السباق الرئاسي ورجل الشارع
تأتي الانتخابات الرئاسية المقبلة، في ظل ظروف صعبة، والشارع يسأل متى تتوقف ظاهرة الغلاء، وتقوم الحكومة بإعادة ضبط السوق، والعمل على توفير السلع الأساسية بأسعار مناسبة، وضبط سعر الدولار وإتاحته، وغيرها من الأزمات، ورغم ذلك مازال الشعب يتحمل تبعات تلك الأزمات بكل جسارة أملا في الوصول إلى دولة الرفاهية.
كذلك لن ننسى الظروف القدرية التي واجهتنا خلال السنوات السابقة من حرب على الإرهاب الداخلي، وتفشي وباء كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، وأخيرا الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لا شك أن كل تلك العوامل أثرت بشكل مباشر على الاقتصاد المصري.
لكن دعونا فى البداية ألا ننكر ما تم من إنجازات في عهد الرئيس السيسي، من برنامج حياة كريمة، وتكافل وكرامة، علاج المصريين من فيروس سي، والأمراض المتوطنة، وفيروس كورونا، ومشاريع الإسكان الاجتماعي، والقضاء على العشوائيات، وزيادة الرقعة الزراعية، وشبكة الطرق والمدن الجديدة، وكثير من المشروعات الكبيرة القومية،... إلخ حقا هناك مشاريع تطول القائمة عن ذكرها، يدركها المواطن لأنها واقع يعيشه.
ولكن أيضا هناك مشاريع كانت غير مجدية في تلك الفترة من وجة نظر البعض مثل العاصمة الإدارية وقناة السويس الجديدة، والمونوريل والقطار الكهربائي... إلخ، فطبقا لرؤية المعترضين عليها أنها استقطعت من موارد البلد الكثير، وكان الأهم هو ضخ تلك الموارد في التعليم والصحة والمشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، ودعم المصانع المتعثرة وإعادة هيكلتها والدفع بها إلى ضخ صناعة واستثمار يفيد الناتج القومي، وتلك رؤية موجودة في الشارع المصري.
كذلك مشاكل مهمة معلقة؛ أهمها طبعا الأزمة الاقتصادية وكيفية الخروج السريع منها، والبطالة والتضخم، وأزمة سد النهضة، وتراكم الديون الخارجية جراء القروض، والحريات، وفتح المجال العام...إلخ.
وتلك هي الصورة العامة للدولة المصرية قبل دخول السباق الرئاسي إلى مرحلته الأخيرة بإعلان الهيئة العليا للانتخابات عن قبول ترشح أربعة مرشحين بما فيهم الرئيس السيسي، والمهندس فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي، والدكتور عبد السند يمامة رئيس حزب الوفد، والمهندس حازم عمر رئيس حزب الشعب الجمهوري.
طبعا الرئيس السيسي يدخل السباق معتمدا على جماهيريته، ورصيده من الحب والاحترام الذي يكنه المصريين له منذ 30 يونيو، وقائمة طويلة من الإنجازات، ويحظى بدعم غالبية الأحزاب السياسية المؤيدة له، والتي تحشد بكل قوة وهي تعرض إنجازاته، وكذلك كثير من الدوائر غير السياسية، كما أن حرب غزة أعطت له مزيدا من القوة على موقفه المشرف في وجة جبروت إسرائيل وعدم انصياعة للهيمنة الأمريكية، وتمسكه بموقفه الذي دعمه الشعب المصري لا للتهجير القسري ولا لتصفية القضية الفلسطينية، وسعيه الدائم للحل السياسي وصولا إلى الهدنة الإنسانية الآن، ودخول المساعدات الإنسانية والطبية إلى أهل القطاع، مع استمراره في الضغط لوقف كامل لإطلاق النار وصولا إلى حل الدولتين.
لذلك يدخل المرشح الرئاسي السيسي السباق وهو مطمئن على نتيجة السباق، وأنه سيسعى لتطبيق رؤية الدولة المصرية للتنمية المسستدامة 2030 التي أطلقتها لاستكمال مسيرته، كذلك حلا للأزمة الاقتصادية سيسعى لتطبيق وثيقة سياسة ملكية الدولة، ويستند إلى وثيقة الاستيراجية الوطنية لحقوق الإنسان، وغيرها من المبادرات، والتي تعتبر برنامجه الممتد لفترته الرئاسية القادمة.
وبرغم قصر المدة التي اتيحت لعرض المرشحين الثلاثة على وجه الخصوص برامجهم، إلا أن الأقاويل انتشرت بأن تلك الانتخابات غير تنافسية، وأن المرشحين لا يملكون الشعبية التي يمتلكها الرئيس السيسي، وأنها مسرحية وذلك غير صحيح، فالرافضون للانتخابات يبحثون عن ضمانات برغم أنها تحت إشراف قضائي كامل، لكنهم يعللون ذلك بعدم حيادية أجهزة الدولة وانحيازها لمرشحها، وتعنتهم في عملية جمع التوكيلات، لكن السباق وصل إلى مراحلة الأخيرة.
يدخل زهران الانتخابات بشراكة مع حزب العدل، وقد استطاع تقديم برنامج انتخابي متكامل يضمن رؤيته، وينتقد بكل موضوعية، ويوضح نقاط القصور لدى الحكومة الحالية، ويقدم نفسه على أنه البديل الأمن الديمقراطي عبر صناديق الانتخابات، ويعتمد زهران على تاريخه السياسي الطويل، ومواقفه الوطنية، ونضاله لصالح قضايا الشعب.
ونسى زهران أنه معلوم لدى النخبة وفي الدوائر السياسية، مع أنه اجتهد في الفترة القصيرة على أن يعلن عن نفسه للمواطنين ولمشروعه السياسي وبرنامجه الانتخابي، لكن الوقت ليس في صالحه.
وما صعب الأمر على زهران وحزبه من أحزاب الحركة المدنية المعارضة، والتي أعلنت أحزابها مقاطعة الانتخابات بدواعٍ غير منطقية، مع أن هؤلاء المقاطعين كانوا بالأمس يقفون خلف أحمد الطنطاوي الذي فشل في جمع توكيلات الترشح، بل تم تحويله للتحقيق هو وبعض أعضاء من حملته لقيامهم بتداول أوراق تخص الانتخابات دون إذن السلطات المختصة بمخالفة للقانون، عبر دعوة المواطنين لتوقيع توكيلات شعبية لتأييدا له.
مع ذلك دخل زهران السباق بعيدا عن أحزاب الحركة المدنية، وسعى الحزبان إلى تجميد عضويتهما لحين انتهاء السباق الرئاسي، كما كنت أتمنى أن تنجح الحركة في الالتفات حول مرشح ينتمي إليها، ويدافعوا عن رؤيتهم التي أخرجوها من الحوار الوطني، والتي اعتبروها وثيقة تاريخية للمعارضة المصرية التي تقدم رؤية وبديل عبر وثيقة أفق الخروج، ولكنهم للأسف وكالعادة خلقوا ليعترضوا بدون أدنى موضوعية، “وقالوا له اذهب أنت والعدل فجاهدا ونحن هاهنا منتظرون”.
أما بالنسبة لمرشح حزب الوفد د. يمامة، فيدخل السباق معتمدا على تاريخ حزب الوفد الكبير والعريق، ويقدم نفسه أنة الرئيس القادم ولدية الحلول عبر برنامجه، ولكن غالبية المهتمين يرون أنه دخل من أجل التاريخ، وأن يحيي الوفد من جموده، ويعيد الحزب إلى الواجهة وهو شىء محمود في الأساس، مع أنه قد يكون خسر كل رصيده في مقابلة تلفزيونية وهو يتحدث عن أسعار الساعات والسيارات، وأنه لا يدرك معاناه الشعب.
أما المرشح الرابع م. حازم عمر مرشح حزب الشعب الجمهوري والذي يؤكد البعض على أنه دخل السباق لخلق حالة من حالات التحول الديمقراطي، والدليل أنه لم ينتقد الفترة السابقة، ولكنه استطاع أن يجمع 64 ألف تأييد ودخل السباق عبر دعم أعضاء حزبة في البرلمان، كما أن برنامجه يتضمن حلولا لكثير من القضايا التي يواجها الشعب، وأنه تحدى نفسه ويسعى للوصول إلى السلطة، وقد يكون المرشح حازم عمر أكثر الثلاثة تنظيما، وانتشارا عبر المحافظات مع أنه لم يقم بعقد أي مؤتمرات خارج القاهرة حتى اللحظة، وينتقد الفترة السابقة على استحياء، لكن في استطلاعات الرأي يحظى بشعبية نتيجة انتشار حزبه في ربوع مصر.
كما يرى الكثيرون أن فريد زهران هو المرشح الوحيد الذي يستطيع مواجة المرشح السيسي، أولا لتاريخ فريد ومواقفة التي يعرفها النخبوية، ولأنه جاء من المعارضة عكس مرشح الحزب الجمهوري مثلا، وأنه معارض وطني حقيقي ويحمل رؤية جادة وبرنامج طموح يستند إليه، ولكنه يفتقد الجماهيرية الشعبية لعدم معرفة عموم المواطنين به، وهذا بالطبع يرجع إلى التضييق الحاصل في المجال السياسي، وعدم حصول الأحزاب على فرصتها الحقيقية في الانتشار بدون قيود، وأن المناخ السياسي لم يسمح بهذا الانتشار، كما يأمل في أن دخوله السباق فرصة ثمينة لعرض برنامجه والانتشار للحزبين عبر تقوية قواعدهم، ونشر أفكارهم الإيدلوجية ورؤيتهما لكل المحاور سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.
وبرغم أن المراقبين وكل التصورات تشير إلى فوز الرئيس عبدالفتاح السيسي بالسباق الرئاسي لفترة أخرى، رأى البعض ونظرا للظروف السياسية التي تمر بها المنطقة أنه لا داعي للانتخابات والتكلفة الكبيرة لها لأنها محسومة من الجولة الأولى، كما يرى آخرون أنها فرصة لعرض وجه نظر مغايرة للسلطة القائمة الآن، وخلق حالة من الحراك السياسي، وأن تكون الانتخابات خطوة جادة للتحول الديمقراطي الكامل ويكون هناك تداول حقيقي للسلطة، وفرصة أكبر لفتح المناخ العام والحوار وإبداء الآراء كما حدث في الحوار الوطني الذي لم تكتب نهاية لكل المخرجات التي خرجت منه، لكنه صنع حالة طيبة أن يجتمع الفرقاء مؤيدين ومعارضة ويبنوا على ما بينهما من اتفاق للوصول إلى ما فيه صالح الوطن ومواطنيه.
ومازلنا نتمنى أن يكون هناك مناظرة حقيقية بين المرشحين، لنؤسس لجمهوريتنا الجديدة الديمقراطية الحديثة، ويعرض كل مرشح رؤيته لحل المواضيع التي ستعرض عليهم، ويشكل ذلك فرصة أكبر للشعب لتبني برنامج المرشح الذي سيذهب إلى صندوق الانتخاب ليعطيه صوته، وليشهد العالم على نزاهة الانتخابات وإتاحة الفرص المتساوية للجميع في عرض برامجهم.
كما نطلب من كل من له حق التصويت الذهاب إلى صندوق الانتخاب ليقول كلمته الفيصل، فنحن الشعب المصدر الرئيسي للسلطات، وأن صوت كل مواطن حق والذهاب إلى أماكن الاقتراع واجب وطني كبير، وعلينا أن نظهر للعالم أننا لدينا عرس انتخابي، وأن الشعب هو من يقرر، وليدحضوا أي ادعاءات.
حفظ الله الوطن ودامت راية مصرنا عالية ناهضة متقدمة بسواعد أبنائها.
تحيا مصر – تحيا مصر – تحيا مصر