتتها برعاية بريطانيا، وصهيونية بن جوريون، ومارسوا كل أنواع المجازر والتطهير العرقي للشعب الأعزل، فاستولوا على القرى الفلسطينية، وعندما لم يجدوا مقاومة مارسوا ابتزازهم لزيادة مساحة مستوطانتهم، وطرد أصحاب الأرض تحت أعين إنجلترا.
فى عام 1948 وهو ما نطلق علية عام النكبة، كانت بريطانيا تستعد بإنهاء انتدابها على فلسطين، ومع رحيلها تسلمت منها عصابة الكيان دولة كاملة المرافق والمصالح من مبانٍ حكومية ومستشفيات ومعسكرات للجيش ومعدات عسكرية، أي ورثت العصابة دولة فلسطين من إنجلترا، وفي 14 مايو 1948 تم إعلان دولة إسرائيل أو كما يذكرون في أدبياتهم إعلان استقلالهم بدعوى أنهم كانوا محتلين، وانتهى الاحتلال البريطاني باستقلال دولتهم في كذبة كبرى، وباعتراف كثير من الدول بإسرائيل.
وبعد انسحاب إنجلترا دخلت القوات العربية غير المنظمة والتي كانت أقل كفاءة من القوات اليهودية المدربة والمستعدة لتلك المواجهة منذ سنوات بهزيمة الجيوش العربية، وكانت تبعيات تلك الهزيمة مريرة على الفلسطينين خسارة مزيد من المدن والقرى، فتم الاستيلاء على الساحل من يافا إلى القدس وبعدها عكا، وطرد الفلسطنيين إلى سوريا ولبنان أو الأردن، بل وأقيمت معسكرات اللاجئين لهم، بعد أن فروا وتركوا كل ما يملكونه، عاشوا في صعوبة شديدة ينتظرون المساعدات الإنسانية وكأن ما يحدث اليوم ليس ببعيد.
كان الفلسطنيين يمنون أنفسهم بأنهم سيعودون يوما ما إلى منازلهم وأراضيهم، وهذا ما لم يحدث حتى الآن.
وفى عام 1949 تقدمت إسرائيل بطلب الانضمام إلى عصبة الأمم وكان شرط عصبة الأمم أن يتعايشوا مع الفلسطنيين بسلام، وتحقيق المواطنة الكاملة، مع ضمان حقوق الفلسطينين، فتركوا بعض العائلات فى بعض المدن وهم ما نطلق عليهم عرب 48 لكنهم عاشوا الواقع يحملون جنسية إسرائيلية وتنطبق عليهم قوانين الدولة الجديدة، بل أخرجوهم من منازلهم ووضعوهم في حارات محاطة بأسلاك شائكة لا يستيطعون حتى الذهاب إلى بيوتهم أو الحصول منها على شيء.
كما أصبحت الضفة الغربية تحت رعاية الأردن التى خذلت القضية عام 48 بعدم دخول جيشها الذي كان يقودة كلوب باشا الإنجليزي طبقا لاتفاقه مع الصهاينة، وقطاع غزة أصبح تحت إدارة مصرية.
ومن الجرائم التي ارتكبتها العصابة الصهيونية في ذلك الوقت قتل مبعوث الأمم المتحدة برنادوت الذي زار المستعمرات وفلسطين وشاهد الدمار الكبير في القرى والمدن واطلع على الملاجئ التي يعيش بها الفلسطينون وعدد الشهداء والمصابين، فقد احتلت إسرئيل أكثر من 11 مدينة ودمرت مئات القرى، واستشهد الآلاف، غير المصابين والمهجرين، فقال: إن تلك الأرض فلسطينية بحكم التاريخ والجغرافيا فتم قتله، وهذا ما يواجهه الأمين العام للأمم المتحدة جوتيريش على قوله مقولة حق في مجازر نيتنياهو في قطاع غزة، وإدانته أفعالهم البربرية، وحذر بوقوع كارثة إنسانية نتيجة الحصار والتهجير والقتل الممنهج، ويتعرض لنفس الهجوم من العصابة الصهيونية وأعوانها.
وفي كل الأحوال استطاعت الأمم المتحدة وبرعاية أمريكية عقد معاهدات صلح منفردة بين إسرائيل وكل دول الجوار من مصر والأردن ولبنان وسوريا، وبعدها قبلت عضوية إسرائيل فى عصبة الأمم، ذلك الكيان المغتصب أصبح له شرعية فى سقطة كبرى، وكأن فلسطين لم يعد لها وجود، أو لم يكن لها فى الأصل وجود.
ثم كانت حرب 1967 الضربة القاسمة لكل العرب، والتي احتلت على إثرها أراضٍ لم تحلم بها سوى في خيالها لتحقيق دولتها الكبرى من النيل إلى الفرات، لكننا استرددنا الكرامة فى مصر بحرب 1973 وعودة كامل أراضينا، لكن لم تعود الجولان ولا القدس الشرقية ولا بقية الأراضي المحتلة في حرب الأيام الست.
اليوم تلعب الولايات المتحدة الأمريكية نفس الدور الذي لعبته بريطانيا، ترعى وتساند إسرائيل في همجيتها وبربريتها تجاة المدنيين فى غزة والضفة، فقد تخطى عدد الشهداء الى 8300 شهيد وآلاف الجرحى، وانهيار المنظومة الطبية، ودمار البنية التحتية للقطاع وهدم المنازل وممارسة سياسة التهجير القصرى، بدعوى الدفاع عن النفس من حركة حماس.
لقد وجدت إسرائيل الذرائع لترتكب مجازر جديدة بل ويومية ضد الإنسانية، ومخالفة لكل القواعد والقوانيين، ووسط انتهاك لكل المواثيق الدولية والأممية، وصمت أذنيها وأعينها عن كل النداءات التي تطالبها بوقف الحرب، ووقف آلة القتل ضد المدنيين، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية.
وعلى الرغم من أن ما ارتكبته يعد جرائم حرب موثقة ودليل إدانة واضحة لها، وعلى مرأى من العالم أجمع يشاهد تلك الفظائع، ما زالت هناك حكومات غربية وبرعاية أمريكية تدعمها، وغض الطرف عن تلك الانتهاكات، وبرغم انتفاضة شعوبهم الحرة التي خرجت إلى الميادين والشوارع، تندد بتلك المجازر والفظائع والقتل الذي تمارسه عصابة الاحتلال، محرجة حكوماتها التي تساند إسرائيل.
فمتى تحاسب إسرائيل وتدفع ثمن جرائمها ضد الإنسانية؟
متى يدرك العالم أنه ساعد محتل مغتصب استولى على أرض ليست ملكا له؟
متى يعرف هذا العالم الحر الذى ينادي بالديمقراطية وحرية الشعوب أنه ساعد في أطول احتلال في العصر الحديث؟
إسرائيل لم تحترم يوما ما القوانين ولا القرارات الأممية، ولا التزمت بمعاهدات أو اتفاقيات، تمارس غيها وضلالها، بل وجنونها طالما وجدت الأم الحنون أمريكا تساندها في طغيانها، وأنها لم تحاسب يوما على مجازرها في دير ياسين وقانا وجنين ويافا وغيرها من المجازر ومن قبل عام 1948 حتى الآن.
ونحن العرب لم نتعلم شيئا من دروس الماضي، ولم نشكل يوما ما قوة تحترم برغم كل ما وهبه الله لنا في بلادنا من مقدرات، ما زلنا منقسمين تحركنا المصالح وحماية العروش والقصور، نقاتل بعضنا البعض في الدولة الواحدة، نتناحر من أجل سلطة زائفة، وعلى هذا المنوال سيظل غياب الإرادة العربية أمر واقع.
حفظ الله فلسطين وحرر الله أقصانا.