أقوى من الرصاص | الفصائل تتفوق على جيش الاحتلال الإسرائيلي بالحرب الإعلامية والنفسية.. وخبراء: المقاومة أدارتها بامتياز
مرة أسبوعيا لأبو عبيدة vs ظهور متكرر لمتحدث الاحتلال.. عندما تكون قليل الكلام كثير التأثير
رسائل الأنفاق.. المقاومة تنجح في مخاطبة العالم بالحقيقة من «تحت الأرض» رغم تزييف الاحتلال
كذب وغباء.. مواقع التواصل تتحول لـ«ساحة نكات» من بيانات متحدث الجيش الإسرائيلي
إلهي اسمع لها.. فهي تكافح وحدها.. إنها محطمة.. من كان يتخيل أن كلمات الأغنية العبرية "أمي" والتي تحمل الكثير من مشاعر الحنين والشوق والانكسار والحسرة؛ يمكن أن تعود للساحة من جديد نهاية شهر ديسمبر الماضي، وبعد مرور حوالي 40 عاما من إنتاجها لأول مرة بصوت المطرب الشعبي الإسرائيلي من أصول يمنية زوهر أرجوف، والذي كان يطلق عليه ملك الأغنية الإسرائيلية.
الحرب الإعلامية والنفسية بين المقاومة وإسرائيل
جاءت الأغنية محطمة لآمال الأمهات وأهالي الأسرى لتترك في قلوبهم غصة وفي نفوسهم شوقا؛ خلال مقطع فيديو بثته كتائب القسام يحمل اسم "إلى عائلات الأسرى معاناتكم مع نتنياهو لم تبدأ بعد"، والذي كان يعرف طريقه مباشرة صوب تل أبيب للعائلات هناك من أجل تحريك عواطفهم للضغط على حكومة نتنياهو، أو أنه تم اختياره بعبقرية لإيصال رسالة مفادها: يمكن أن يكون مصير الأسرى مأساويا بسبب القصف العشوائي لجيش الاحتلال؛ كمصير مؤدي الأغنية والذي توفي داخل أحد مراكز الشرطة الإسرائيلية في ريعان شبابه عام 1987.
مثلت الحرب الإعلامية والنفسية بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي، منذ فجر يوم السابع من أكتوبر الماضي، أهمية كبيرة من خلال بث مقاطع فيديو لاجتياز السياج وجدار الفصل العنصري وما به من تكنولوجيات ودخول الكيبوتس بسهولة في غلاف غزة والسيطرة على كثير من القواعد العسكرية الإسرائيلية، وطوال أكثر من 100 يوم من العدوان الإسرائيلي؛ تراشق الطرفان بسلاح الدعاية والحرب النفسية والتي لا تقل أهمية عن معارك الأسلحة؛ وهو ما دفعنا للحديث إلى متخصصين عن أي الفريقين نجاحا في إدارة نيران الكلمات وتأثير الفيديوهات.
عضو حركة فتح: المقاومة تستخدم أسلوبا نفسيا جديدا لإدارة ملف الأسرى والضغط على إسرائيل
الوقت ينفد.. إلى عائلات الأسرى معاناتكم مع نتنياهو لم تبدأ بعد وغيرهما، يرى الدكتور أيمن الرقب، المحلل السياسي الفلسطيني وعضو حركة فتح، بأن المقاومة تستخدم أسلوبا نفسيا جديدا لإدارة ملف الأسرى وذلك للتأثير على الاحتلال في هذا السياق، وهو ما شاهدناه من خلال الفيديوهات التي حملت العناوين السابقة، مؤكدا أن الاحتلال يستخدم الحرب النفسية في إعلامه لإضعاف الجبهة الداخلية الفلسطينية، ويقابلها إدارة المقاومة بإعلامها لإضعاف الجبهة الداخلية الإسرائيلية، والتي نجحت في التأثير على الداخل الإسرائيلي رغم محاولته الحثيثة للتعتيم.
وتابع قائلا: نادرًا ما ينشر الاحتلال في إعلامه الرسمي مقاطع عن الأسرى، حتى عندما يكون هناك فيديو يكون بلا صوت، ولكن مواقع التواصل الاجتماعي تمكنت من نشر كل شيء حتى في الجانب الإسرائيلي.
وقارن الرقب؛ التصريحات اليومية للمتحدث باسم جيش الاحتلال، والتي يصفها بأنها لم تعد ذات أهمية للحديث في أشياء كثيرة ويستخدم فيها روايات كاذبة كما أنها تخضع للرقابة العسكرية، بينما يقابلها بيانات أبو عبيدة؛ والتي لها تأثير كبير على الجانب الفلسطيني لمصداقية روايته وحديثه الهادئ المحدود المركز، والذي بات أيقونة يحظى بمتابعة قوية من الاحتلال نفسه.
أكاديمي فلسطيني: المقاومة نجحت في تحويل الحواجز الثقافية واللغوية والنفسية إلى نقطة ضعف في نفوس الإسرائيليين
واتفق في هذا السياق، الدكتور حسن مرهج، الخبير الاستراتيجي والأكاديمي في شئون الشرق الأوسط بجامعة القدس، إذ أكد أن المواد الإعلامية التي بثتها فصائل المقاومة الفلسطينية كان لها تأثير كبير من حيث استهداف الداخل الإسرائيلي ونشر البلبلة والخوف، مشيرا إلى أن لها تأثيرات على رفع معنويات المقاومة، ونشر رسائل سياسية حول حق الفلسطينيين في تحرير أرضهم.
وكشف مرهج، عن أن المقاطع التي نشرتها المقاومة لسير العمليات على اختلاف موضوعاتها واستخدمت الأغاني الإسرائيلية والكتابة باللغة العبرية والموشن جرافيك، كانت لها تأثير كبير على مشاعر الإسرائيليين؛ مؤكدا أن استخدام هذه المؤثرات والأدوات الإعلامية أظهرت قدرة المقاومة الفلسطينية على التغلب على الحواجز الثقافية واللغوية والنفسية، وتحويلها إلى نقطة ضعف في نفوس الإسرائيليين.
وتحدث الخبير الاستراتيجي والأكاديمي الدكتور حسن مرهج، بأنه فيما يتعلق بحرب غزة، فإن نجاح أو انهزام القدرة على التأثير في وسائل الإعلام يعتمد على زوايا التغطية والتحليل المستخدمة من قبل المؤسسات الإعلامية المختلفة، وقد تكون هناك آراء متضاربة حول نجاح أو فشل إسرائيل إعلاميا في هذه الحرب، وذلك يعتمد على منظور كل فرد أو جهة.
سخرية من مقاطع فيديو الجيش الإسرائيلي
وطوال أكثر من 100 يوم من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، نشر جيش الاحتلال الإسرائيلي الكثير من مقاطع الفيديو للرد على ما تنشره المقاومة الفلسطينية، لكن معظمها قوبل بالسخرية من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي.
ومن هذه الفيديوهات، ما أذاعه جيش الاحتلال في منتصف شهر نوفمبر الماضي، إذ ادعى المتحدث دانيال هاجاري، بأن المقاومة تستخدم مستشفى الرنتيسي لاحتجاز الأسرى لكن ظهوره قوبل بالسخرية.
بعد ذلك، تبعه في بداية شهر ديسمبر الماضي، نشر أفيخاي أدرعي الناطق بالعربية باسم الجيش الإسرائيلي، صورا ومقاطع فيديو لما وصفه أكبر مخزن للصواريخ والذخيرة، والتي أثارت هي الأخرى التهكم من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، لأن الصاروخ الذي يبلغ طوله أمتار ومن المفترض أن يزن أطنانا يحمله جنديان إسرائيليان، فيما تزامن معه نشر مقاطع فيديو انهالت عليها التعليقات الساخرة لإطلاق نار من بنادق جنود إسرائيليين على مبانٍ خالية وفي الهواء تحت عنوان «من المسافة صفر».
بيانات أبو عبيدة والمتحدث العسكري الإسرائيلي
وبرصد الخطابات والبيانات التي تحدث فيها كل من متحدث كتائب القسام أبو عبيدة ونظيره متحدث جيش الاحتلال الإسرائيلي دانيال هاجاري، يتبين أن أبو عبيدة لم يطل علينا سوى في 19 خطابًا منذ بداية الحرب، بمعدل ظهور خطاب واحد في كل أسبوع، في حين أن هاجاري يخرج بشكل يومي في خطاب لوسائل الإعلام العبرية والدولية للحديث عن سير العمليات العسكرية في قطاع غزة، كما هو موضح في الرسم البياني التالي:
سمير فرج: الإعلام الإسرائيلي ظل فاقدا للسيطرة ومهتزا بشكل كبير خلال الأيام الأولى من عملية طوفان الأقصى
من جانبه؛ يوضح اللواء سمير فرج الخبير العسكري والاستراتيجي؛ بأن الدعاية الحربية والإعلام أخذت جهدا كبيرا من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، موضحا أن الإعلام الإسرائيلي ظل فاقدا للسيطرة ومهتزا بشكل كبير خلال الأيام الأولى من عملية طوفان الأقصى، وخسر كثيرا ليبدأ نشاطه متأخرا من خلال تصوير وعرض الأساليب القتالية.
وأكد أن الإعلام الفلسطيني للمقاومة تفوق عليه لأنه نجح في عرض أساليب اختراق جدار الفصل المزود بأحد التكنولوجيات وكذلك أساليب قتال المستوطنات والسيطرة على المواقع العسكرية الإسرائيلية، لينجح في عمل "show" على حد وصفه.
وشدد الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء سمير فرج؛ على أن المقاومة الفلسطينية نجحت في تصوير وإنتاج مقاطع فيديو جيدة للغاية خلال سير عملياتها العسكرية؛ مؤكدا أنها ساعدت بشكل كبير على رفع الروح المعنوية للشعب الفلسطيني ولرجال المقاومة كما أعطت ثقة كبيرة للعرب في كل مكان بأن المقاومة متماسكة وقوية، وزادت كثير من الدول من تعاطفها معهم.
ياسر عبد العزيز: الأدوات الاتصالية لدى المقاومة الفلسطينية أضحت "أداة قتالية" بامتياز
من جانبه؛ يرى الخبير الإعلامي الدكتور ياسر عبد العزيز؛ بأن حركات المقاومة الفلسطينية نجحت في تطوير استراتيجية اتصالية متكاملة وذلك منذ عام 2008، لافتا إلى أن الأدوات الاتصالية لدى المقاومة الفلسطينية أضحت "أداة قتالية" بامتياز على حد تعبيره، وأن هذا النجاح يتعلق ببعض العناصر ومنها درجة التنسيق العالية بين الإطار السياسي والعسكري من جانب وبين الإطار الاتصالي من جانب آخر.
ويضيف عبد العزيز؛ كذلك إلى تنوع الأدوات والتكنولوجيات المستخدمة، بجانب استخدام التوقيتات المناسبة والجيدة في نشر المقاطع المصورة والبيانات العسكرية والإعلامية، مؤكدا أن الأداء الإعلامي للمقاومة بدا مكتسحا يومي الـ 7 والـ 8 من أكتوبر الماضي مع بداية عملية طوفان الأقصى، فيما كان يقابله على الجانب الآخر تفوقا للأداء الاتصالي الإسرائيلي.
ويؤكد الدكتور ياسر عبد العزيز، أنه لاحقا أصبح العكس صحيحا؛ ليتفوق الأداء الاتصالي للجانب الفلسطيني رغم تكلفته الكبيرة من الضحايا المدنيين الفلسطينيين، مشيرا إلى أن المقاومة وقعت في خطأ اتصالي استراتيجي كبير؛ من خلال الانطباعات الأولى للمشاهد التي صدرت يومي الـ 7 والـ 8 من أكتوبر الماضي، والتي أظهرت الفصائل الفلسطينية في موقع العدوان وانتهاك القانون الدولي الإنساني وكان لابد لها من أن تخضع لإدارة اتصالية محكمة.
ويختتم حديثه بأنه بسبب هذا الخطأ الاتصالي تمكنت إسرائيل من تغطية جزء كبير من عدوانها سياسيا وأخلاقيا والتي تمثل جرائم حرب متكاملة الأركان وعملية إبادة عرقية في حق المدنيين من الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.