جانب آخر للمقاطعة.. «لفلوف» وقهوة «بعرة»!
«دائما ما تأتي المنح من المحن».. هذه الجملة بكل معانيها تجسدت خلال الأيام القليلة الماضية، وتحديدا بعد حرب الإبادة والانتهاكات الوحشية التي يتعرض لها الأشقاء الفلسطينيون من قصف غاشم على المنازل والمدارس وحتى المستشفيات، برعاية أمريكية وسط صمت مخجل ومخز ومخذل من العالم الغربي الذي طالما تشدق بحقوق الإنسان، لكن أي إنسان؟!.. أي إنسان والأطفال والرضع والعجائز ترتكب في حقهم المجازر والمذابح يوميا، بحجة أن فصائل المقاومة الذين يدافعون عن أرضهم المغتصبة "إرهابيون" يجب القضاء عليهم!
وسط هذه الصورة القاتمة الحالكة الخانقة ظهر بصيص من النور يبشر ببارقة أمل، تجسد في حملات مقاطعة المنتجات الداعمة للكيان الصهيوني الإرهابي التي شنها المصريون باختلاف ثقافاتهم وطبقاتهم نصرة منهم لإخوانهم الفلسطينيين الذين يذبحون ويقتلون على مرأى ومسمع من العالم الصامت.
حملات المقاطعة ليست بالشيء الجديد على المصريين الشعب الواعي الشهم صاحب النخوة، لكنها هذه المرة هي أقواها وأشدها تأثيرا وقوة، والعينة بينة، فقد كبدت المقاطعة الشركات الداعمة للاحتلال خسائر مهولة، لدرجة أن بعضها يبيع منتجاته الآن بأقل من ربع ثمنها، وبعد هذا النجاح الكبير لحملات المقاطعة، بدأ المصريون يفكرون في أمر عظيم آخر، وهو «لماذا لا نشجع الصناعة المصرية ونعيد الإنتاج المصري إلى سابق عهده، ونستغني عن منتجات داعمي الصهاينة الذين يتحكمون في طعامنا وشرابنا أو دوائنا؟».
وبالفعل بدأ الإقبال على المنتجات المصرية يزداد، ورأينا على سبيل المثال شركة مشروبات كـ«سبيرو سباتس» ردت إليها الروح ودبت فيها الحركة وتضاعفت أرباحها إلى أكثر من 300% وشهدت إقبالا وتشجيعا لو أنفقت مئات مليارات الجنيهات لما حققته، لكن المصريين أيضا بوعيهم اكتشفوا أن كثيرا من المنتجات المصرية الأخرى لا تستحق هذه الثقة الكبيرة، ولا تبذل أي جهد في رفع كفاءة وتحسين جودتها، وهذا الأمر للأسف الشديد يضعف من استمرار حملات المقاطعة، وأيضا ينسف حلم الاعتماد على المنتج المصري ويضيع فرصة ذهبية على المصريين، بغباء منقطع النظير من بعض أصحاب هذه الشركات.
أدهشني مقطع فيديو نشره أحد المواطنين عبر "فيسبوك" يتحدث عن عوامل نجاح وفشل حملات المقاطعة بخفة ظل مصرية أضفت على حديثه شيئا من الواقعية، حيث يرى صاحب الفيديو أن: "شاي الشيخ محروس -اسم مستعار- مينفعش نعتمد عليه كبديل لأن الشيخ محروس جايبه من جريد النخل ومقطعه وصابغه وبيحرق صدرنا وقلبنا بيه".
بالتأكيد لا يوجد في مصر شاي يسمى بـ"محروس" لكنه كناية عن أنواع أخرى للشاي أكثر رداءة، واستمر صاحب الفيديو بهذه الطريقة الساخرة: "طيب أنت هتلغي بيتزا هوت.. ايه البديل المصري.. هتلاقي واحد اسمه المعلم لفلوف ماسك رغيف عيش طابونة وحاطط عليه حتة جبنة قديمة ومقطع عليه خيارة وطماطم ويقولك دي بيتزا.. لفلوف هوت!".
وتابع: "عايزنا نقاطع كنتاكي مفيش مشكلة.. بس متقوليش أروح على أول الشارع ألاقي واحد بيحمر فراخ في قروانة أو قصعة من بتاعة الأسمنت وتقولي دي بديل كنتاكي.. كمان متقوليش قاطع ستاربكس وروح اقعد على قهوة بعرة.. لأن الكنكة اللي بيعملوا فيها قهوة عند بعرة عليها طفيليات وحشائش بتنمو وبكتيريا من قلة الغسيل.. والكوبايات بيغسلوها في جردل.. مش منظر خالص".
ربما يتعجب بعض القراء من هذا الكلام ويعتقدون أنه مجرد دعابة! لكنه للأسف واقع وحقيقة مرة تعرفها وتعيشها الطبقة الفقيرة، وقد رأيت بعيني في أحد المقاهي الآرجيلات "الشيشة" موضوعة بجوار المبولة!، وملعقة الشاي أحيانا يستخدمها الزبون في وضع النار وضبطها على حجر المعسل، وفي المطاعم وأماكن الأكل والشرب الكثير من مثل هذه الأمور المقززة، لن أذكرها هنا ولكن الفئة التي ذكرتها آنفا تعرفها جيدا.
الشيء العجيب أيضا أن المنتج المصري في بعض المطاعم يكاد يقارب ثمنه في المطاعم الأخرى على سبيل المثال اليمنية والسورية، لكنه في نفس الوقت أقل جودة وأحيانا يكون فاسدا أو يعتمد على لحوم لحيوانات نافقة أو مجهولة المصدر، وخلال عملنا في مهنة البحث عن المتاعب نرى يوميا حملات غلق ومخالفات لمطاعم غير أمينة على حياة المصريين، ونرى بالصور أشياء في قمة العجب تخرج خلال تلك الحملات.
في النهاية أنا أتمنى من كل قلبي أن تستمر حملات المقاطعة وأن تنجح ولا يمر عام أو عامان على الأكثر إلا ويكون إنتاجنا واستهلاكنا كله مصري بنسبة 100% وأرى أن هناك توجها من الدولة والحكومة بكل مؤسساتها وورائهم دعم مصري وحشد كبير لتنفيذ تلك الخطة وتحقيق ذلك الحلم، لكن بدون تعاون كل أصحاب الشركات وبدون نية حقيقية منهم للتطوير والمنافسة، تصبح حملات المقاطعة والحلم المصري "زوبعة فنجان"، وتعود السيدة الفاضلة "ريمة" إلى "عادتها القديمة".