معرض القاهرة للكتاب وتساؤلات عدّة؟
معرض الكتاب لم يتجاوز الصورة العذبة التي انطبعت في خيالي منذ الطفولة عن سوق عكاظ، ساعتها كانت فكرةً مدهشةً وممتعةً بالنسبة لي، فكرة أنّ الناس أقاموا سوقًا للكلام، للشعر والأدب والخطابة، وهناك من يتذوق هذا فيستحسنه أو يستقبحه، يأتي الشعراء من كلّ مكانٍ فتُنشَر معلقاتهم على الكعبة، ينشد هذا ويسأله ذاك عن بيت من أبيات القصيدة، لم غادر رسمها الموزون وكأنّه ليس من قوله.
حين زرت معرض الكتاب لأوّل مرة وتجوّلت في أروقته اتسع بي الخيال لأسافر في كلّ الدنيا شرقًا وغربًا، وفي كلّ الأزمان، وهكذا صار لي طقسٌ سنويٌ بزيارة معرض الكتاب، حتى مرّ الزمن وصرت واحدًا من تفاصليه لا من رواده، وصرت أقصده يوميًا.
الآن ونحن على أعتاب الدورة الـ 55 لمعرض القاهرة الدوليّ للكتاب، ومع إعلان وزارة الثقافة عن البرنامج الثقافيّ لتلك الدورة، نتطلّع جميعًا إلى دورةٍ مميّزة وفارقة وأن تكون بدايةً حقيقيةً وجادّةً للاهتمام بحال النشر والثقافة في مصر.
ففي ظلّ متغيراتٍ إقليميّة تحدث من حولنا لا يمكن التفكير في ثقافة مصر حاليًا دون التنبّه لوضعٍ بالغ الأهميّة والخطورة، يبدو للناظر المدقّق أنّه انعطافةٌ أو تحوّلٌ كبير، لكن إلى أين؟
باعتبار الثقافة متأثرةٌ بكلِّ ما حولها، خاصّةً الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والسياسيّة، فإنّ الفترة التي نعيشها وبكلِّ ما يحدث فيها من متغيرات قد تطبع على الثقافة شكلها وأزماتها اللاحقة التي قد تستقر لعقود، بمعنى أوضح يمكننا القول بأنّ عام 2024 هو البؤرة الأنسب لاستشراف مستقبل الثقافة المصرية لمدة ثلاثة عقودٍ قادمة، وهو استشراف يحيط به الكثير من الألم والرجاء، لأنّ المعطيات لا تبشر بتحولاتٍ سلسة لصالح الثقافة المصريّة، بل بتحولاتٍ حادّةٍ وخطيرة قد تواجهها.
ولكن، وبالرغم من قتامة هذه المعطيات، فإنّنا نرى أنّه من الواجب النظر إليها باعتبارها تنبيهًا لما سيحدث وما علينا مواجهته والجهد الذي علينا بذله لتلافي أخطاره ومضاره.
في حين تقلّ القدرة الشرائيّة للمصريين، نجد أنّ أسعار الكتب والخدمات الثقافيّة ترتفع بشكل مهول، كما نجد أنّ القدرة على الإنتاج الثقافيّ تهبط إلى مستوىً حادٍّ يشبه التعثّر، إلّا إذا اتجّه صنّاع الثقافة والفن إلى أسواق أخرى أكثر سخاءً من السوق المصرية، لنجد سوقًا خليجيّة تفتح أذرعها لهذا التفريغ الذي سيتسبّب في تدهور وتراجع القدرة المصريّة على المنافسة الثقافيّة والإبداعيّة ضمن السياق المركزي للثقافة المصريّة.
فقد يبدع الأفراد في الأسواق الإقليمية الأخرى، لكن حصاد إبداعهم بالتأكيد سيكون بعيدًا عن الحالة المصرية، وسينمو داخل سياقات أخرى لن تفيد الثقافة المصرية بحال.