غزة صندوق أسود ومقاتلون أشباح تحت الأرض وفوقها.. أين تقف إسرائيل من العملية البرية؟ | تحليل
تعالت الأصوات في إسرائيل وخارجها منذ اليوم الأول لعملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر المنصرم حول تنفيذ عملية برية للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، ولكن حتى اليوم ما زالت تل أبيب غير قادرة على اجتياح القطاع بريًا، فما تقوم به ليس إلا تحرشات عسكرية على حدود القطاع.
جنود حماس صندوق أسود ومقاتلون أشباح، ظهر هذا المصطلح على الساحة الإسرائيلية خلال اليومين الماضيين، وتم تداوله عربيًا ودوليًا، وهو يشير إلى أن حركة حماس عبارة عن صندوق أسود في قطاع غزة، ومقاتلوها أشباح يعملون تحت الأرض وفوقها، وبالتالي فإن إسرائيل غير قادرة على الدخول البري وتصفير نقطة الالتقاء مع جنود حماس وجهًا لوجه، فالتقديرات تشير إلى أن ذلك سيكون انتحارًا لها أمام المقاومة المتمكنة على أرضها.
وتعمل إسرائيل في الوقت الحالي على محاولة حصار قطاع غزة بالتوغلات البرية المحدودة، شمال القطاع على محوري شمال غرب وشمال شرق، لكن دون جدوى حتى الآن وتحقيق تقدم يذكر أمام المقاومة التي تعدها إسرائيل صندوقا أسودا ومقاتلين أشباحا.
في البداية، كان هناك تضارب في إسرائيل حول الشروع في عملية برية في قطاع غزة بعد عملية طوفان الأقصى، وتباينت التقديرات حول بدء هذه العملية أو تأخيرها، ودار الخلاف أيضًا بين تل أبيب وواشنطن حول هذا الأمر، حيث دخلت أمريكا على الخط لتوجه وتدعم تل أبيب.
وناقش الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال زيارته الطارئة لإسرائيل فكرة الدخول البري لقطاع غزة مع قادة تل أبيب، وقال بايدن أثناء مغادرته إسرائيل إنه ناقش معهم خطط الحرب في غزة وتساءل إذا ما كان هناك فكر لدى الإسرائيليين حول ما سيحدث في القطاع بعد الدخول بريًا، لكن كان الرد الإسرائيلي أنه لا توجد رؤية واضحة لديهم حول ما سيحدث بعد دخول القطاع بريًا.
وبالعودة إلى توصيف الصندوق الأسود والمقاتلين الأشباح، فقد خرج هذا المصطلح مع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت ورئيس أركانه هيرتسي هاليفي واللذين أكدا في حديثهما أن مقاتلي حماس أشباح والقطاع صندوق أسود والتحركات الإسرائيلية هناك ليست بالسهلة، مشيرين إلى أن المواجهة ستكون صعبة ومحفوفة بالمخاطر على الجيش الإسرائيلي وستكون تكلفتها عالية، ورغم ذلك يزعمون أنهم سيقضون على المقاومة.
الأشباح يلقنون إسرائيل دروسًا استراتيجية
تعرضت تل أبيب لخسائر فادحة منذ اليوم الأول لعملية طوفان الأقصى، بين قتلى وجرحى وأسرى لدى الفصائل الفلسطينية، جزء كبير منهم من العسكريين، وعندما تقدم الجيش الإسرائيلي بريًا لمسافة قصيرة في شمال قطاع غزة، تعرض لضربات قوية من عناصر المقاومة الفلسطينية هناك، خلافًا لما نفذته عناصر المقاومة من ضربات صاعقة خلف الخطوط منها ضربت معبر إيرز (معبر بيت حانون).
ولتوصيف ما يحدث بدقة، فإن العملية التي نفذتها عناصر القسام ضد الدبابات والجرافات الإسرائيلية، تدلل على دقة التوصيف، حيث يخرج عناصر المقاومة من الأنفاق ويستهدفون الأهداف بالقذائف المدمرة، فقد شاهدنا ذلك فيما بثته كتائب عز الدين القسام من فيديوهات تبرهن على ذلك، وكان منها، "مقاتل يخرج من فتحة نفق صغيرة يحمل على كتفه قاذف أر بي جي ويستهدف الدبابة الإسرائيلية مباشرة"، وآخر "وصل إلى الدبابة في إشارة إلى تصفير نقطة الالتقاء ويضع عليها القنبلة بشكل مباشر".
وخلافًا للخسائر المادية، تعرضت إسرائيل لخسارة فادحة في توغلها البري المحدود، حيث استهدف عناصر المقاومة الفلسطينية قوة عسكرية تابعة لـ لواء جفعاتي، والذي يوصف في الجيش الإسرائيلي بأنه أقوى لواء مشاة أو كما يوصف بـ لواء النخبة في الجيش، فقد خسر لواء النخبة ما يقارب من 20 عنصرا من أفراده في هجوم الفلسطينيين المباغت عليهم، حيث هاجموا نقطة كان يتمركز فيها عناصر اللواء المزعوم بقوته وجبروته ملقنينهم درسًا في المواجهة على الأرض.
وأثارت خسارة أفراد لواء النخبة حالة من السخط في إسرائيل، حيث علق عليها قادة الحرب لوصفها بالخسارة الثقيلة والمخزية، بداية من نتنياهو مرورًا بـ جالانت وهيالفي وجانتس والذين صرحوا بمرارة الخسارة والضربة الثقيلة عليهم، وسط ذهول من هذه الخسارة الكبيرة في لواء الجفعاتي المزعوم بأنه لواء النخبة.
تقديرات العملية البرية في غزة
ما زالت إسرائيل غير قادرة على الدخول البري بشكل موسع في قطاع غزة، بسبب قوة المقاومة الفلسطينية في القطاع والتي تنتشر فوق الأرض وتحتها، فكما نعلم المقاومة تمتلك عشرات الأنفاق في القطاع وعلى مساحة تتجاوز مئات الكيلومترات، وكذلك الألغام التي يزرعها عناصر المقاومة والتي تستهدف أي تحركات إسرائيلية على الأرض.
ومشكلة إسرائيل في أنها تقاتل أشباحا داخل صندوق أسود على حد توصيفهم، وليس قوة نظامية فلا يوجد لهذه القوات أي أسماء أو ألقاب أو قواعد أو سجل مدني أو عسكري فهم غير معروفين، وبالتالي يصعب على إسرائيل مواجهتهم مباشرة.
وتشير التقديرات الحالية إلى أن إسرائيل ربما تشن حربا موسعة على الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة رغم ما تتكبده من خسائر، وربما يدفعها ذلك لدخول القطاع بريًا خلال الأيام المقبلة، في ظل حشدها للقوات على حدود القطاع، والاستنجاد بالولايات المتحدة الأمريكية لتمدها بالسلاح اللازم لتوسع نقاط عمليتها، ولكن الدخول الإسرائيلي بريًا لقطاع غزة سيكون له عواقب وخيمة على الفلسطينيين منها:
أ ـ رغبة إسرائيل في تدمير البنية التحتية للفصائل الفلسطينية بشكل كبير، وهو ما أكد عليه قادة الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو الذي زعم أنه سيقضي تمامًا على الفصائل الفلسطينية وتدمير قوتها.
ب ـ استهداف المدنيين في قطاع غزة بشكل أكبر، مع الدخول الإسرائيلي بريًا للقطاع، ومع توسع نقاط العمليات يكون هناك أكثر من 2 مليون ونصف مواطن فلسطيني في غزة تحت مرمى النيران الإسرائيلية مباشرة.
جـ ـ تقسم قطاع غزة لقطاعات صغيرة واجتياحها بريًا لمحاصرتها وتدميرها بشكل كامل من قبل قوات الجيش الإسرائيلي وتفريق سكانها بشكل موسع، وتعرض الفلسطينيون الأبرياء لخطر الإبادة الجماعية، خاصة من التقديرات التي تشير لاستخدام إسرائيل أسلحة محرمة دوليًا منها الفسفور الأبيض.
د ـ إن الدخول الإسرائيلي بريًا لقطاع غزة سيكرس فكرة الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية وإعاقة إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967، وبالتي تقويض جهود السلام في المنطقة ودفعها نحو مزيد من العنف.
كانت هذه تأثيرات محتملة على الفلسطينيين حال الاجتياح البري للقطاع، فأما عن خسائر الجانب الإسرائيلي فحدث ولا حرج، وقد أشرنا لخسائره في جفعاتي النخبة وغيرها كثير، فهم يقاتلون أشباحا في صندوق أسود، لذلك فإن عداد خسائرهم سيكون عاليًا ولن ينساه الإسرائيليون.