الخميس 14 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

فيلم الإسكندراني.. وهموم الهوية

السبت 06/يناير/2024 - 07:32 م

الهوية والحفاظ عليها ربما هو الحلم الذى كان يرافق كاتبنا الكبير أسامة أنور عكاشة، وظل معبرا عنه في أغلب أعماله السابقة، ذلك الحلم الذي يراود كل مصري عاشق لهذا الوطن خوفا عليه من الدخلاء "العابثين ".

أو كما وصفهم الراحل الكبير بقلمه وعبر عنه في مجريات الأحداث في مشهد بديع "صديق" علي الإسكندراني بمصطلح سكندري أصيل، “دي نوة براني” في إشارة منه إلى أن ما يحدث من متغيرات على المجتمع السكندري ما هي إلا “غمة وستزول” ستزول وربما لن تعود.

فالنوات ومواعيدها وعدد أيامها يحفظها المواطن السكندري عن ظهر قلب، بل ويحفظ أسمائها، نوة قاسم، نوة عوة، نوة المكنسة، وصولا للفيضة الصغرى، وغيرها من النوات التي أصبحت جزءا أصيلا من تلك الهوية، بل ويتعامل معها رواد البحر والمشتغلون به "كزائر" مرحب به كل شتاء رغم قسوتها وقت حدوثها إلا أنه غير مرحب بنوة عابرة أو نوة براني فى غير تلك التوقيتات المتعارف عليها سنويا.

فتجد حالة التذمر تلك في النقاشات التي تثار بين الجالسين في مقهى أو جماعة في المواصلات العامة، يتبادلون أطراف الحديث فيما بينها..(هي دي نوة إيه)؟!

لينتهي نقاشهم إلى أن تلك النوة براني، بعدما يؤكد لهم أحد المطلعين على آخر أخبار الطقس بأنها نتيجة منخفض جوي قادم من "قارة" أخرى.

أبدع عكاشة في ذلك التوصيف "المحلي"، ولخص همومه وخوفه وارتيابه الشديد على الهوية وما قد يطرأ أو طرأ عليها بالفعل من متغيرات تجعل من ذلك المجتمع هشا مخترقا، بلا ثوابت تميزه أو أصول متجذرة قد تقتلعه اقتلاعا.

وهو ما عبر عنه ووضعه كاملا متكاملا في شخصية "علي الإسكندراني" التي أداها ببراعة شديدة الفنان بيومي فؤاد، تلك الشخصية التي أكدت تلك المعاني طوال الفيلم الذي يشهد صراعا ما بين الأب والابن "بكر" الذي أدى دوره النجم المتألق (أحمد العوضي).

هذا الحلم الذي حوله ببراعة شديدة المخرج الكبير خالد يوسف إلى عمل سينمائي "الإسكندراني" متماشيا قدر المستطاع مع واقعنا الحالي، والذى بلا شك أصبح أكثر تغيرا عما كان وقت كتابة الراحل الكبير "أسامة أنور عكاشة " هذا الفيلم، واستطاع "عصرنة" الأحداث المكتوبة بشكل يتماشى مع واقع أليم حالي، ربما لم يكن أكثر سوداوية، وإن كنت أظن أنه لو كان الراحل بيننا لزادت الجرعة الواقعية أكثر مما تم تقديمه، ولأضاف المزيد من تخوفاته على فقد الهوية نظرا لما يترائى لنا من متغيرات من حولنا وهجمات شرسة تكاد تعصف بنا إلى نهاية مجهولة في الختام.

وهو ربما ذات الهم الذي عبر عنه خالد يوسف في سابقة أعماله، أو حاول التعبير عنه استقراء جيد للواقع ورسم نهاية لتلك القراءة والتعبير عنها في صور ربما ليست هي ما نتمنى أو نرجو، محاولين بشتى الطرق أن نتلاشى تلك النهايات السوداوية.

نحن إذا أمام ثنائي يحمل هموما، اجتمعا وأبدعا، وأحسن أبطال العمل جميعا وصناعه، وروج للفيلم بشكل لائق.

فيلم جمع فى طياته الرسالة وألقى الضوء على مخاوفهم، ولم ينسى أيضا صناع العمل متعة المشاهدة والتي كانت حاضرة في مشاهد عدة جمعت ما بين الأكشن والدراما وما بين مشاعر تجاوب معها المشاهد لما تحمله من تناقضات أحيانا وما تحمله من تمسك بأحلام وطموحات مشروعة في حين وغير مشروعة تارة أخرى.

الفيلم به مشاهد عديدة تستوقفك وربما أراد الثنائي يوسف وعكاشة إيصالهما لنا بشكل غير مباشر أو صريح.

مشهد زفة الطهور، وظهور علي الصغير ابن "قمر" والتي أدته الفنانة زينة باقتدار شديد، ربما جاء اختيار الاسم "علي" كدلالة على ذلك الأمل لدى عكاشة ويوسف أن تظل الهوية وحلم بقائها والمحافظة عليها في ذلك الفتى الصغير، لذا أعطاه الإسكندراني اسمه بعدما فقد الأمل في ابنه وابن أخيه ليحافظ على ذلك المسار الذي أراد أن يستمر، والذي عبر عنه بشكل مباشر وصريح في أكثر من مشهد في بداية الفيلم وفي منتصفه وفي ختامه بتوصيفه لحالته ومعيشته بل وملبسه.

أحد المشاهد لـ "بكر" مع صديقه على كورنيش ستانلي، كانت الصورة طبيعية وواقعية على جانب وغير منطقية على الجانب الآخر.

واقعية بشدة في الزحام المروري على شاطئ الإسكندرية "صيفا" وفارغا من المارة على الممشى بجوار بطل الفيلم...وهو أمر مستغرب وكان الأولى ظهور بعض المارة من المجاميع في ذلك المشهد.

“إلينا ” أو “تسنيم مطر”، النجمة الصاعدة والتي تخطو أولى خطواتها الفنية ابنه "يورجو" “حسين فهمي” استطاعت بكل اقتدار أداء الدور على أكمل وجه وهي أحد الوجوه التي يحسب لها نجاح العمل، بجانب باقى أفراد المنظومة.

(أحمد العوضي) نجاحه يكمن في قبوله للدور أولا، وأعتقد أن الدور لو عرض على أسماء ونجوم أخرى لرفضته، ويحسب لخالد يوسف حسن اختياره للعوضي.

العوضي قبل دورا ربما كان الأحق به الراحل أحمد زكي فهو الوحيد ربما الذي لا يعنيه أن تظل صورته لدى المشاهدين تلك الصورة اللطيفة، أو التي يخرج المشاهد من صالة السينما يحمل لها كثيرا من التعاطف والحب والارتباط بل والإعجاب، وهو ما يسعى له أغلب النجوم.

كان أحمد زكي "حاذقا" في تلك المسألة، وحافظ على نجوميته رغم تقديمه لمثل تلك الشخصيات والتي من المفترض أن لا تلقى ذلك التعاطف من الجمهور.

وفي أولى خطواته السينمائية كبطل لفيلم استطاع "أحمد العوضي" أن يرتحل إلى تلك المحطة "قافزًا" وغير مبال لردة فعل الجمهور بأن يشمئز من دوره أو يؤثر ذلك على مسيرته كنجم محبوب.. فنجح ببراعة.

تابع مواقعنا