أرض الموت
يذكر الدكتور عبدالوهاب المسيرى، أن أحد المستوطنين اليهود كتب في دورة مياه في الجامعة العبرية، ليذهب السفارديم إلى إسبانيا، والأشكيناز إلى أوروبا، والعرب الى الصحراء، ولتعد هذه الأرض إلى الله.
كان اليهود بلا وطن، عاشوا في كل بقاع العالم مضطهدين جراء سلوكهم العدائي، وفشلهم في الاندماج مع تلك الشعوب، فعاشوا منبوذين معزولين في أماكن تجمعهم هم فقط داخل تلك المجتمعات، ورغم ذلك طردوا من كل دول أوربا وروسيا وإسبانيا وكل الدول التي قطنوها بعد مذابح وعداء ضدهم، ومع اعتقادهم أنهم شعب الله المختار، روجوا لتلك المذابح أنها قربانا للرب.
وظهرت الصهيونية بأفكارها المتطرفة، يبحثون لهم عن مأوى يجمعهم من الشتات فاقترحوا الأرجنتين، وأوغندا، وغيرها من الأماكن المقترحة، وانتهى العطاء على فلسطين العربية.
فكانت خطة الصهيونية تقتضى بمحو فلسطين بكل تاريخها وعراقتها وشعبها من أجل قيام دولتهم، وسعوا لذلك بل نجحوا في ذلك فعليا، بدعم غربي أوروبي، وبريطاني ورعاية أمريكية وفرت لهم مليارات الدولارات، وأحبطت لهم كل الإدانات من القرارات الدولية.
ولا يغيب عن أذهاننا أنهم شكلوا أكبر لوبي ضغط في الولايات المتحدة الأمريكية، بجماعة متطرفة في يدها كل القرارات التي تنفذها أمريكا وهى الأيباك.
وفى بداية الأمر ظن المستوطنون أن تلك الأرض جرداء خالية بلا شعب، لكنهم وجدوا شعب وحياة وسكان يقطنون تلك الأرض، ورغم ذلك واصلت الصهيونية جرائمهما ومذابحها ضد أصحاب الأرض، يطردون لتوسيع مكان للمستوطنين الجدد، وانقلب الأمر بشكل عكسي، فما حدث لليهود من اضطهاد في كل البقاع مارسوه ضد الفلسطينيين بكل بجاحة ووقاحة، جردوهم من بيوتهم بالقوة، اغتصبوا أراضيهم، وحقوقهم، وبيوتهم، وتحولوا من ملاك إلى أجراء، إلى لاجئين، ويتصرفون من منطلق أنه لا شيء اسمه فلسطين، والعالم المتواطئ المنحاز لهم، والذى أراد أن يتخلص من شرورهم يدعمهم ويصدق على كذبهم وجرائمهم.
وقد أوضحنا فى مقال النكبات الفلسطينية كيف شكل الكيان دولته بالاستيلاء على الأراضي ورغبته الجامحة في قتل مادونهم فى عنصرية بشعة، وحصلوا ما لم يحلموا به يوما فمن 5% من الأرض قبل التقسيم إلى 57% بعد التقسيم إلى 75% بعد حرب 1948 إلى كل الأرض بعد حرب 1967.
ولكن السؤال يجب أن يكون كيف لكل الأنظمة العربية أن سمحت لتلك العصابة أن تنمو وتكبر أمام أعينهم بدون أن يدركوا الخطر الحقيقى لهم؟ والتاريخ نفسة يقول أنهم يحملون العار منبوذين مطرودين من كل البقاع فكيف سمحوا لهم أن يكونوا شوكة في ظهورهم حتى اليوم؟
اليوم تحديدا والصراع الدائر في المنطقة بعد واقعة السابع من أكتوبر والتي قامت بها المقاومة الفلسطينية من إذلال لعصابة الكيان والقيام بعملية نوعية على أرضنا المحتلة، جعلت الكيان يفقد توازنه ويطلق العنان لجنونه بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية، وبمساندة من الدول الغربية الأوروبية، يقتلون الشعب الأعزل في قطاع غزة، يقصفون البيوت على قاطنيها، والمستشفيات، والمدارس، والبنية التحتية، يحرقون الزرع، ويقتلون الأطفال والنساء والرجال والشيوخ، ويمنعون المساعدات الإنسانية، وأهل القطاع ينزفون والمستشفيات أصبحت خارج الخدمة من نقصا في الوقود والمستلزمات وزيادة أعداد الشهداء الذى تخطى التسعة آلاف، والثلاثين الف مصاب، رائحة الموت في كل مكان، القلوب تنزف دما، والدموع تحجرت، وأصوات استغاثتهم مبحوحة من كثرة النداء طالبين الاستغاثة.
للأسف الشديد العالم ينظر، والدول الكبرى تبارك فعل الكيان المحتل، والشعوب العربية تشجب وتدين، والمنظمات الأممية تطالب بضبط النفس ووقف القتال، والولايات المتحدة الأمريكية تنادى بحرب شاملة على غزة لتأديب حماس، لما فعلته ضد إسرائيل.
تخيلوا الولايات المتحدة الأمريكية التي مارست نفس المذابح ضد السكان الأصليون (الهنود الحمر) وإبادتهم بكل وحشية، من حطموا العراق ونهبوه، من أخضعوا العرب لسلطانهم ونفوذهم، يساندون محتل مغتصب، ونحن مازلنا نراهن عليها، ونخضع لسلطانها.
لقد نجحت إسرائيل في تكوين لوبي قوى في أروبا، وصنعت حلفاء لها وهى لا تملك شيء، قمه نجاحها في تحالفها القوى مع الولايات المتحدة الأمريكية، وفشلنا نحن العرب ونحن نملك كل المقومات أن نشكل قوى، أو حتى حلفاء تستند إليهم وقت الأزمات، إنما تركناهم ينهبوا خيرات أراضينا، ورضينا بالفتات، بل وربطنا مصائرنا بأوامرهم.
فيقول إدوارد سعيد: نجحت إسرائيل في إقناع القادة العرب والقيادة الفلسطينية بأن المساواة مع إسرائيل أمر مستحيل، وأنه لا سلام إلا بشروط أمريكا وإسرائيل، فاستسلمت النخب الحاكمة لأسطورة أمريكا.
بينما يرى البعض أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي غير قابل للحل، فلم يتم تنفيذ اتفاق أوسلوا مثلا برغم أن عرفات ارتضى به، لكن بعد الفترة الانتقالية أمدت أمريكا عمر تلك الفترة وذهب أوسلوا ادراج الرياح، ولم نستغل قرارا الاتحاد الأوروبي الصادر في برلين في مارس 1999 الذى أكد فيه حق الشعب الفلسطيني الدائم، وغير المشروط في تقرير مصيره واقامه دولته.
أو وعد جورج بوش فى 2001 بدعم قيام دولة فلسطينية، وانشغل العالم بحادث تفجير برجي التجارة وصراع الولايات المتحدة ضد بن لادن والدخول إلى أفغانستان.
ورغم تضحيات الشعب الفلسطيني الطويل وتعاقب حكومات إسرائيلية مختلفة كانت النتيجة صفر في الوصول إلى تسوية، فإسرائيل في كتالوجها لا لعودة حدود 1967، ولا لتقسيم القدس، ولا لتفكيك المستوطنات، ولا لعودة اللاجئين، وعدم السماح بوجود جيش غيرها في المنطقة.
ولكن أن أرادت إسرائيل سلاما، فيجب الوصول إلى تسوية حقيقية، وعودة الحق إلى أصحابه، وما تفعله إسرائيل الآن في غزة لن ينهى القضية ولن تموت حتى لو تحولت الأرض إلى مكان للموت للفلسطينيين، فهم تعلموا أن شهيد يسلم شهيد، وجريح يسلم جريح، وأنهم يعيشون للموت كحبهم للحياة، وستظل إسرائيل مفزوعة مرعوبة دائما وابدا ما لم تعط الحق لأصحابه.
ولكن علينا كعرب أن نفهم طبيعة هذا الصراع وأن كنا خذلنا وعينا العربي القومي بعد حرب 1948، فلا تنسوا أن مصر لقنتهم درسا قاسيا في حرب أكتوبر 1973، وهدمت شائعة الجيش الذى لا يقهر، وأعادت الأرض المغتصبة في حرب 1967 كاملة.
ولا تنسوا ما فعلته المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر، فقد هدمت أسطورة الأمن والأمان، واخترقت التكنولوجيا الخارقة التي تباهوا بها، وأذاقوهم الذل والمهانة، وهم لا يملكون شيء سوى إيمانهم بحقهم المشروع في الدفاع عن أرضهم.
أتمنى أن تفيقوا بعد أن رأيتم كل تلك الدماء التي تنزف من شعب عربيا، يقف وحيدا بدون سند ولا ظهر يدافع عنه كل هذا الجرم التي تنتهكه أمريكا وإسرائيل معا كقتلة خارجين عن كل القوانين والمواثيق الدولية، والإنسانية.
برغم تأكدهم أن العرب لا يملكون سوى الثرثرة، والعبارات البليغة، كبلاغة حسن نصر الله، وهو يصدر تهديداته ووعيده لكل من أمريكا وإسرائيل بالقتل، وانكم عجزة حتى عن مساعدة أنفسكم ودولكم وممالكم وسلطانكم، فاتركوا العجز وأفيقوا ولا تعيشوا يطاردكم العار بنكبة جديدة ستظل تطاردكم كما طاردت من سبقكم وتخاذل.
أنتم تمتلكون الكثير والكثير لتقدموه لمساندة القضية، قاطعوهم، اسحبوا سفرائكم من بلدانهم، اسحبوا استثماراتكم، وأموالكم، أوقفوا ضخ بترولكم إليهم، أعيدوا مجدكم وقت أن كنتم تحكمون العالم من بغداد، وقت أن واجهتم المغول والصليبين والتتار وحررتم القدس، وقت أن كانت راياتكم خفاقة تهاب.
تمردوا وأعلنوا ولائكم لإيمانكم ولإنسانيتكم، لا نقول لكم حاربوا فنحن نكره الحرب وندعو إلى السلام، لكن أفعلوا ما هو أهم من الحرب والقتال، وأن فرض عليكم القتال فليكن فهو جهاد في سبيل الله لنصرة القدس ومقدساتنا الإسلامية والمسيحية.
أوقفوا تلك الحرب اللعينة، اضمدوا الجراح للمصابين، أدفنوا شهدائنا بشكل لائق، هدئوا من خوف الأطفال، أربتوا على رأس اليتامى والأرامل، لقد تعبنا من كل تلك المجازر ومن نزيف الدماء، ومن تخاذل الغرب الأعمى الأبكم.
وإلى كل أحرار العالم في كل الكرة الأرضية تحية إجلال لكل من نزل إلى الشوارع والميادين، ونادى أوقفوا الحرب، وأنقذوا غزة، ودعوا إلى السلام.
نحن أيدنا ممدودة بالسلام، وكل ما نرجوه أن يتحقق قرارات الأمم المتحدة، ونطبق حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، لتحيا المنطقة بسلام، فإن كانت إسرائيل تظن أن جنونها سيهدأ لو قضت على حماس فهذا سيكون نوعا من الخيال، ففلسطين عربية ونحن موقنين من النصر فما النصر إلا من عند الله، وأنه لقريب أن شاء الله.