الإثنين 23 ديسمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

طرق مُعمَرة بالرصاص | 96 ساعة في رفح والعريش.. كيف حولت حرب غزة الوضع على المعبر؟ | معايشة

معبر رفح
أخبار
معبر رفح
السبت 11/نوفمبر/2023 - 09:08 م

360 كم هي المسافة القاطعة بين القاهرة وشمال العاصمة المصرية رفح، التي تستغرق ما يقرب من 5 ساعات للوصول للبوابة الشرقية، إلا أن الأمر أخذ أكثر من 11 ساعة لأسباب عدة، لم يسبق لي الوصول إليها في أحداث مشابهة، إلا أن الحرب على قطاع غزة تلك المرة لم تكن كسابقيها.


الطريق من القاهرة إلى رفح

برسالة لم تتجاوز حروفها أصابع اليدين وجهت رسالة لرئيس التحرير بمحاولتي وسعيي منذ 3 أيام للسفر إلى رفح للمساهمة بأضعف الإيمان ولم أفلح.. هل ممكن تساعدني؟ فجاء الرد بعدها بدقائق "اجهز هتسافر رفح"، وبالفعل خلال ساعات أتممت جاهزيتي للسفر، وقبل ذلك لم تخرج أسرتي وعائلتي من تلك المعادلة الفكرية، فكثير من المصريين يظن أن رفح هي غزة وما يشاهده في وسائل الإعلام بما يحدث في القطاع من قتل ودمار هو ما سأذهب وأجده في رفح وما غزة إلا رفح وما رفح إلا غزة !.

قرب وصولنا إلى رفح المصرية

تجاوزت المرحلة وأتممت كل شيء وتوكلت، وكنت أرافق في رحلتي بعض الزملاء الصحفيين وأكثر من مُتطوع في جهات عدة -وقد كان-؛ فالذهاب من القاهرة إلى رفح كان يحمل الكثير والكثير من الأحلام والطموحات، وأيضًا خيبة الأمل والضعف! فغزة بعد 7 أكتوبر لم تصبح كسابقها، ولم تكن كما كانت ولن تعود كما نحلم، فلم نرَ ونسمع قبل وصولنا بأيام إلا الدم والنار والحرب والدمار.


حوائط مُعمرة بالرصاص من العريش لرفح

عندما تضع قدميك داخل محافظة العريش في رحلة النجاة والمساعدة لأهالينا في قطاع عزة، نجد مدينة قد أنهكها الإرهاب والتطرف، لم تجد إلا رصاص الماضي رصاص الإرهاب الغادر، طلقات النيران مُعمرة على جدران المنزل والبيوت والعمارات التي لم تتخطَ 4 أدوار شاهدة على ما كان وما دار وما حدث.

حوائط مُعمرة بالرصاص من العريش لرفح

الطريق إلى رفح لم يكن مفروشا بالورد، ولم يكن كما كان، بالرغم من مرور أعوام على انتهاء تطاير الرصاص في كل أرجاء شمال سيناء، "كان اللي يخرج من بيته ممكن ميرجعش تاني، الرصاص في كل حتة، والموت شريك في الطرقات"، هكذا تحدث عبد الرحمن سائق التاكسي وأحد ساكني مدينة العريش، والذي كان شريكا في بداية رحتلي الداخلية بين العريش ورفح، وروى لنا ما كنا نراه في طرقنا، حيث المباني المعمرة بالرصاص على الجدارن الخارجية للمنزل والعمارات غير شاهقة الارتفاع بطبيعة التكوين البيئي لأهالينا في العريش.

حوائط مُعمرة بالرصاص من العريش لرفح

وأردف في حديثه معنا: عندما ترى تاريخ الماضي في هيئة صور لا تريد أن تسمع أي شيء فالصورة تكفي، بيوت ممتلئة برصاص الإرهاب والاشتباكات مع الأجهزة الأمنية شاهدة على ما كان يحدث، طرق مملوءة بالحراسة والأسلاك الشائكة تبين طبيعة ما كان يدور، وماذا حدث منذ أن دب الإرهاب أرض حدودنا عقب اندلاع ثورة 25 يناير 2011.

حوائط مُعمرة بالرصاص من العريش لرفح

وأكمل عبد الرحمن: يوم من الأيام سينا كانت محافظة عادية جدا مثل باقي محافظات الجمهورية، وبين ليلة وضحاها الوضع انقلب لكابوس، إرهاب وعنف ودم وموت وخراب وخيانة، مضيفا أكمنة تُضرب يوميا، شهيد بكل بيت في مصر، ولكن بمساعدة أهالي سيناء للجيش والشرطة أحكمنا السيطرة على الإرهاب.

ترقب وإحباط ثم نصر

قبل وضع قدمي داخل مدينة رفح كان يخطر في بالي وبال الكثير أن الذهاب من القاهرة إلى رفح خطوة أولى للمساهمة في دخول المساعدات إلى أهالينا في غزة المنكوبة، حماس الشباب، مشاهدة المجازر، عرق العروبة، الفريضة الدينية، كل ذلك وأكثر في الأذهان، حلم المشاركة في تحرير الأرض يتضارب مع نزيف دماء الأبرياء في الأراضي المحتلة، وفي النهاية نعود إلى نقطة الصفر نقطة الانطلاق وهي إرسال المساعدات فقط إلى القطاع رفقة الجهات المعنية.

بوابة رفح المصرية

وسط أحلام وطموحات دخول المساعدات الإنسانية لأهالينا في غزة حيث لم نر سواهم، وسط عجز وفقدان أمل مما نشاهده ونتابعه من أخبار قتل ودمار وإبادة لأهالينا في الأراضي المحتلة، ليس ذلك فحسب، بل إن هناك تصريحات تخرج من جانب حكومة الاحتلال بمنع دخول أي مساعدات إلى القطاع.


وفي ظهيرة يوم الجمعة 20 أكتوبر حضر إلى معبر رفح الأمين العام للمنظمة الأمم المتحدة الدولية، أنطونيو غوتيريش، وتحدث من معبر رفح في مؤتمر عام، والذي كان يعول عليه الكثير في إظهار نتائج نهائية ومباشرة لدخول المساعدات، إلا أن الجميع تفاجأ "بتمييع" الأمر وعدم حسمه، وهو ما أربك جميع الموجودين في المعبر.


شاحنات تقف بطول الطريق وعلى جانبيه من العريش إلى معبر رفح، المئات من المتطوعين يفترشون الخيام منتظرين ما سوف يحدث، الجميع على أتم الاستعداد، الكل ينتظر يدعو يتأمل في سماء مليئة بالقذائف والصواريخ، والكل يتأهب لساعة الصفر، لدخول المساعدات إلى قطاع غزة.

شاحنات تقف بطول الطريق وعلى جانبيه من العريش إلى معبر رفح

وفي وسط هذا وذاك، ظهر سائقو الشاحنات في الصورة، حيث كان الجميع على قلب رجل واحد "سنقيم هنا حتى دخول الشاحنات إلى أهالينا في غزة ولن نرحل"، بتلك الكلمات تحدث جميع سائقي الشاحنات على أبواب معبر رفح، حيث علت صيحات التكبير التي تخرج من وقت وآخر منددين بالعدوان الصهيوني على القطاع.


ساعة الصفر

تحركات سريعة، أبواب المعبر تفتح وتغلق في توقيتات متفاوتة خلال ساعتين، سائقو الشاحنات بدؤوا في استقلالها، بعض القنوات الرسمية للدولة بدأت في تجهيز وتسليط الكاميرات تجاه باب المعبر، سرعة القيادات الأمنية في الوجود نحو باب المعبر، هناك شيء ما يحدث! هل هانت ساعة الصفر ودخول المساعدات؟ كان هذا سؤالي لأحد سائقي الشاحنات، وفي رد جازم وحاسم "هندخل دلوقتي".

لحظة خروج الشاحنات من رفح الفلسطينية

بهذه الكلمات التي لم تتجاوز ثلاث ثوانٍ، عبرت الأحلام والأماني والطموحات في قلوبنا، والتي ظننا في حينها أن المساعدات ستساعد في وقف ولو جزئي من إطلاق النار، إلا أن الأمور لم تكن على ما يرام، فبعد دخول المساعدات والتي لم أسرد فيها الكثير إلا أنني أتذكر جيدا سائق أولى الشاحنات وهو للتو عائد من رفح الفلسطينية، حيث قال بعد عوته إلى رفح المصرية: كنت مستعد أستشهد عشان أودي الأدوية لأهالينا في فلسطين، وهذا ما كنا كلنا نشعر به.

سائق شاحنة لـ القاهرة 24: "كنت مستعد أستشهد عشان أودي الأدوية لأهالينا في فلسطين"

ومرت أولى شاحنات المساعدات وتوالت الثانية فالثالثة على مدار يومين وسط قصف عنيف وهمجي ومستمر من قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع عزة، فالأمر الذي تشاهده في الفضائيات لم يكن تتوقع أن تراه بالقرب منك ليل نهار فأصوات الصواريخ لم تفارقنا، وسماء غزة مضيئة ليل نهار وسط دخان كثيف ينم عما حدث ويحدث داخل قطاع غزة.
بضع كيلو مترات هي المسافة بين رفح المصرية وقطاع غزة، وهي مسافة في لغة الحروب لا تذكر، حيث ترى وتعيش أجواء الاعتداء لحظة بلحظة، رعب، خوف، قلق، على أهالينا في القطاع، لم تهنأ قلوبنا بسبب ما نراه من اعتداء وانفجارات رأيناها بأعيننا إلا أن قلوبنا لا تزال متفائلة وتُكبر "الله أكبر" عندما نرى صواريخ القسام تنطلق من القطاع إلى أراضي جيش الاحتلال الصهيوني عبر سماء رفح، فنتذكر "إلا إن نصر الله قريب".

لحظة إطلاق صواريخ القسام قطاع غزة إلى أراضي جيش الاحتلال الصهيوني عبر سماء رفح
لحظة إطلاق قذائف من جيش الاحتلال على أهالينا في قطاع غزة

مصدر أمني على بوابة رفح

ولم يغب المشهد الأمني عن المشهد في رفح؛ فالأجهزة الأمنية المصرية في رفح لم تكن بعيدة عمّا يحدث فهناك حدود ملتهبة، في ظل حرب ضروس يقودها الاحتلال الإسرائيلي ضد أهالينا في قطاع غزة، لم تكن القوات المسلحة بعيدة عمّا يحدث على حدودنا مع قطاع غزة، الأمور لم تكن كما كانت فالصراع العسكري المفتوح في قطاع غزة يشكّل خطرًا كبيرًا على الأمن القومي المصري، وبالطبع أصبح المعبر بؤرة الاهتمام لا تقل عن غزة وما يحدث بها، وسط صراع مفتوح بين قوات الاحتلال الإسرائيلي وكتائب القسام الذراع المسلحة لحركة حماس.

رفح

وهو ما ذكره مصدر أمني مصري على بوابة رفح ان الدولة المصرية تلتزم أقصي درجات ضبط النفس، وذلك ردا على البيان الإسرائيلي بشأن إصابة أحد أبراج المراقبة الحدودية المصرية بشظايا قذيفة دبابة إسرائيلية عن طريق الخطأ بحسب البيان التي أصدرته القوات المسلحة المصرية وأيضًا المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي.  

مضيفا: ما يحدث في قطاع غزة من حرب مستمرة يجعلنا في أشد تركيز أمني، ومصر ملتزمة التزام باتفاقية مع إسرائيل، ونعمل بالتعاون المشترك بألا يتم خرق تلك الاتفاقية، في الوقت الذي تدعم فيه مصر الشعب الفلسطيني.

 

العودة إلى العاصمة 

لا أظن أن ما حدث في غزة من قصف طيلة منتصف أيام حرب طوفان الأقصى، أن ينتهي كما هو مُعاد في الماضي، خلال الحروب والاعتداءات الإسرائيلية على قطاع والتي حدثت خلال السنوات الماضية، فالأمر في تلك المرحلة مختلف ومخالف للطبيعة البشرية، فهناك أطفال يقتلون بدم بارد، نساء تُشرد، وعجائز تفترش الشوارع المُحطمة من جيش الاحتلال، مدنيون مشتتون، تهجير قسري، فطول طريق العودة من العريش إلى القاهرة أتساءل ماذا حدث، ولماذا يحدث، وماذا سنصل، وأين الدول العربية والإسلامية، هل أصبح الدم العربي والإسلامي أرخص دمٍ في زمننا الذي نعيشه، أسئلة كثيرة راودني خلال العودة ولم أجد للإجابة إلا سؤالًا واحدًا، ماذا فعلت أمة محمد في نفسها؟.

ولنا عودة..

تابع مواقعنا