عن الذهب والدولار.. وأشياء أخرى
ريتشارد ثالر اقتصادي أمريكي فاز سنة 2017 بجائزة نوبل في الاقتصاد عن أبحاثه في موضوع Behavioural Economics أو الاقتصاد السلوكي.
ثالر اعتبر الافتراضات النفسية أحد أهم عناصر عملية صنع القرار الاقتصادي عكس الاقتصاد الكلاسيكي المعتمد بالكامل على المنطق، يقبل الاقتصاد السلوكي بالتصرفات غير العقلانية بسبب اعتقادات نفسية يتصورها المشترى.
ولتبسيط المفهوم دعونا نفكر ما السبب الذي يجعل فردا ما يشتري موبايل ماركة أبل مثلا بسعر قد يتجاوز دخله السنوي في بعض الحالات إلا بسبب رغبته الشخصية في أن يتم تصنيفه ضمن فئة ما من المجتمع رغم عدم احتياجه لمزايا تعوض فرق السعر بين الهواتف الأخرى المتاحة، كما يحرك الناس الرغبة يحركهم أيضا الخوف، وما يسري على الفرد يسري على المجموعة، وهو ما يحدث حرفيا الآن في السوق المصري كتطبيق عملي لنظرية ثالر.
بعد عدة تخفيضات لقيمة الجنيه تآكلت معها ثروات المصريين وخوفا من تخفيض آخر متوقع ضمن عقول الجمع الشعبي الأكبر، يقبل الجميع الآن وبشراهة على شراء أي شيء وكل شيء قد يحتاجون إليه ولو بعد شهور طويلة، وفي حالة عدم ارتياحهم النفسي لمنتج ما يقبلون على الذهب والدولار.
سوق لذهب ينخفض عالميا ويرتفع في مصر، ومواطن يكتنز آلاف الدولارات رغم أن معظم مكتنزى العملات الأجنبية الآن قد لا يحتاجون استخدامها الشخصي طوال سنوات قادمة ولكنه الخوف من تخفيض قادم للجنيه تتآكل معه ما تبقى من ثرواتهم.
مثل هذا الاعتقاد في نفوس المصريين لن تفلح معه إفراج عن بضائع بالموانئ ولا بيع شهادات ذات عائد عالي بالبنوك ولكن ما يوقف هذا الطوفان هو تغيير العقيدة النفسية داخل المواطن المصري عن قدرة ورغبة الدولة في السيطرة على الموقف الاقتصادي المتازم.
لن تستطيع تغيير قناعات الملايين وأنت تتخذ نفس السياسات من نفس المجموعة الاقتصادية،
الحل يستوجب تغييرا جذريا في سياسات الدولة ورموزها الاقتصادية ورؤية واضحة من الدولة يؤمن بها المواطن، الأمر ليس بالهين واستمرار المشكلة لن يبقي ولا يذر
بعد مواقف ووعود عديدة لم تف أي مسؤول حكومي بها بدءا من (الدولار هيبقى بـ 4 جنيه) وحتى (اللي معاه دولار يوديه البنك قبل 15 سبتمبر).
فقد الناس الإيمان بصدق المجموعة الاقتصادية في الدولة ولن يستعيدوا ذلك الإيمان، إلا إذا استشعروا رغبة جادة وصادقة تستتبعها قدرة على الحل وإلا سنسلك مسارات لا نرتجيها لاقتصادنا ووطننا.