من خالف سلم
هذه قاعدة استخلصتها من عصارة تجارب متراكمة ومُعتَّقة.. شَقْلِبْ نظام حياتك تسلم، وتربأ بنفسك عن ثقافة الزحام التي تصهر النفوس؛ لتُخرِجَ أسوأ خباياها.. جرِّبْ أن تكون كائنًا خفاشيًّا.. متجنبًا كائنات البشر وطباع البشر والاحتكاك بالبشر؛ لأن الواقع العملي أكد أن اسمهم الحقيقي بدون حرف الباء.
جرِّبِ الحياة الخفاشية، ولكن لا تقلدها في النوم بالمقلوب.. جرِّبْ فقط نظامها اليومي، وستدعو لي.
تخيَّلْ أنك ذاهب إلى عملك في نصاص الليالي، بينما الغالبية العظمى من المواطنين الشرفاء في الاتجاه المعاكس عائدون إلى منازلهم، وقتها لن تكون مضطرًّا لأن تركض وراء شبكات المواصلات لأقصى اليمين واليسار والأمام والخلف؛ أملًا في "الشعبطة" بأي مواصلة توصلك إلى عملك والسلام.
عندما تنام بالنهار والناس قد رحلوا عن بيوتهم للعمل، وتركوها خاوية، ستجد هدوءًا عجيبًا، وعندما تمارس عملك بالليل والناس متفاعلون مع الشاشات في بيوتهم، ستسعد بالهدوء أيضًا بجانب الوَنَس، وستدرك نعمة النوم بالنهار أكثر في شهر رمضان.
لا أنكر أنك ستضطر في بعض الأحيان لقضاء مصالح لا تنقضي إلا بالنهار، ولكنها لا تعدو كونها حالة طارئة، وتزول.
في الليل فقط يمكنك بمنتهى البساطة والدقة أن تعرف متى ستصل إلى شغلك بالساعة والدقيقة، وستجد السيارات متوافرة بغزارة، فتختار من بينها ما تروق لك، وستفاجأ بالسواقين وهم يتنافسون عليك، وستكتشف أنهم في غاية اللظاظة، بل ويتعاملون معك بشكل آدمي (متخيل؟)؛ لتحل ضيفًا في السيارة التي تناسب مزاجك.
وستتجنب عرق الركاب وروائح جواربهم، خاصة في فصل الصيف، وتتمدد على الكرسي الذي ما زال محتفظًا بإسفنجه، والسليم من أي إعاقة في رجله أو مسنده.. ستجلس وتستمع بالفرجة على الركاب في الاتجاه المعاكس لك وهم منفوخون وراضون بالكربسة والخنقة والشحططة التي لا بديل عنها للعودة إلى منازلهم، بينما أنت تتنقل بين الكراسي؛ لتُعوِّض سنين طويلة اشتقت فيها للجلوس على كرسي.
ستذهب والشمس قد همدت ونامت، وتعود قبل أن تفيق من غفوتها، وتلسعك بأشعتها البرغوثية، وفي عملك ستتمتع بليالي الصيف.
ولأن "الحلو ما يكملش" ففي الشتاء ستجد ذلك الفصل "البارد" يحاول بكل رذالته أن يفسد عليك فرحتك.. لا تشغل بالك؛ فالمسألة لبس ودفا.
أما عن الطعام في السهرة الصبَّاحي ومذاقه الخاص فشيء لا يوصف؛ حيث إن الجوع هو أعظم فاتح للشهية، ويكسب الطعام البايت نكهة لا مثيل لها.
وبعيدًا عن عملك، فاتباع قاعدة "من خالف سلم" بشكل عام يضمن سلامتك في جميع أوقات اليوم، فعندما تسير في الشارع عكس الاتجاه، فإنك بهذا تنجو من أي سائق يتعامى ويصدمك من ورائك، ولكن هذا لا يمنع من الحذر؛ لأنك ستجد بعض المخلوقات من فصيلة السواقين ملتزمين مثلك بالقاعدة، فيسيرون في الاتجاه "الشمال"، وغالبًا سيصدمونك، ويعتذرون لك بقولهم "مش تفتَّح يا أعمى؟!"؛ لذا انتبِهْ لنفسك، واجعل عينيك في قفاك، واركن على جنب قاعدة "من خالف سلم".. احذف منها حرف اللام؛ لتنجو بنفسك؛ أخذًا بالحكمة الأزلية "مكره أخاك لا بطل"؛ لأن العمر ليس بَعْزَقَةً.