غزة قد تطيح ببايدن وترامب يعود
قبل أيام تم الإعلان عن فوز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الانتخابات التمهيدية لولاية "أيوا" التي أجراها الحزب الجمهوري لاختيار مرشحه القادم للمنافسة على منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وتشير كل التوقعات إلى أنه المرشح الجمهوري المحتمل، وبذلك ربما نرى ترامب الذي خسر الانتخابات السابقة أمام الرئيس الحالي جو بايدن يهزمه بعد فترة واحدة كما فعل معه أيضا قبل ثلاث سنوات وأطاح به من سدة الحكم.
مفارقات سياسية غريبة لكنها تتماشى مع ترامب الذي رأيناه دائما رجلا يثير الجدل.. ولكن هل سيفعلها حقا أم ستكون هناك مفاجآت أخرى؟
الحقيقة أن الإجابة على هذا السؤال ربما كانت تختلف كثيرا ما قبل غزة، وحرب الإبادة الإسرائيلية عليها بمشاركة كاملة من إدارة بايدن، الذي ظن في البداية أن هذا الدعم اللا محدود لنتنياهو في حربه على القطاع قد يعزز موقفه في الانتخابات المقبلة، ليفوز بفترة رئاسية ثانية، ولكن كما يقال، انقلب السحر على الساحر، حيث إنه لم يتوقع بايدن أن الرأي العام الأمريكي سوف يتغير، وقد تم خداعه في البداية بإظهار إسرائيل كضحية تشن هذه الحرب كنوع من حق الدفاع عن النفس ضد حركة حماس، فيرى الجميع بعد ذلك حقيقة كانت محجوبة عن الشعوب الغربية بالكامل، وهي أن تلك الدولة اللقيطة ليست إلا كيان محتل مجرم، لا يمارس سوى القتل بحق المدنيين منذ أكثر من سبعة عقود في فلسطين التي يحتلها بمساعدة غربية، وأن أحداث السابع من أكتوبر كانت ردًّا على جرائم يومية وانتهاكات لا أخلاقية يمارسها الاحتلال الإسرائيلي بشكل مستمر، وما كانت تلك العملية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية إلا حق مشروع ولا تستوجب كل هذه الجرائم بحق المدنيين بقطاع غزة، وقتل وإصابة عشرات الآلاف من الأطفال والنساء بواسطة القصف الذي لم ينقطع برا وبحرا وجوا لأكثر من مئة يوم حتى الآن، وتدمير كامل لكل شيء على سطح الأرض من حجر وشجر بشكل بربري وقح، بالإضافة إلى فرض الحصار الكامل والتعنت في إدخال المساعدات الإنسانية لقرابة مليوني إنسان يعيشون جحيما حقيقيا، وربما لولا بسالة المقاومين في مواجهة جيش الاحتلال بعدما بدأ عمليته البرية في القطاع، والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني رغم كل الإجرام الذي يواجهه، لربما كان قد تم تنفيذ مخطط التهجير الذي تسعى إليه إسرائيل منذ سنوات وتباركه الولايات المتحدة الأمريكية.
وبناء على ما سبق وتغيير بوصلة الرأي العام الأمريكي وخروج المظاهرات بشكل شبه يومي من أجل المطالبة بوقف العدوان على غزة، وآراء سياسيين معارضة لما يحدث حتى من داخل الحزب الديمقراطي، والتدني غير المسبوق لشعبية الرئيس بايدن بحسب استطلاعات الرأي ربما يتمكن ترامب من هزيمته.
والآن وبعد إدراك بايدن للمستنقع الذي أدخله فيه نتنياهو نرى تغيرا ملحوظا في رؤية الإدارة الأمريكية للحرب على غزة، وقد تحدثت تقارير صحفية إسرائيلية عن إخبار وزير الخارجية الأمريكي بلينكن لنتنياهو أنه لا حل عسكريا بشأن مصير حركة حماس، التي كان القضاء عليها بشكل نهائي هو أول أهداف هذه الحرب، لكن المقاومة بتصديها الأسطوري لهذا العدوان الإجرامي خلقت واقعا مختلفا تماما فاق كل توقعات العدو.. وذلك يشير إلى أن أمريكا لم تعد ترى ضرورة لاستمرار هذه الحرب التي أصبحت عبئا ثقيلا عليها.
ذلك بالإضافة إلى إعلان إعلام أمريكي عن تواصل إدارة بايدن مع مسئولين إسرائيليين للتحضير لما بعد نتنياهو الذي يواجه أيضا انتقادات كبيرة ومعارضة واسعة وصلت للمطالبة صراحة بإقالته من رئاسة الحكومة الإسرائيلية، وذلك لحالة التخبط الكبيرة داخل الكيان الصهيوني والخسائر الفادحة التي تلاقها جيشه في صفوف القوات والمعدات، بجانب النزيف الاقتصادي بسبب الحرب حتى وصل الأمر لرفض جنود الاحتياط الذهاب إلى غزة..
وهنا يتضح أن بايدن بعد انقلاب الأمور رأسا على عقب وتشويه صورته الشخصية في الداخل الأمريكي والعالم، يحاول إنقاذ مستقبله السياسي بالخروج من هذا المأزق الذي دخله في البداية ظنا منه أنه سوف يعزز موقفه خلال الانتخابات المقبلة، ليجد العكس تماما بل أن غزة هي التي قد تطيح به، خاصة عندما نجد أن ترامب يتفوق عليه في استطلاعات الرأي بنسبة كبيرة وذلك ليس حبا فيه وإنما معاقبة لبايدن، وهو ما يسمى في العلوم السياسية بالتصويت العقابي.