كيف ستؤثر حرب غزة على سياسة واشنطن في الشرق الأوسط؟
لم تتوان أمريكا عن تقديم كل سبل الدعم لإسرائيل والتي هي بمثابة الابن المدلل للولايات المتحدة، إذ قدمت الولايات المتحدة مساعدات لإسرائيل منذ عام 1948، ويقدر إجمالي المساعدات الأمريكية لإسرائيل بين عامي 1946 و2023 بنحو 260 مليار دولار.
وكل ما تطلبه إسرائيل من حليفتها الكبرى أمريكا مجاب، وهو ما يردده الرئيس الأمريكي جو بايدن في تصريحاته فيما يتعلق بالحاجة إلى حماية أرواح المدنيين وعدم اعتبار إسرائيل قوة احتلال في غزة، رغم ما ارتكبه الاحتلال الإسرائيلي من مجازر وجرائم بحق الشعب الفلسطيني منذ اندلاع أحداث طوفان الأقصى.
وتساءل محللون عن كيفية تأثير الحرب الإسرائيلية في غزة على سياسة واشنطن في منطقة الشرق الأوسط، واعتمد المحللون على مقال رأي للرئيس بايدن نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، وكذلك كلمة منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط في المنامة قبل أسبوع حول تداعيات حرب غزة على سياسة أمريكا في دول الشرق الأوسط.
وحسب المحللون، فإن سياسة الرئيس الأمريكي جو بايدن في الشرق الأوسط على خمسة محاور أساسية وهي: الشراكة، والردع، والدبلوماسية، والتكامل، والقيم المشتركة، وهذه النقاط الخمس، تتّبع المبادئ التوجيهية الخمسة التي قدمها منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط ماكغورك باعتبارها مبدأ بايدن للشرق الأوسط.
أمريكا والشرق الأوسط وما بعد حرب غزة
فما هو التأثير الدائم الذي خلفته هجمات حماس في السابع من أكتوبر والرد الإسرائيلي المستمر في غزة على استراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟ بدأت الإجابة على هذا السؤال في الظهور، وقد أتاحت الأيام الأخيرة نافذتين للتعرف على نهج إدارة بايدن في التعامل مع الصراع والشرق الأوسط والتحديات الأمنية العالمية على نطاق أوسع.
إطلاق سراح الرهائن
لا شك أن أحداث طوفان الأقصي والتي بدأت في السابع من أكتوبر الماضي، أدت إلى زيادة إلحاح الولايات المتحدة الأمريكية للانخراط في الشرق الأوسط، كما أن إطلاق حماس المتوقع لبعض الرهائن لديها في مقابل وقف القتال ليس سوى خطوة أولى على المسار الذي تسلكه الإدارة الأمريكية لحل الصراع في غزة ومعالجة المصادر الأوسع لعدم الاستقرار في المنطقة.
محاربة بوتين وحماس
وظهرت سياسة البيت الأبيض تجاه القضية الفلسطينية والشرق الأوسط، من خلال خطاب منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط بريت ماكجورك في حوار المنامة 2023 في البحرين يوم السبت الماضي، بالإضافة إلى مقال الرأي الذي نشرته صحيفة واشنطن بوست للرئيس جو بايدن، والتي قال فيه: الولايات المتحدة لن تتراجع عن تحدي بوتين وحماس.
والجدير بالذكر أن تصريحات ماكجورك في المنامة جاءت كجزء من جهود الإدارة الأمريكية لتأمين وقف مؤقت لإطلاق النار في غزة والإفراج عن جزء من الرهائن المحتجزين لدى حماس، في صفقة تم الإعلان عنها يوم الثلاثاء والتي ستشمل أيضًا إطلاق إسرائيل سراح عشرات السجناء الفلسطينيين بوساطة قطرية.
الاستراتيجية الأمريكية
وتهدف سياسة واشنطن حاليًا إلى حل الصراع بين إسرائيل وحماس، وإعادة تأسيس قوة الردع الإسرائيلية، والتقدم نحو حل الدولتين، وذلك جنبًا إلى جنب مع مجموعة أوسع من الإجراءات الأمريكية، بما في ذلك؛ مواجهة التوسع الصيني ومواجهة الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا، وكذلك التصدي للعدوان الإقليمي الإيراني، بالإضافة إلى تعزيز التوافق بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية.
تدمير مصداقية إسرائيل
أدى هجوم حماس في 7 أكتوبر إلى تدمير مصداقية إسرائيل والتشكيك في قدراتها العسكرية، فتضاءلت صورة إسرائيل كقوة موازنة ضد إيران، ونتيجة لذلك، نشرت الولايات المتحدة مجموعتين من حاملات الطائرات الضاربة وغيرها من القدرات العسكرية المهمة في المنطقة بهدف ردع إيران ووكلائها عن توسيع الصراع.
الولايات المتحدة والدفاع عن النفس
عقب اندلاع أحداث طوفان الأقصي، نفذت الولايات المتحدة ثلاث ضربات منفصلة، بحجة الدفاع عن النفس ضد وكلاء إيران في سوريا خلال الأسابيع القليلة الماضية، ورغم أن الحملة التي تشنها إسرائيل في غزة تهدف إلى القضاء على حماس وإعادة السيطرة الكاملة علي غزة.
كما أن سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين في غزة سيزيد من صعوبة التوصل إلى تسوية سياسية مع السكان الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية في مرحلة ما بعد الصراع، وسوف يكون لهذه التسوية، والقبول العربي الإقليمي لها، تأثير أعظم على أمن إسرائيل مقارنة بالجهود التي تبذلها إسرائيل في الأمد القريب ضد حماس.
أفغانستان وإعادة توازن الوضع العالمي
في عام 2021، وبينما كانت الولايات المتحدة تنسحب من أفغانستان، كانت تنقل أيضًا كميات كبيرة من قدراتها القتالية الأكثر قدرة من الشرق الأوسط إلى أوروبا وآسيا، وعلى الرغم من كلمات التطمين من كبار مسؤولي إدارة بايدن في ذلك الوقت، إلا أن القادة في المنطقة رأوا في هذه التحركات علامة على أن الولايات المتحدة لم تعد ملتزمة بالدفاع عن المنطقة.
حظر بيع الأسلحة في السعودية والإمارات
وإلى جانب الحظر الذي فرضه الكونجرس على مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اختارت العديد من الدول الإقليمية تنويع علاقاتها الأمنية مع دول مثل الصين، كما أن التحركات الأخيرة التي اتخذتها الإدارة الأمريكية لإبرام اتفاقيات أمنية جديدة في المنطقة، فضلًا عن فتح مبيعات الأسلحة، هي وسيلة لإبقاء الدول الإقليمية الرئيسية مرتبطة بنظام إقليمي تقوده الولايات المتحدة ويعتمد على حل الصراع في غزة أولًا.
مواجهة التوسع الصيني
مع قيام العديد من دول الشرق الأوسط بتوسيع علاقاتها العسكرية والتكنولوجية مع جمهورية الصين الشعبية، أدى وجود التكنولوجيا والبنية التحتية الصينية إلى زيادة صعوبة تقديم البدائل الأمريكية، وعلى مدى العامين الماضيين، عملت إدارة بايدن على حمل الدول الإقليمية على تجريد نفسها من بعض أنظمة التكنولوجيا الصينية مع تقديم بدائل أمريكية.
وعلاوة على ذلك، ولمواجهة استثمارات البنية التحتية الاقتصادية الصينية، أعلنت الولايات المتحدة إطلاق الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا خلال قمة مجموعة العشرين لعام 2023، وعلى الرغم من فوائده الاقتصادية المحتملة، إلا أن الممر سيعتمد على شرق أوسط متكامل، وهو الأمر الذي سيتطلب أيضًا حلًا إيجابيًا للصراع في غزة.
دعم أوكرانيا ضد روسيا
وعلى الصعيد الدبلوماسي، صوتت منطقة الشرق الأوسط لصالح أوكرانيا في الأمم المتحدة، ومع ذلك، لم تقدم المنطقة دعمًا عسكريًا علنًا لمساعدة أوكرانيا على مقاومة الغزو الروسي واسع النطاق، وقد سعت المنطقة إما إلى عزل نفسها عن العواقب الدولية للغزو، مثل ندرة الغذاء والتضخم في مصر والأردن، أو الاستفادة من ارتفاع أسعار الطاقة، كما هي الحال في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر.
اسرائيل والصراع الروسي الأوكراني
من الجدير بالذكر أن إسرائيل ظلت على هامش الصراع الأوكراني، وذلك بسبب حاجتها إلى إذعان روسيا للضربات الإسرائيلية ضد أهداف مرتبطة بإيران في سوريا، وعلى الرغم من أن إدارة بايدن عملت على مواجهة المحاولات الروسية لاستخدام المنطقة لتجاوز العقوبات، إلا أن القيادة الأمريكية في المنطقة تظل مهمة لكبح جماح السيطرة الروسية علي المنطقة، وكما أوضح بايدن، أن الدعم الأمريكي لأوكرانيا، يحمل أهمية تتعلق بسمعة المنطقة من خلال إيصال التزام الولايات المتحدة بصد العدوان والحفاظ على النظام العالمي.
تعزيز التوافق السعودي الإسرائيلي
في النصف الأول من إدارة بايدن، اتبعت الولايات المتحدة الدبلوماسية لخفض الضغط في المنطقة ومواءمة المملكة العربية السعودية مع إسرائيل، وظهر ذلك جليًا عندما كانت رحلة بايدن الأولى إلى المنطقة هي زيارة إسرائيل والمملكة العربية السعودية في عام 2022، ويفسر أيضًا سبب سعي الإدارة إلى التطبيع السعودي الإسرائيلي وكذلك الاتفاقيات الأمنية التي من شأنها أن تشير إلى التزام الولايات المتحدة بأمن المنطقة.
وكان من المتوقع أن تؤدي المكاسب الدبلوماسية لهذا الجهد إلى فتح مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية بالكامل، فضلًا عن تمكين الجوانب العملية للممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، لكن ظلت هذه الجهود معلقة بسبب الصراع بين إسرائيل وحماس، لكن الزيارة الأخيرة لوزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان إلى البيت الأبيض والبنتاجون أشارت إلى استعداد السعوديين لاستئناف هذه العملية في وقت ما في المستقبل.
على الرغم من أن الحرب الإسرائيلية على غزة لم تنته بعد، إلا أن وقف إطلاق النار المؤقت المعلن والإفراج الجزئي عن الرهائن يفتحان المجال أمام المساعدات الإنسانية وتوسيع نطاق الدبلوماسية، ومن الممكن أن تساعد هذه الجهود الأخيرة في تخفيف التوتر بين هدف إسرائيل المتمثل في القضاء على حماس وما يترتب على ذلك من خسائر في صفوف المدنيين وتدهور الأوضاع الإنسانية.
ومن خلال المساعدة في تحقيق هذا التقدم، من الواضح أن البيت الأبيض يفهم أن متطلبات إسرائيل الأمنية طويلة المدى تظل مرتبطة بسياسة القضاء على إيران وحلفائها.
وتتبنى السياسة الأمريكية، فكرة أن الأمن طويل المدى، سوف يبدأ في الشرق الأوسط، بالقدرة على الحفاظ على نظام ردع إقليمي دائم ضد إيران ووكلائها، وبما أن مراجعة الوضع العالمي لعام 2021 أظهرت أن الولايات المتحدة تفتقر إلى القوات اللازمة للحفاظ على وضع دفاعي كبير ودائم في الشرق الأوسط، فإن هذا النظام الإقليمي سيعتمد على ضغط الولايات المتحدة نحو حل الدولتين، وهو ما سيسمح بدوره لإسرائيل بتطبيع علاقتها مع المملكة العربية السعودية والاندماج بشكل أكثر شمولًا في المنطقة.
فوائد التطبيع الموسع
وعلاوة على فوائد التطبيع الموسع، فإن الاتفاقيات الأمنية الأمريكية، التي تسعى الدول الإقليمية إلى الحصول عليها، ستشير إلى التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن منطقة الشرق الأوسط، وكما أوضح كل من بايدن وماكغورك، فإن النجاح المستقبلي لهذه الجهود يعتمد، من نواحٍ عديدة، على الكيفية التي يمكن بها للولايات المتحدة تشكيل التصرفات الإسرائيلية، والخطوة الأولى الجديرة بالثناء على هذا المسار تتلخص في وقف إطلاق النار المؤقت والإفراج الجزئي عن الرهائن.