حكاية ثورة
يأتي يناير كل عام ويحمل معه ذكرى ثورة 25 يناير، وبرغم مرور سنوات على وقائعها، فإنها تظل محل جدل ونقاش مستمر، هل هي ثورة أم مؤامرة، وتختلف رؤية كل شخص لها طبقا لقناعاته، مع أن الدولة المصرية في دستور 2014 قالت عنها إنها ثورة فريدة.
هناك أجيال تخرجت من الجامعة، وأخرى تدرس الآن لم تدرك أحداث يناير ولم تعايشها، فدعونا نعود إلى لحظة البداية، لتعلم كل تلك الأجيال أن المجد لمن خرج في يناير وكسر حاجز الخوف والصمت.
كانت شرارتها الأولى من مدينة المحلة الكبرى 2008، عندما تظاهر وانتفض عمال المحلة لتحسين أحوالهم، وفيها تم تحطيم وحرق صور مبارك.
وكانت الحركات الاحتجاجية التي تشكلت مثل حركة 6 أبريل، والجمعية الوطنية للتغيير (كفاية)، وحركة شباب من أجل العدالة والحرية هنغير، وغيرها بداية لحالة حراك كبيرة قادمة في الشارع المصري، الذي يئن من الأوجاع، منتظرًا لحظة الانفجار، فقد شاهدوا تزوير عملية الانتخابات بشكل فج، انتشار الفساد والفقر داخل المجتمع، وتزاوج رأس المال مع السلطة، وصفقات سياسية تتم في الخفاء بين الإخوان والنظام الحاكم، ليبارك عملية التوريث، التي ينفيها مبارك طوال الوقت، أمام تحركات حركة لا للتوريث، ناهيك عن القبضة الأمنية والقمعية من قوات الأمن، وعمليات الاعتقال العشوائية، والقمع لكل صوت حر.
وجاء مقتل سيد بلال، ومن بعده مقتل خالد سعيد، وانفجار كنيسة القديسين، ليزيد حالة الغليان، وزيادة حالة الاحتقان لدى المواطنين جراء الأوضاع السيئة، رسالة على أن الانفجار أصبح وشيكا، وزادها قوة وإلهاما نجاح ثورة الياسمين في تونس في الإطاحة برأس السلطة بن علي.
وعلى صفحة كلنا خالد سعيد بدأت الدعوات للخروج، وأعلن عليها مطالب الشعب، وخطة التحركات، وأماكن التجمعات، وكانت الحركات الثورية على الأرض تقود المشهد لمواجهة أي طارئ أثناء المواجهات المتوقعة.
وخرج بعض الشباب بفيديوهات تحث المواطنين على المشاركة، مع إحجام جماعة الإخوان عن تلبية دعوات الشباب، وتم اختيار يوم عيد الشرطة لبداية التظاهرات، يهتفون سلمية سلمية، وعيش، حرية، كرامة إنسانية، وبدأت الحياة تدب رويدا رويدا في الميادين كافة.
صحيح لم نكن نتصور تطور الأحداث، وتسارعها، فقد كان كل أملنا هو تغيير حكومة نظيف، ونرضى بإقالة حبيب العادلي، لكن للأسف المواجهات العنيفة التي قابلت بها الشرطة التحركات في الميادين، وفي كل المحافظات أدت إلى تفاقم الموقف، بعد استشهاد عدد من الشهداء في السويس، وما تلاها من شهداء وإصابات في ميادين مختلفة، نتيجة فرط العنف، باستخدام القنابل المسيلة للدموع، والرصاص المطاطي، والخرطوش، وخراطيم المياه، وعمليات القبض على المتظاهرين، ووصلت إلى قطع الإنترنت، والاتصالات، ومنع تصوير الأحداث من الفضائيات، فهم يريدون طمس الحقيقة، ليخرج إعلامهم يكذب، ما جعل الشباب يتمسكون بالميدان.
وكانت الدعوة إلى جمعة الغضب في كل ميادين مصر، ونزلت الأعداد بشكل كبير، لم تستطع الشرطة مواجهتها، وتحولت الميادين إلى ساحات مواجهة مباشرة مع الشرطة، وتم مهاجمة مقار الحزب الوطني، وزادت حالة الفوضى، وظلت أعداد المتظاهرين في تزايد مستمر، انهارت الداخلية ولم تستطع المواجهة، فانسحبت، وتم تشكيل لجان شعبية في الأحياء والشوارع لحماية المواطنيين والممتلكات جراء الفوضى العارمة نتيجة حالة انسحاب الشرطة، وتم استدعاء الجيش للنزول إلى الشارع.
ما زلت أتذكر وقت نزول مدرعات الجيش إلى الميدان، والهتاف الصاخب يدوي في أرجائه، الجيش والشعب إيد واحدة.
فقد كان الجيش يتفهم مطالب الشعب المشروعة، وهو الآخر كان ضد فكرة التوريث، ولا يمكن أن يطلق النار على المتظاهرين، فزادت الثقة لدينا.
كنا ننتظر خروج مبارك من بداية الأحداث، ولكن تباطئه في اتخاذ القرارات، غيّر كثيرا من المواقف، فالميدان يهتف يسقط حسني مبارك، وارحل، ولكنه خرج في خطاب مؤثر، يدغدغ المشاعر، يذكرنا بتاريخه العسكري، وتمسكه بالموت على أرضه، جعل حالة من الانقسام في الميدان، وذهب البعض إلى ميدان مصطفى محمود، ليدعم مبارك لاستكمال مهمته، ونرضى بإقالته للحكومة، وتعيين عمر سليمان نائبا له، وفي خضم هذا الانقسام ونحن في ميدان التحرير، تدخل علينا وفود بالأحصنة والجمال تريد فض الميدان بالقوة، وتدور معركة حامية الوطيس بين المتظاهرين، وتنتشر الدماء على أرضيته، ويفقد مبارك كل التعاطف بعد موقعة الجمل.
وفقد مبارك الخروج الأمن الذي يرغب فيه، والنهاية السعيدة لمحارب قديم، وصدحت أصوات تطالبه بضرورة الرحيل، وتمسك الجيش بحماية الشعب، لا حماية النظام، وتم توجيه للسفر إلى شرم الشيخ، وإلقاء خطاب التنحي، قبل زحف المتظاهرين إلى الإتحادية.
وخرج عمر سليمان ليلقي خطاب التنحي بدلا عنه، كلمات قصيرة لكنها نصر كبير لنا: (أيها المواطنون فى ظل هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد، قرر الرئيس محمد حسني مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية، وكلف المجلس العسكري بإدارة شئون البلاد).
بعد سماع هذا الخطاب كان الميدان في حالة من الفرح والبكاء، نحن غير مصدقين أننا نجحنا، في إزاحة مبارك القابع على السلطة 30 عاما، وأن مصر تحررت من قيودها، وكسرت كل خوفها.
وجاء المجلس العسكري، الذي أدى التحية لشهداء ثورة يناير، وأعلن أن القوات المسلحة لن تكون بديلا عن الشرعية التى يريدها الشعب، وقد أثبت الجيش أنه الدرع والسيف، بموقفة المشرف وانحيازه لرغبة الشعب.
في صباح اليوم التالي نزلنا إلى الميدان، ونظفناه، وأعدنا الحياة كما كانت، فقد انزاح الكابوس، ونأمل في عهد جديد، ونهضة حقيقية للوطن، وتلك أفضل أيام في حياة كل من شارك في الثورة.
والى لقاء لاستكمال باقي الحكاية، فتلك الصورة السابقة كانت الأجمل.