لن نصبح أحرارا دون تحرير فلسطين.. كيف أيقظ مانديلا روح المقاومة بالعالم بعد 10 سنوات من وفاته؟
لن نصبح أحرارًا إلا إذا حررنا فلسطين.. بهذه الكلمات تحدث رئيس جنوب إفريقيا بعد المرافعة التاريخية التي قدمها فريق دفاع بلاده أمام محكمة العدل الدولية لإدانة إسرائيل ومحاكمتها بتهمة الإبادة الجماعية، ولإيقاف معاناة الشعب الفلسطيني ومحاسبة المسئولين عن هذه الأحداث.
عندما تابعت الجماهير حول العالم الموقف المشرف لجنوب إفريقيا وجرأتها في الدفاع عن الحق ونبذ الباطل، جاء في أذهان الجميع صورة البطل والمناضل نيلسون مانديلا، والحقيقة هي أن السر وراء موقف جنوب إفريقيا المشرف ليس وليد هذه اللحظة، بل هو وليد فكر وتربية عتيقة، بدأها المناضل الأقوى والأكثر حكمة في العالم نيلسون مانديلا.
نيلسون مانديلا
عُرف بالذكاء والحكمة والجلد والصبر والنضال دون كلل أو ملل، ولكن بالتسامح في نفس الوقت، فهو القائد والمناضل الذي تم ملاحقته وسُجن أكثر من ربع قرن وتم تشريده، ولكنه لم ينسَ بلاده وقضيته ولم يختار نفسه بل عاد في كل مرة من أجل تحرير قومه، بل أظهر قدر غير معقول من التسامح عندما تصالح مع سجانيه وحرص على تجاوز الأحقاد من أجل مصلحة بلاده، وفاز بالانتخابات الرئاسية وانتصر في حربه وأصبح أول رئيس أسمر البشرة لجنوب إفريقيا ثم رفض الترشح مرة أخرى وانصب على الأعمال الخيرية وخدمة بلاده بطريقة أخرى.
كانت جنوب إفريقيا تعاني من العنصرية والفصل العنصري، وذلك خلال حكم الاستعمار الأبيض البشرة.
قاد نيلسون مانديلا النضال والمقاومة كي يحصل السكان الأصليين لدولة جنوب إفريقيا حقوقهم، وتكف الحكومة عن الفصل العنصري التي كانت تمارسه بكل شكل من الأشكال في الحياة اليومية على سُمر البشرة وهم السكان الأصليين للبلاد.
تم ملاحقة مانديلا بكل الطرق الممكنة أثناء مكافحته، حتى بعد سفره لخارج البلاد لتنظيم المقاومة وتم حبسه فور عودته للبلاد بتهمة السفر بطريقة غير مشروعة وسجال طويل مع الحكومة البيضاء التي استخدمت كل وسائل التنكيل به، إلى أن تم سجنه أكثر من 27 سنة، ليتم الإفراج عنه بعد ذلك بسبب الضغط الدولي والداخلي على الحكومة.
“عندما خرجت من السجن كانت مهمتي تتمثل في تحرير الظالم والمظلوم معا”
لم ينتقم مانديلا من سجانيه رغم كل أفعالهم، ولم يترك قضيته وينساها، بل خرج من السجن وعقد مفاوضات مع الحكومة البيضاء، وقال في كتابه رحلتي الطويلة في طريق الحرية: "عندما خرجت من السجن كانت مهمتي تتمثل في تحرير الظالم والمظلوم معا".
وترشح للانتخابات الرئاسية وفاز بها في انتصار كبير للديمقراطية والنضال، وأخرج بلاده من ظلام الفصل العنصري، إلا أنه رفض الترشح لفترة رئاسية أخرى وترك المجال لأجيال جديدة، وتفرغ لخدمة بلاده من خلال الجمعيات الخيرية المختلفة، قبل أن يتوفى في 2013، تاركًا وراءه إرثا متأصلا في جميع أبناء شعبه.
القضية الفلسطينية.. قضية جنوب إفريقيا
أحفاد مانديلا
تربى أهل جنوب إفريقيا على قصة مانديلا التي حررتهم من الظلم الاستعماري، وتفهموا جيدًا مدى الظلم الذي قد يتعرض له السكان الأصليون لدولة ما على يد مستعمريها، وبالتالي تربصوا لإسرائيل كي يتمكنوا من محاسبتها بطريقة قانونية وصحيحة تفيد الشعب الفلسطيني وتعيد له حقوقه، وتحاسب المجرمين في حقه.
ليأتي خطاب رئيس جنوب إفريقيا الحالي على خطى مثله الأعلى مانديلا، تعليقًا على مرافعة فريق محاميه أمام محكمة العدل الدولية، قائلًا: بينما كان محامونا يدافعون عن قضيتنا في لاهاي، لم أشعر قط بالفخر الذي أشعر به اليوم، الخطوة التي اتخذناها محفوفة بالمخاطر، فنحن بلد صغير ولدينا اقتصاد صغير، وقد يهاجموننا، لكننا سنظل متمسكين بمبادئنا، ولن نكون أحرارًا حقا ما لم يتحرر الشعب الفلسطيني أيضا».
ليثبت تمسكه بمبادئ الزعيم الراحل مانديلا عندما قال: ما يقدّر في الحياة ليس أننا عشناها، بل ما أحدثناه من فرق في حياة الآخرين، والذي يحدد مغزى الحياة التي نعيشها.