السبت 23 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

كلام بايت في الاقتصاد

الإثنين 22/يناير/2024 - 06:17 م

شاركتُ أول أمس في حلقة تلفزيونية مع الإعلامية البارزة لميس الحديدي، بصحبة الاقتصادي المرموق والصديق العزيز الدكتور مدحت نافع، للحديث عن التحديات التي يواجهها الاقتصاد المصري خلال عام 2024، والآليات الواجب اتباعها من قبل الحكومة للمرور من هذه الفترة بأقل الخسائر، خاصة في ظل استمرار الأزمة التي بدأت في مارس 2022 وتعاظم تبعاتها السلبية على الاقتصاد الكلي والجزئي.

وبادئ القول، فإن التحديات التي تواجه الدولة المصرية من الناحية الاقتصادية خلال العام الجاري، تتمثل في أعراض كثيرة تثير الذعر والقلق لدى الجميع، أبرزها عدم استقرار سعر الصرف، وانخفاض العوائد الدولارية من قناة السويس وتحويلات المصريين في الخارج بنسب تقارب الـ30%، مع حلول موعد سداد أقساط وفوائد ديون تقارب قيمتها الـ42 مليار دولار، بالإضافة إلى تجاوز معدلات التضخم الحدود الآمنة، وفقدان البنك المركزي قدرته على التعامل معها.

وفي الحقيقة فإن كل ما سبق ذكره، يمثل أعراض المشكلة الأساسية التي تواجه الاقتصاد المصري وهي اختلال ميزان المدفوعات - المعني بجميع المعاملات التجارية والمالية الدولية ومتكون من عناصر الحساب الجاري، والحساب المالي، وحساب رأس المال -، وعليه فأي حلول مقترحة لا يجب أن تبتعد عن محاولة ضبط هذا الميزان، حتى يكون لها أثر ملموس على الوضع، بدلا من المحاولات المستمرة لمواجهة العرض لا المرض.

فعدم استقرار سعر الصرف يرجع إلى شح العملة الدولارية بالشكل الذي فتح المجال للمتاجرة فيها من السوق الموازية كبديل شبه شرعي للتعامل التجاري، وظرف شح العملة قد نتج بشكل رئيسي عن ضعف الهيكل الاقتصادي وعدم قدرته على الموازنة بين الاستهلاك والإنتاج وبين التصدير والاستيراد، بالإضافة إلى استهلاك الديون في مشروعات غير مدرة للربح.

وتبعات ذلك بالإضافة إلى سياسة الإنفاق المتزايدة، رتبت أن السياسة النقدية لم تعد قادرة على التأثير على حجم العجز في ميزانية الحكومة، لأن البنك المركزي صار مجبرا على اتباع ما يعرف بالسياسات الاستيعابية لتلبية احتياجات الحكومة من الاقتراض عن طريق الاستمرار في إصدار الديون، بما يفرض هيمنة السياسة المالية وتحكمها في السياسة النقدية، وهو ما يفرض وضع Monetary seigniorage، أي استبدال الدين السيادي باستمرار من قبل المركزي، ما يسمح للحكومة بالاقتراض دون الحاجة إلى السداد.

كما أن الإشكالية الحقيقية ليست في سعر الصرف وكذلك ليست في حجم الديون الخارجية بل في تجاوزها للحدود الآمنة بالنسبة لانتاجية الاقتصاد، بمعنى أن ما تقترضه الدولة لا يُترجم إلى نمو اقتصادي بل على النقيض يشكل عبئا اقتصاديا في مدى استدامته، ناهيك عن أن إصرار الحكومة على اتباع نهج الإنفاق الكثيف يزيد من  معدلات التضخم بآثارها العاصفة على الطبقات المجتمعية المختلفة.

وعند الحديث عن مقترحات الحلول، فيجب التنويه إلى أنه بما أننا لن نعيد اخترع العجلة، فلا يجب أن نتبارى في طرح أفكار مستمرة قصيرة الأجل لحل مسارات طويلة بالشكل الذي يستهلك الجميع في طرح أفكار غير مجدية، تفرض حالة من الشطط عن أبجديات الاقتصاد المتعارف عليها، دون أي تشدد أو تطرف، وقد لخص هذا المعنى، الاقتصادي البارز بول كروجمان الحاصل على جائزة نوبل حين تحدث عن فكرةBailout and Regulate أو الإنقاذ والتنظيم.

يفترض علاج كروجمان الإنقاذ والتنظيم، أن برنامج الإصلاح في مصر يجب أن يوجه الدولة بعيدًا عن حافة الهاوية وإلى طريق الاستدامة الاقتصادية والاستقرار المالي، وتجنيب حاجة المجتمع الدولي إلى عمليات إنقاذ مستمرة لمصر تحت ذريعة أنها أكبر من أن تفشل، وفي مسار التنظيم فيجب إزالة الخلل الذي يدفع المسؤولين التنفيذيين إلى خوض المخاطر التي لا ينبغي عليهم القيام بها.

وأولى هذه الحلول قصيرة الأمد للإنقاذ في تقديري والتي طرحتها منذ قرابة العامين، هي اتباع منظومة تشديد نقدي ومالي وحوكمة مصروفات الحكومة، ومن ذلك بالطبع تطبيق ما يعرف ما بالقيود الكمية quantitative restrictions، المنصوص عليها بالمواد 8، 18 في اتفاقية التجارة الدولية، وهي تتيح استخدام قيود على الاستيراد معلنة بشكل مسبق ومحددة لفترة زمنية، حينما تواجه الدولة مشكلة في ميزان المدفوعات، وهو ما نواجهه حاليا.

وهذه الآلية تتيح للدول بكل أريحية وقف استيراد منتجات أو أصناف معينة بشكل حاسم ومعلن خاصة وأن السوق المحلية قادرة على إنتاجها وتلبية الطلب عليها لتخفيف الحمل على المعروض النقدي الدولاري، وهو ما يعفي الدولة من تراكم عدد كبير من الشحنات في الموانئ من سلع ومنتجات يمكن توفيرها محليا، وإدخالها يستهلك مليارات الدولارات.

وهذا المقترح يأتي في ظل ما يعانيه وضع تداول النقد الأجنبي خارج النظام المصرفي من تشوهات عجيبة، للدرجة التي أتاحت استيراد السيارات الفارهة والكماليات بينما تعجز الشركات الصناعية عن توفير مستلزمات الإنتاج وتعجز شركات الدواء عن توفير احتياجاتها، خاصة وأن عملية توفير العملة صارت تتم بشكل غير رسمي تماما، فالنظام المصرفي غير معني بإدارة وتنظيم العملية التجارية بالأساس.

وحتى لا نكون في ذات الوضع حال التعرض لأي أزمة مشابهة مستقبلا، فهذه الحلول التي اقترحتها، وهي آنية أو قصيرة الأجل، يجب أن تتماشى بالتوازي مع حلول متوسطة وطويلة الأجل يكون من شأنها ضبط التشوه في النظام الاقتصادي ووضعه في إطار تشغيلي منتج يحميه من أية صدمات، أو على الأقل يعطيه قدرة على التعاطي معها بدلا من ظروفه الحالية التي وصفتها في أكثر من مناسبة بالطائرة الورقية.

الغريب أنه رغم الحديث عن هذا الوضع وطرح حلول في مناسبات عدة، إلا أنني أواجه نفس السؤال الباهت: أين الحل؟، مع حالة استكانة حكومية بالتضاد مع حقيقة تضاؤل فرص التنفيذ بينما تحاول الحكومة عبثا إعادة اختراع العجلة، وتترك المواطن وحده يدفع ضريبة التضخم وتآكل المدخرات.

أي نعم.. مؤشرات التدفقات وهيكل الدين السيادي يشير إلى أن سفينة الوطن ستمضي دون أن تغرق وستتجاوز الأزمة مرحليا أو ستؤجل المواجهة بعض الوقت، لكنها تبحر غير عابئة بسلامة الركاب داخلها.

تابع مواقعنا