محمد حامد سالم يكتب: لحن الموت ورقصة البارود
إن الشعوب على مر التاريخ عشقت الألحان ورقصت على أنغامها واستمدت منها التفاؤل والأمل بالحياة، وكم رقص الناس على أجمل الألحان في أحلك الظروف ومع تنوع الاختلافات والتناقضات بين الأمم، إلا أنها اجتمعت على حبها لهذا الفن وتذوقته بكأس الحياة وانتشت بعذب رحيقها.
لقد ابتدأ تاريخ هذا الفن قبل أكثر من 3500 عام، وقدم الكنعانيون أول لحن للبشرية، وهو المجموعة الحورية والتي تغنوا بها بآلهة القمر وتطور هذا الفن حتى أنه استخدم في شتى المجالات الدينية اللاهوتية وفي العبادات الوثنية، ولم يقتصر استخدامها فقط على الدين بل تعدى ذلك إلى تطويعها للمقطوعات الوطنية بمعزوفات موسيقية تعزز الشعور بالانتماء الوطني، وأصبحت عرفا بين الشعوب والأوطان تدل على نضالاتها وتاريخها وترسخ أمجادها ويَقوى حماسها في الحروب وبالسلام وتتغنى بها الجماهير؛ وبأهازيجها في المحافل الرياضية.
كما لاحظ السياسيون الصلة بين الموسيقى والسياسة وتطور استخدام الألحان والموسيقى بهذا المجال، وتم توظيفها في أهازيج الثورات سواء كانت عسكرية أو شعبوية وطلب الداهية السياسي تشرشل خلال ذروة قصف عاصمة الضباب بالقنابل النازية، بث الموسيقى الهادئة عبر إذاعة لندن؛ للتقليل من حدة هذه الضربات على نفسية الشعب البريطاني، كما قاومت مصر بصفتها رأس الحربة العربية ضد الكيان الصهيوني في أيام جمال عبدالناصر وشجعت أصوات العبقري عبدالوهاب والست أم كلثوم والعندليب وغيرهم من الفنانين بأسمى وأنبل كلمات الصمود والمقاومة وملأت الإذاعات العربية حماسا وفخرا.
لحن الموت ورقصة البارود
لكن بالجانب الآخر، حاربت العديد من الأنظمة الشمولية الموسيقى والألحان وارتأت العمل بنظرية أفلاطون؛ القائلة إن ابتكار الموسيقي مليء بأخطار على الدولة بأسرها، وينبغي أن يُحظر، فدائمًا ما تتغير القوانين الرئيسية للدولة مع تغير أنواع الموسيقى، إذ منعت العديد من الأغاني في عهد الاتحاد السوفيتي، ولم يقتصر المنع على الأغاني السياسية، بل تجاوز إلى ما دونها من الثقافية؛ خشية من وصول المحتوى المقصود إلى شعوبها، كما حاربت الولايات المتحدة الأمريكية العديد من الأغاني المناهضة للحروب على الفيتنام وغيرها، وأيضا الأغاني الداعية للانفصال عن الكونفيدرالية.
ولاحظ الرقيب أن الموسيقى تساهم في توحيد البشر لتشكيل جماعات سياسية فعالة كما حدث في الثورات الشبابية.
أما في وقتنا الحاضر فنلاحظ نوعا غريبا وجديدا من الألحان الطارئة على بعض الشعوب العربية، ألحان نشاز تمتلأ بأصوات البارود ولا يحلو لسامعيها الرقص إلا على جثث الأبرياء، فتارة يتغنى بعض الأعراب والمتصهينين من بني حام بأصوات الخراب والدمار المفتعل على قطاع غزة، فكما أن أصوات الجرحى والمكلومين من الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين أجمل سمفونية يرقص عليها إخوانهم من الشيطان، نعم الشيطان الماسوني الذي وجه الرقص على جثث الأشقاء، وجعل بعض الغافلين ينشدون خلف العازف الإسرائيلي بـ نوت ومقاطع موسيقية بائسة لا تطرب أذانهم الصماء سواها.
واليوم في أصل حاضرة العرب باليمن الأصيل وبعد بداية الموسيقار الأعظم سام وبصحبة العازف البريطاني الخبيث، بدأ الحفلة المجنونة وضربها لمواقع الأشقاء تمايلت رؤوس بعض العرب طربا وامتزجت لديهم نشوة ألحان البارود، وكأن من يضرب بها هم الأعداء.
هل سنكتفي من هذه الألحان أم سينفجر البارود بالمنطقة وتدق طبول الحرب بأنغام الروك على بلاد فارس، هذا ما يترقبه الواعي للمشهد الذي لم يسكر بعد بعسل الألحان ولم ينتعش برائحة البارود.