الجمعة 22 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

جامعة للذكرى

الجمعة 22/ديسمبر/2023 - 04:15 م

 من أكتر من 140 سنة وتحديدًا في محطة قطار مدينة كامبريدج في ولاية ماساتشوستس الأمريكية، وقف القطر ونزل منه راجل ومراته لابسين ملابس بسيطة جدًا.. الاتنين كانوا ماشيين على مهلهم بسبب حالة من الإحباط والحزن باينة على ملامحهم ورغم كده كانوا عارفين هما رايحين فين بالظبط.

الهدف كان مكتب رئيس جامعة "هارفارد"، عايزين يقابلوا رئيس الجامعة والغريب إنهم قرروا كده بدون ما ياخدوا منه ميعاد سابق قبلها!.. وطبعًا مادمنا اتكلمنا عن منصب أكاديمي زى ده يبقى لازم يكون فيه نظام.. بس الزوجين البسطاء واضح إن دي كانت آخر حاجة شغلاهم.. وصلوا للمكتب وقابلوا مديرة مكتب رئيس الجامعة وبلغوها بطلبهم فردت عليهم الرد الروتيني المعتاد إن الراجل مشغول ومش هيقدر يقابل حد خصوصًا إن مفيش ميعاد سابق.

كان رد الزوجة السريع إن مفيش مشكلة إحنا كده كده جايين من مسافة بعيدة وهنقعد ننتظره عادي!.. السكرتيرة استغربت بس راهنت على مللهم أو زهقهم فسابتهم قاعدين.. قد إيه؟.. ساعة، اتنين، تلاتة؟.. لأ.. 7 ساعات متواصلين!.. الراجل ومراته قاعدين بمنتهى الصبر اللي في الدنيا.. الفكرة إن خلاص ميعاد مغادرة رئيس الجامعة لمكتبه قرب وبالتالي لازم يقابلهم لإنهم بكده هيصطادوه وهو خارج وهياكلوا ودانه وهي اللي هتدفع الثمن في النهاية عشان ماقدرتش تطردهم أو تزحلقهم بالذوق.. طب والعمل؟

قررت السكرتيرة إنها تدخل تبلغ الرئيس بوجودهم ورغبتهم في مقابلته وأهو كده كده باقي ربع ساعة بس وهو هيمشي فأكيد مش هياخدوا منه وقت كتير.. حصل فعلًا ودخلت بلغت رئيس الجامعة بوجود الراجل والست وطبعًا الرئيس سمعها كلمتين غسلها بيهم عشان المفروض إنه مايقابلش ناس مش واخدة ميعاد.. المهم دخل الزوج وزوجته للمكتب وبمجرد ما شافهم الراجل بص للسكرتيرة بغيظ بسبب ملابسهم البسيطة المتواضعة اللي أكدت له إنهم بالمنظر ده أكيد جايين عشان يطلبوا تبرعات أو مساعدة.

لسان حاله كان بيقول (بقوا هما دول اللي مخلياني أستقبلهم!).. الرئيس كان واضح على ملامحه الزهق والخنقة فقال بسرعة: ما الأمر؟.. الزوجة ردت بسرعة برضه وبنبرة فيها خجل إن هي وزوجها كان عندهم إبن بيدرس في جامعة "هارفارد" هنا بقاله سنة كاملة بس للأسف اتوفى من أيام في حادثة وبما إنه كان في قمة السعادة وهو بيدرس هنا وحب المكان جدًا فإحنا قررنا كوالده ووالدته إننا نيجي نتبرع للجامعة لتخليد اسم ابننا.

الرئيس بص لهم باشمئزاز وقال لها: سيدتي لا يمكننا أن نقيم نصبا تذكاريا لابنكما هنا وإلا تحولت الجامعة إلى غابة من النصب التذكارية.. أنا آسف طلبكم مرفوض.. الزوجة ردت بصبر: لا يا سيدي نحن لا نرغب في وضع تمثال بل نريد أن نهدي لجامعة هارفارد مبنى يحمل اسم ابننا.. رئيس الجامعة رد بسخرية وقرر يقول اللي واضح إن الزوج والزوجة ماقدروش يفهموه بالتلميح: هل لديكما فكرة كم يكلف بناء هذا المبنى؟ لقد كلفتنا مباني الجامعة ما يزيد على سبعة ونصف مليون دولار!، هل تدركان ما تقولانه؟

قال الاستفسار الأخير وهو بيبص لهم من فوق لتحت وعلى وشه فيه ابتسامة جانبية كلها تريقة.. الراجل ومراته بان عليهم الصدمة لما سمعوا الرقم وبصوا لبعض وكان واضح إن كلام الراجل قطم القعدة خلاص لدرجة إن المدير لما لقى الصمت غلف الأجواء رن الجرس عشان السكرتيرة تيجي تاخد الزوج وزوجته لبره المكتب.. هنا قرر الزوج اللي كان سرحان بيفكر إنه يقول لزوجته: مادامت هذه تكلفة إنشاء الجامعة بأكملها فلماذا لا ننشيء جامعة جديدة تحمل اسم ابننا؟

الزوجة زى ما تكون انبهرت بفكرة جوزها وهزت راسها بالموافقة ومسكوا إيد بعض وخرجوا فرحانين قدام استغراب رئيس جامعة "هارفارد" وسكرتيرته وبمجرد ما خرجوا زعق للسكرتيرة إنه مش عايز مقابلات تافهة تاني من النوع ده وإداها درس في ضرورة تقييم نوعية الناس اللي تخليهم يدخلوا يقابلوه.

الغريب إن بعد الموقف ده بـ أقل من سنة كان رئيس جامعة "هارفارد" معزوم في كاليفورنيا سنة 1891 على افتتاح جامعة "ستانفورد" اللي أنشأها الزوج "ليلند ستانفورد"، والزوجة "جين ستانفورد".. نفس الراجل والست اللي ملابسهم وملامحهم كانت بسيطة من سنة واللي غير بهدلة هدومهم الحزن كان مغطي ملامحهم ومديهم أكبر من سنهم بكتير بسبب حادثة وفاة إبنهم الوحيد.

الفكرة إن "ليلند ستانفورد" ده كان راجل سياسي معروف ومن أغنى أغنياء الولايات المتحدة في وقتها بس كسرة قلبه بسبب وفاة ابنه خلّته يتحول 180 درجة هو وزوجته في فترة الصدمة ولحد الفوقان منها.. وهي نفسها الحالة البسيطة دي اللي خلّت رئيس جامعة "هارفارد" يحكم عليهم من بره بره بدون ما يحط أى احتمالات إنهم بيتكلموا جد.

• ماتستغربش لما تلاقي حد كبر في كام يوم قد عمره كله ما هو الحزن بيزود العمر عمرين فوقه.. أنت شايف الغلاف الخارجي والنتيجة النهائية بدون ما تكون عارف حاجة عن المحطات اللي سبقت.. الناس أساتذة في الحكم على غيرهم من بره محدش عارف مين عنده إيه أو بيمر بإيه بالتالي من الخيابة إنك تفتكر إن لحظات هزيمتك أو هزيمة غيرك دائمة، وهي نفس الخيابة اللي بتخليك تحكم على الناس من مظهرهم، أو شكلهم وتتغاضى عن عقلهم، وجوهرهم، وظروفهم.. الحياة صعبة في المطلق ومش بيهونها إلا شوية لين، وتفّهم، واستيعاب.

تابع مواقعنا