لا مش بنبيع منتجات تبع الاحتلال.. كيف أشعلت غزة نار المقاطعة في الشارع المصري؟
"لا يا أستاذة شوفي نوع شاي تاني عشان ده مش تبعنا بطلنا نبيعه عشان إخواتنا" هكذا فاجأني البائع بنوع من أنواع الشاي الذي كنت أشتريه دون ملاحظة أصل الشركة المنتجة له، والتي اتضح أنها شركة داعمة للاحتلال الإسرائيلي ونبهني إليها بائع السوبرماركت البسيط.
وعلى الرغم من الإحباط الذي أصاب البعض، ممن ظنوا أن الأجيال الجديدة لا تأبه بشيء سوى اللعب والسفر والتصوير والتباري في الذهاب لمناطق بعينها مثل شواطئ معينة بالساحل الشمالي والملاهي الليلية وغيرها من مظاهر الحياة، التي باتت تشكل جوهر كل شخص يرغب في إثبات جدارته أمام مجتمع السوشيال ميديا، فضلًا عن الشجارات حول أي من الفصول أفضل الصيف أم الشتاء، ماذا فعلت راقصة قبل حفلها في مكان ما، وكل هذه الأخبار والأحداث الركيكة التي تصبح حديث منصات التواصل الاجتماعي في لمح البصر، إلا أن قرار مقاطعة المنتجات بمختلف أشكالها التي ينتجها كيان الاحتلال أو الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعم جيش الاحتلال أكد أن المجتمع المصري وشبابه لا يزالون مهتمين بالقضية الفلسطينية.
وأيقظت القضية الفلسطينية والعدوان الغاشم على غزة الدماء في عروق المصريين الذين يرغبون في إنقاذ أشقائهم في غزة بأي طريقة، بداية من نشر حقائق الأحداث بغزة رغم التقييد والتعتيم الإعلامي الذي يسوقه الغرب مرورًا بالتبرع والحشد لإيصال المساعدات لأهالي غزة، وصولًا لمقاطعة المنتجات التي تدعم الاحتلال كافة، وهو ما أكد أنه عندما يجتمع المصريون على شيء فلا تجرؤ أي قوى على تفريقهم أو الوقوف أمامهم.
وعليه قرر القاهرة 24 الخروج في جولة لمعرفة ما إذا كانت المقاطعة حقيقية على أرض الواقع أم مجرد بروباجندا على منصات التواصل الاجتماعي
كعادتي أذهب لشرب قهوة معينة من ستاربكس، إلا أنني قررت مقاطعته وتجربة قهوة أخرى من مكان يدعم القضية الفلسطينية، وهناك فوجئت بشارات معلقة لدعم القضية الفلسطينية وتعلن التبرع بـ10% كاملة من الأرباح لأهالي غزة، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل عندما أخبرت البائع برغبتي في زجاجة مياه، حذرني قائلًا: المياه اللي موجودة داساني! وبدلًا من شرائها أعطانا كوب مياه من الصنبور! أي أن هذا الشاب وهذا المكان فضل القضية ونصرة أهالي غزة على مصلحته الشخصية وتحقيق مبيعات.
على الرغم من أن موقف الشاب قد يعتبره البعض بسيطًا، إلا أنه نابع من قلب المقاومة العربية والدولية، والتي جعلت مؤيدي القضية الفلسطينية من جميع أنحاء العالم يقاطعون ستاربكس، وهو ما أدى لانخفاض مبيعاته والتسبب في خسائر فادحة للشركة الأم، وهو ما رصدته شبكة CNN الأمريكية في تقريرها.
ليست القهوة هي ما تشربه فئة كبيرة من الشعب المصري يوميًا وحسب، فالبيبسي أيضًا أحد المشروبات التي كنا نعتقد أنها لا غنى عنها يوميًا، خصوصًا بالتزامن مع الارتفاع الشديد لدرجات الحرارة، إلا أنه، وفقًا لجولتنا، وجدنا أن أقل سوبر ماركت بات يعلم أنه يجب إيجاد بديل لها في أقرب وقت لأن الناس لا تشتريها منه، فعلى سبيل المثال عندما ذهبت لشراء عصير، وجدت ثلاجة المشروبات الغازية فارغة من البيبسي وكل الأنواع الداعمة للاحتلال التي تنتجها الشركة نفسها، ليخبرني صاحب المحل: أزلنا كل منتجاتهم وتوقفنا عن بيعها، لدينا عصائر مصرية وسوف نشتري المياه الغازية المصرية في أقرب وقت.
وتحولت جروبات الفيسبوك إلى اقتراح أماكن لتناول أشهى الأطعمة، والنشر عن مكان لتناول الطعام يكون داعما للقضية الفلسطينية وغير تابع للاحتلال، بعدما قاطعت الغالبية أشهر محلات البرجر "ماكدونالدز"، وسجل سعر سهم ماكدونالدز تراجعا بنسبة وصلت إلى 0.85%، خلال تداولات مؤخرًا، لينخفض من مستوى 259.54 دولار إلى 255.83 دولار عند الإغلاق.
وبلغ معدل التراجع السنوي لـ سهم ماكدونالدز في البورصات العالمية، نحو 0.3%، لينخفض إلى المستوى الحالي.
ومع ذلك، يُشير الخبراء لشبكة «CNN الاقتصادية» إلى أنه عادة لا تتأثر أسهم الشركات بدعوات المقاطعة على المدى القصير، إذ تحتاج تداعيات المقاطعة إلى فترة تتراوح بين 6 أشهر وعام لمشاهدة تأثيرها في أسهم الشركة.
ومن المنتظر أن تكشف سلسلة مطاعم ماكدونالدز عن أرباحها الفصلية المقبلة في ديسمبر، في تقرير من شأنه الكشف عن حجم المبيعات ومدى تأثره بدعوات المقاطعة في المنطقة العربية.
لم يتوقف الأمر عند المنتجات والطعام، بل امتد للتأثير الثقافي، حيث قررت العديد من المدارس إلغاء حفلات الهالوين التي يتم الاحتفال بها خلال هذا الوقت من الشهر في العادة، كونها عادة أمريكية في الأساس، إلا أنه تم استبدالها بأحداث لدعم فلسطين وأهالي غزة، سواء من خلال إذاعة أغانٍ في الطابور الصباحي مثل: أنا دمي فلسطيني، أو غيرها، فتقول لنا بسنت عبد الحكيم مدرسة اللغة الفرنسية بإحدى المدارس المصرية إنها قررت إلغاء حفل الهالوين هذا العام بالاتفاق مع إدارة المدرسة واستبداله بأحداث داعمة لفلسطين وأغانٍ باللغة الفرنسية للمطالبة بحقوق الأطفال الفلسطينيين.
فبعد تلك الجولة لاستطلاع آراء وأفعال المصريين تجاه المقاطعة، نجد أن غزة أرض العزة قد أيقظت الدماء في عروقنا جميعًا.