وزارة التموين فيها المعضلة
بالطبع كل الوزارات مهمة ولكن هناك ترتيب لتلك الأهمية وتقدر بحسب تأثيرها المباشر على حياة الناس وكيف ينعكس صلاحها عليهم وكذلك يؤثر فسادها أيضا.
وتعد وزارة التموين ضمن الأكثر أهمية ولا نبالغ إذا قلنا إن إصلاحها يغير من شكل هذا الوطن بشكل حذري وتام ويشارك بشكل أساسي في نهضته.
قبل أيام وقف وزير التموين علي المصيلحي أمام البرلمان، وتم توجيه انتقادات له هى الأقوى في تاريخ وزارته، حيث اتهموه ومعه طواقم عمله بتوفير البيئة الحاضة للفساد وطالبوه بالاستقالة، وطالبه النائب ضياء الدين داود بتقديم استقالته كالتزام أخلاقي منذ تم القبض على مستشاره للرقابة والتوزيع "أحمد مهدي" ومعه شبكة فساد كبيرة بواسطة هيئة الرقابة الإدارية.
وذلك بسبب هذه الحالة من الانفلات في الأسواق التي لم تشهدها أبدا، رغم كل ما تعرضنا له من أزمات حتى أصبحت السلع كلها مجنونة، وليست الأوطة، كما كانوا يقولون عنها في النداء الشهير للباعة "مجنونة يا أوطة".
زيادات في الأسعار لم نكن نتخيل أن تصل إليها هذه السلع بعد مئة عام على الأقل، فإذ بنا نراها في أشهر قليلة، وذلك لعدة عوامل أقلها هو الأزمة العالمية التي تستخدم كشماعة دائما من قبل المسئولين، وكأننا نعيش في عالم مختلف عن ما يعيش فيه سكان كوكب الأرض.
الحقيقة أن الفساد والجشع هما أهم أسباب هذا الوحش المستعر الذي يسمى غلاء الأسعار، وذلك لأن وزارة التموين لا تقوم بدورها الرقابي كما ينبغي، والأمر لا يقف عند وزير أو معاونيه فقط، وإنما الآفة الكبرى في الأسفل عند الموظف الذي يسمى مفتش التموين، وما أقوله ليس مفاجأة لمن يقرأه، والكل يعلم جيدا ماذا يحدث ولكن بلا تحرك فعلي وجاد يأتي بنتائج ملموسة.
الآن ومنذ فترة يتم احتكار للسلع وتخرج بالقطارة كما يقولون، لأن التاجر ينتظر زيادات الغد المتوقعة دائما والتي أصبحت معتادة حتى لدى المواطن المغلوب على أمره، والتي سوف يصنعها هو وغيره باحتكارهم للبضائع، وتعطيش السوق حتى وصل الأمر للدواء الذي يتعلق بحياة الناس، وذلك ما علمته من صاحب إحدى الصيدليات أثناء وجودي عنده تزامنا مع طلبه لمجموعة أدوية من شركة كبرى كما وصفها ليقولون له إنها ليست متوفرة مما أثار دهشته.
ومن السلع والأدوية إلى رغيف الخبز وهو الشيء الوحيد الذي مازال يحتفظ بسعره المدعم، مع تصغير حجمه وتخفيف وزنه بشكل جعل ثلاثة أرغفة كرغيف واحد منذ عامين فقط، وهذا لأن الدولة قللت الوزن شيئا، وبالطبع أضافت المخابز لمستها هى الأخرى ليصبح بهذا الشكل البائس.
مع هذا ليست هذه المشكلة الكبرى ولكن الأزمة الآن في عدم توفر هذا الرغيف على بطاقات التموين بالشكل المحترم الذي ظل لسنوات منذ بدء العمل بالمنظومة الحالية، رغم أن المخابز تقوم بصرف حصتها كاملة من الدقيق من الدولة، وذلك لأن أغلب المخابز أصبحت تستغل السماح ببيع الرغيف خارج البطاقة بجنيه وبدأوا يبيعون أغلب إنتاجهم بالآلاف لأشخاص لا ضمير لديهم يستخدمونه بديلا لأعلاف الطيور، حيث يكون أقل كلفة عليهم منها.
وهذا السبب الرئيسي في عودة مشاهد الزحام أمام المخابز والتي تذكرنا بفترة ما قبل ثورة 25 يناير، وهذا البيع بالجملة يتم فجرا قبل ذهاب المواطنين لشراء حصتهم من الخبز، مما جعل البعض تقريبا يبيتون ليلتهم أمام المخبز، لأن الخبز من الممكن أن ينفذ قبل السابعة صباحا، وذلك أيضا يمثل عبئا كبيرا على الناس الذين أصبحوا يعتمدون في غذائهم على الخبز بشكل كامل بعد الزيادات الكبيرة في أسعار الأرز.
وكل ذلك لا دخل فين لأزمات عالمية أو حتى دولار أصبح خارج السيطرة، وإنما يتعلق بضمير التاجر ومفتش التموين بشكل مباشر، وربما لن نستطيع إحياء ضمائر هؤلاء التجار إذا ماتت، ولكن يمكن بإنزال عقوبات رادعة يجبرون على الالتزام، وهذا لا يتطلب فقط تغييرا وزاريا يطيح بوزير التموين كما هو مرتقب، ولكن بإعادة هيكلة للوزارة بشكل كامل، وإحداث حركة تدوير شاملة، والأهم من ذلك تركيز كبير ومراقبة تامة عليهم من الرقابة الإدارية التي تعد الآن الجهة الرقابية الأهم، والأكثر فعالية وهي بهذا الدور الفعال تحمي أمن واستقرار هذا الوطن.
هذا بالإضافة إلى ضرورة مراجعة القوانين والعمل على تعديلها لإتاحة الفرصة لفرض تسعيرة جبرية وليست استرشادية كإجراء استثائي في ظروف بالفعل هي استثائية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.