ما هو وقت السَحر ولماذا سُمي بهذا الاسم؟.. ننشر طريقة تحديده بالدقائق وسر التعبد فيه
لا يعلم البعض ما هو وقت السحر ومتى يكون وما فضله ولماذا سُمي بهذا الاسم؟، وهو من أوقات استجابة الدعاء وقد ذكر كثيرا في القرآن والسنة وتحث الشريعة الإسلامية بالإكثار من الدعاء فيه والتضرع لله والصلاة وقيام الليل والاستغفار فيه، لما له من أفضلية وسر إلهي عظيم، وعبر القاهرة 24 نستعرض تفاصيل وقت السحر ونجيب عن الأسئلة التي تدور في الأذهان نحوه.
ما هو وقت السحر
نوضح أولًا ما هو وقت السحر؟، وهو الوقت الذي يكون في ساعات الليل المتأخرة ويعد من أفضل ساعات التعبد والصلاة ويكثر فيه الذكر والاستغفار وقيام الليل، حيث ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم "ينزلُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى في كُلِّ لَيْلَةٍ إلَى سمَاءِ الدُّنيا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِر فيقولُ: هَلْ مِنْ سَائل فأعْطِيَه؟ هَلْ مِنْ دَاع فَأسْتجيبَ له؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِر فأغْفِرَ لَهُ؟".
وكان الصحابة رضوان الله عليهم يعظمون وقت السحر ويحرصون على التعبد فيه، فقد ورد أن عبد الله بن عمر كان يصلي من الليل، ثم يقول: "يا نافع، هل جاء السَّحَر؟" فإذا قال: "نعم"، أقبل على الدعاء، والاستغفار حتى يصبح، كما جاء أن إبراهيم بن حاطب، عن أبيه قال: سمعت رجلًا في السحر في ناحية المسجد وهو يقول: "ربّ أمرتني فأطعتك، وهذا سحر، فاغفر لي"؛ فنظرت فإذا ابن مسعود، رضي الله عنه.
وحول ذلك قال الشيخ أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن أوقات الدعاء المستجاب منها "جوف الليل ووقت السحر والساعة الأخيرة من الليل قبل الفجر ويوم عرفة ويوم الجمعة بعد العصر وعند إفطار الصائم"، ناصحًا بترقب تلك الأوقات وكثرة الدعاء فيها وألا يستعجل الداعي الاستجابة.
لماذا سُمي وقت السحر بهذا الاسم؟
والسؤال الأكثر طلبًا، لماذا سُمي وقت السحر بهذا الاسم؟، ففي المعنى اللغوي لكلمة السحر، نجد أن معنى الكلمة يحوي عدة دلالات طيبة، فالسَّحَرُ أو السُّحْر هو آخرُ الليل قبيل الفجر، والسَّحَرُ من الشيءِ: طَرَفُه، أي السحر من الليل أول الليل، كذلك السَّحَرُ يعني البياضُ يعلو السوادَ، ويقال "لقيتُه في أَعلى السَّحَرَيْن" أي وهما سَحَرٌ مع الصبح، وسَحَرٌ قبلَه، كما الفجران للكاذِب والصادق.
ويقال السَّحَر الآخر عند انصداع الفجر وبزوغه، والسَّحَر الأعلى ما قبل انصداع الفجر، ويضرب المثل بنسيم السَّحَر لطيبه وتميزه بالنقاء، وجمع السَحَر أسحار، وقد سمي الوقت الذي يشمل أول الليل من بدايته ونهايته أي أول الليل وآخر الليل وقت السحر، نظرًا لطيب نسمته ودخوله أوقات الاستجابة التي يستجاب فيها دعاء الداعي.
وقت السحر في القرآن
ذكر وقت السحر في القرآن الكريم مقترنًا بالاستغفار، فقد قال الله تعالى في سورة آل عمران الآية 17 "الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ"، كما قال تعالى في سورة الذاريات "كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" فالاستغفار في وقت السحر من المستحبات عند الله تعالى خاصة وأنه تعالى في آخر الليل يتنزل إلى السماء الدنيا لاستجابة دعاء العباد واستغفارهم له كل ليلة.
وعبر خدماتها في الرد على الفتاوى، أشارت دار الإفتاء المصرية إلى أن السحر جاء ذكره في القرآن الكريم في مواضع كثيرة، منها قوله تعالى "تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ"، موضحة أن "صلاة الليل مِن أجل العبادات وأعظمها، وأفضل القربات وأحسنها، وهي دأب الصالحين، وسبيل الفالحين، امتدحها وامتدح أهلها رب العالمين".
كيف أحسب وقت السحر؟
وقد يتساءل البعض كيف أحسب وقت السحر لأتمكن من اغتنامه؟، وفي ذلك أوضحت دار الإفتاء المصرية في فتوى لها أن وقت السحر هو الوقت الذي يأتي في طرف الليل الأخير، أي الساعات الأخيرة من الليل قبيل الفجر، وقسمت الليل إلى أجزاء بحسب الرغبة لعدد تقسيماته كالتالي:
- تقدير نصف الليل لقيامه يكون بقسمة ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر على اثنين وإضافة الناتج إلى وقت الغروب.
- وتقدير ثلثه يكون بالقسمة على ثلاثةٍ وإضافة الناتج إلى وقت الغروب لمعرفة حدِّ الثلث الأول، أو إضافة ضِعف الناتج لمعرفة بداية الثلث الأخير وهو وقت السحر ما قبل طلوع الفجر.
- تقدير سُدُسِه الليل يكون بالقسمة على ستةٍ وإضافة ثلاثة أضعاف الناتج إلى وقت الغروب لمعرفة بداية السُّدُس الرابع، أو إضافة أربعة أضعاف الناتج لمعرفة بداية السُّدُس الخامس، أو إضافة خمسة أضعاف الناتج لمعرفة بداية السُّدُس السادس، وهكذا.
وبحسب طريقة دار الإفتاء، فإن موعد صلاة المغرب اليوم كانت في الساعة الخامسة مساءً، وستكون صلاة الفجر في الساعة الرابعة و49 دقيقة، فإن الوقت بين الصلاتين يقدر بنحو 11 ساعة و11 دقيقة، ولمعرف الثلث الأخير يقسم الوقت بين الصلاتين على 3 أثلاث، ويكون كل ثلث يستمر لنحو 3 ساعات و7 دقائق تقريبًا، لذلك يتوقع أن يكون وقت السحر في حوالي الساعة 1.43 دقيقة من الليل حتى الساعة 4.49 دقيقة أو بعد ذلك بقليل حتى يذهب سواد ليل الفجر.
هل وقت السحر هو الثلث الأخير من الليل؟
وحول هل وقت السحر هو الثلث الأخير من الليل؟، قالت دار الإفتاء المصرية إن وقت السحر يكون آخر الليل، وأن آخِر الليل يكون بطلوع الفجر هو ما يتوافق مع تقسيم أوقات الليل لقيامه؛ إذ يُستحب أن ينام قائمُ الليل السُّدُسَ الأخير مِنه قبل طُلوع الفجر بَعْدَ أن يقُوم السُّدُسَيْن الرابعَ منه والخامسَ، حتى يَقُومَ لصلاة الصبح والذِّكر بَعدَها نَشيطًا لا يظهر عليه جهدُ القيام، فيكون ذلك أدعى للإخلاص في العمل، ويلزم من ذلك أن يكون السُّدُسُ الأخيرُ منه قبل صلاة الصبح، بحيث ينتهي بطلوع الفجر.
وفي تفسير قوله تعالى "والمستغفرون بالأسحار" جاء في تفسير بن كثير، أن آخرون قالوا: "قاموا الليل، وأخروا الاستغفار إلى الأسحار"، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فيعطى سؤله؟ حتى يطلع الفجر"، كما يستدل بالثلث الأخير على أنه السحر بما ورد عن كثير من المفسرين قالوا في قوله تعالى إخبارا عن يعقوب: أنه قال لبنيه: "سوف أستغفر لكم ربي" قالوا: "أخرهم إلى وقت السحر".
هل وقت السحر قبل أذان الفجر؟
كما أجابت الإفتاء على سؤال هل وقت السحر قبل أذان الفجر؟، فأشارت إلى أن الفقهاء اتفقوا على أن وقت السحر ينتهي بطلوع الفجر، حيث اتفقوا على أن أول الليل يبدأ مع غروب الشمس، واختلفوا في تحديد آخره: هل ينتهي بطلوع الفجر، أو بطلوع الشمس؟.
وتابعت: والراجح مِن أقوال الفقهاء: أنه ينتهي بطلوع الفجر الصادق المعترض في الأفق؛ لقول الله تعالى: "وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ" أي: صلاة المغرب وصلاة الفجر، فإنَّ صلاةَ أحدِ الطرفين من ذلك صلاة الفجر، وهي تصلى قبل طلوع الشمس، فالواجب إذ كان ذلك مِن جميعهم إجماعًا أن تكون صلاةُ الطرف الآخَر المغربَ؛ لأنها تُصلَّى بعد غروب الشمس، وهو مذهب جمهور الفقهاء مِن الحنفية، والمالكية، والشافعية.
وقالت في فتوى لها "الليل ينقسم إلى أجزاء يختص بعضها بمزية عن غيرها مِن الفضل والأجر، ما يجعل المسلم يحتاج أن يعرف هذه الأوقات ابتغاءَ نيل بركتها وإحيائها بالعبادة من القيام، والتهجد، وقراءة القرآن، والذكر، والدعاء وقت السَّحَر، والحرص على إيقاع الأذكار في أوقاتها المحبوبة".
وشددت على أن خير الناس من يراعي الأوقات لأجل ذلك؛ مستدلة بما روي عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّ خِيَارَ عِبَادِ اللهِ الَّذِينَ يُرَاعُونَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ وَالْأَظِلَّةَ لِذِكْرِ اللهِ".
وكذلك استدلت بقول زين الدين المُنَاوِيُّ "إِنَّ خِيَارَ عِبَادِ اللهِ، أي: مِن خيارهم "الَّذِينَ يُرَاعُونَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ وَالْأَظِلَّةَ" أي: يترصدون دخول الأوقات بها "لِذِكْرِ اللهِ" أي: لأجْل ذِكره تعالى مِن الأذان للصلاة ثم لإقامتها، ولإيقاع الأوراد في أوقاتها المحبوبة".