الإثنين 18 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

إسرائيل وخطة الجنون

السبت 04/نوفمبر/2023 - 06:13 م

في البداية علينا أن نتذكر جيدا من هي إسرائيل، وكيف تمت صناعتها، وما هو مشروعها التوسعي في المنطقة الذي تأسست عليه، وتسعى لتحقيقه ولن تتنازل عنه.. وذلك حتى نستطيع الحكم  بشكل صحيح على المشهد، ولا نخطئ التقديرات لأن هناك دائما أمور مفصلية لا تحتمل التأويل أو المواربة.

إن إسرائيل كيان نشأ بفكرة صهيونية متخفية في عقيدة دينية يهودية محرفة ومكذوبة، وهي أن فلسطين وما حولها هي أرض الميعاد التي وعد بها الرب الشعب المختار ويرى الصهاينة اليهود أنهم أصحاب هذه الأرض بمشيئة الإله، وأنها المكان الأقدس، وعليهم امتلاكه كحق لا شك فيه أو حوله، وهم يعتبرون أنه وطن كل يهودي في الكون، ومن يعش خارجه يكون بلا رب.. وتلك الأرض بحسب رؤيتهم تكون من النيل إلى الفرات، وذلك يظهر جليا في شكل العلم الذي اختاره هذا الكيان المحتل لنفسه منذ إعلان تأسيسه في 14 مايو عام 1948 بعدما جمعت بريطانيا اليهود من كل مكان في العالم، وأنشأت لهم ما سمي بدولة إسرائيل على أرض فلسطين، ولذلك أسباب عدة لا يتسع المجال لذكرها.

وسنجد أن على علم تلك الدولة المزعومة خطين باللون الأزرق يرمزان إلى نهر النيل في مصر والفرات بالعراق، وبينهما نجمة سداسية الشكل وتسمى نجمة داود ويقصدون هنا النبي لكنهم يعتبرونه ملكا على بني إسرائيل وليس نبيا، ومن أهم النقاط هنا أن أرض فلسطين بها المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين لدينا كمسلمين، وهم يسعون بكل الطرق لهدمه بممارساتهم الإجرامية من خلال حفر الأنفاق أسفله بزعم البحث عن هيكل النبي سليمان، ويروجون أكاذيب بأنه أسفل الأقصى وما ذلك إلى محض أوهام لإثبات أن لهم حق تاريخي في الأرض، لدرجة أنهم يصنعون آثارا يهودية مزيفة ويدعون أنهم عثروا عليها. 

وهنا نعلم جيدا حجم القضية وأبعادها، وأنها ليست مجرد نزاع بين دولتين جارتين تحتل إحداهما الأخرى أو يختلفون حول منطقة حدودية، ولكن نحن أمام مجموعات من البشر جيء بهم إلى أرض لم تكن يوما ملكهم، وقد تم إنشاء دولة لهم بالقوة الجبرية وإن شئت قل بالبلطجة الدولية، ولذلك نجد أن ممارساتها الدائمة حتى لحظتنا هذه تنطلق من هذا المفهوم، فهي تتصرف وكأنها وحدها في هذا الكون، تقرر ما تريده بلا أي حسابات ربما لو تخطتها دولة أخرى خارج المعية الأمريكية والأوروبية لعوقبت أشد العقاب، ورأينا ذلك في أمثلة كثيرة وحتى مع دول عظمى مثل روسيا مؤخرا وحربها في أوكرانيا. 

إنها ازدواجية المعايير المفضوحة، ولأن النظام العالمي الحالي بقيادة أمريكا تم تأسيسه على مبدأ أن "القوة تنشئ الحق وتحميه" فإذن لا حقوق للضعفاء أو المتخاذلين الذين لا يملكون الشجاعة لانتزاعه.

وذلك ما كسرت قاعدته المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس لأول مرة في تاريخ إنشاء هذا الكيان المحتل عندما نفذت كتائب عز الدين القسام عملية ناجحة في عقر داره،  وهو الذي يروج دائما لفكرة أنه القوة التي لا تقهر على المستوى العسكري والاستخباراتي، فإذ به يستيقظ يوم 7 أكتوبر ليجد رجال المقاومة فوق رأسه ويعودون بالمئات من الأسرى والرهائن إلى قطاع غزة الذي انطلقوا منه، وقد رأى العالم كله كيف أن كل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ظلت مرتبكة لساعات طويلة حتى استعادت اتزانها وأدركت ما حدث، بل إنهم إلى اليوم لا يعرفون على وجه التحديد عدد أسراهم لدى المقاومة الفلسطينية في غزة.

و ما كان ذلك إلا ردا على كل ممارسات المحتل المتغطرس في حق الشعب الفلسطيني بالضفة من قتل واعتقال، وطردهم من بيوتهم لبناء المستوطنات لليهود المتطرفين، وأيضا التعدي الدائم على الأقصى والعبث بداخله بشكل استفزازي، وكذلك التجويع والحصار الخانق على قطاع غزة منذ 17 عاما.. فنحن أمام احتلال بشع غير أخلاقي ولا يمت للإنسانية بصلة، وفكرة الخنوع له مذلة ومهينة لكل صاحب كرامة، وبالتالي مقاومته شرف مهما كان ثمنها.. فلا شيء أغلى من كرامة الإنسان. 

لقد شكل هذا اليوم والنصر الذي تحقق فيه على أقوى جيوش العالم، من مجموعة مقاتلة صغيرة بسلاح تقليدي خفيف حالة من الصدمة داخل المجتمع الإسرائيلي، جعلت أفراده يشكون في قدرة جيشهم على حمايتهم، وقد انهارت فكرة الأمان التي كادت أن تصبح حقيقة لا خلاف عليها بكثير من الشواهد أهمها التسليم العربي المطلق بالأمر الواقع وبدء إبرام صفقات التطبيع مع الكيان المحتل. 

كل ذلك انهار في ساعات قليلة بشكل لم يكن يتخيله أحد على الإطلاق، ولذلك انتفض قادة إسرائيل سعيا لاستعادة هيبة جيشهم التي أصبحت تحت أقدام المقاومين، فكان القرار الفوري باللجوء إلى "خطة الجنون".

وهذه خطة سرية توجد ضمن الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية يلجأون إليها كخيار أخير عندما يواجهون خطرا وتهديدا لوجودهم الذي يعلمون جيدا أنه غير شرعي. 

إن تلك الخطة من ضمن مراحلها ما يقال عنه سياسة الأرض المحروقة، وتعتمد بشكل أساسي على الإسراف في القتل والتدمير بلا أي حسابات، وتستند في ذلك إلى الدعم اللا محدود من أمريكا وأوروبا كما يعلم الجميع، فلا حساب ولا محاسبة مهما بلغت الجرائم من بشاعة، وذلك ما حدث، حيث نرى المجازر ترتكب في حق المدنيين وخاصة النساء والأطفال بشكل يومي، مع حصار خانق لا رحمة فيه يقتل الحياة لدى من مازال على قيدها، وسط صمت دولي شبه تام وموقف عربي ليس بالمستوى المطلوب حتى من حيث إرسال المساعدات الإنسانية لدرجة أن رئيس الهلال الأحمر المصري قال إن المخزون لدينا ربما ينفذ لأن الاحتياجات أكبر بكثير مما يتم توفيره، وناشد الدول بتفعيل الجسر الجوي الذي خصصته مصر لتلقي أي مساعدات إنسانية تأتي لقطاع غزة. 

ومما زاد الأمر جنونا أن هذا الكيان المحتل مع كل ما فعله في فترة تقترب من الشهر، وقصفه الجوي والبري والبحري بآلاف الأطنان من المتفجرات، وهدم أحياء سكنية كاملة على رؤوس من فيها، ما استطاع النيل من قدرات المقاومة، وذلك لأن صواريخها التي تصل إلى تل أبيب نفسها لم تتوقف عن الإطلاق، وكانت المفاجأة الأكبر عندما بدأ العدو في تنفيذ ما سماه الاجتياح البري الذي خسر في أول يوم منه أكثر من 20 جنديا، وتم تدمير العديد من مركباته العملاقة من مسافة قتال صفر، وأكبر هزيمة معنوية لهذا المحتل أن المقاومة تنشر فيديوهات مصورة للاشتباكات والعمليات التي تنفذها في مواجهته، بينما يقوم الإعلام الإسرائيلي بالتعتيم التام على هزائمه اليومية ولا يجد الجيش المنهزم أمامه سوف المزيد من القصف الجوي على المدنيين بكل جنون لدرجة أنه لا يستثني المستشفيات وعربات الإسعاف والصحفيين وكل شيء على أرض القطاع مستباح.. وهنا نقول أن غزة الآن ليس أمامها سوى الصمود الذي هو قدرها، وانتظار تحرك الضمير الدولي لوقف تلك الإبادة الجماعية لشعب أعزل والتي تمثل أبشع صور جرائم الحرب في عصرنا الحديث. 

تابع مواقعنا