الإثنين 25 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

مصر والفرصة الأخيرة

السبت 03/فبراير/2024 - 07:50 م

التطورات في وضع الاقتصاد المصري مؤخرا، تستدعي عدة توضيحات لفهم الموقف، خاصة في ظل الفرضيات التي برزت في المسار وأولها أن عدم التخلف عن سداد أقساط الديون بات أولوية أولى للحكومة، بجانب المضي قدما في إنجاز الاتفاق مع صندوق النقد الدولي مع تأكيدات أن الاتفاق على تمديد المساعدات وشيك وأن إتمامه هو أولوية كبيرة للصندوق.

أضف إلى هذه الفرضيات، أن دخول تدفقات دولارية كبيرة من حصيلة بيع الأصول والأطروحات هو أمر حتمي محل تفاوض حقيقي الآن، وأن نهج الفيدرالي الأمريكي في القريب سوف يسمح بدخول أموال ساخنة، وأخيرا أن الحكومة ليس لديها نية لا لتشديد نقدي ولا حتى مالي، وسوف تستمر في سياستها التوسعية المتبعة حتى وإن تخلت عنها شكليا.

وبافتراض صحة هذه الفرضيات الخمس وتحققها، لنقل إنه قد تم إنجاز الاتفاق مع صندوق النقد، وحصلنا بموجبه على 6 مليارات دولار على دفعات، كما أن بيع الأصول قد أتت ثماره بحصيلة مضافة إلى حصيلة مبيعات أصول مقدرة بـ20 مليار دولار مثلا كما يتم التداول إعلاميا (وهو رقم ضخم ومُبالغ فيه في تقديري)، بمجموع مقارب لـ26 مليار دولار بجانب تدفقات الدولة الدولارية المعلومة سلفا.

فبمطالعة حجم المبالغ الدولارية واجبة السداد خلال 2024 والمتمثلة في قرابة 24 مليار لسداد أقساط الديون (بخلاف ما سوف يتم تمديده منها) و7 مليار لمتأخرات شركات البترول الأجنبية، و6 مليارات لتحويل بعض أرباح الشركات الأجنبية العاملة في السوق، و14 مليار للتعامل مع بعض الـ backlog "البضائع المحجوزة، وفي ظل التمسك باستمرار نهج التوسع المالي، يتضح أن الرقم المأمول سيفرض ضرورة حتمية لإدارة الموقف بشكل دقيق.


الإشكالية واجبة الوضع في الاعتبار بصفتها جوهر الأمور، هي أنه بينما الدولة تجاهد لتوفي بكل الالتزامات السابق تحديدها، باعتبارها أولويات ومسارًا أوحد، يتبقى الأثر المجتمعي دون رقيب أو مهتم وهو حال المواطن الذي تعتصره أزمة استفحال معدل التضخم وجنون الأسعار.

فسعر الصرف المرتبط مباشرة بهذا الأثر، من المستحيل أن يصل إلى تعادل بين ما هو في البنك المركزي وما هو مسعر عليه في السوق الموازي، لأن المعروض الدولاري تحت أي سيناريو تفاؤلي لن يصل لحجم الطلب على العملة، وعليه فالدولة سوف تلجأ لا محالة إلى التضييق "الخشن" على الطلب لتحقيق "هزيمة الدولار" شكليا، بما يؤثر على سعر الصرف الحقيقي.

أما فيما يتعلق بمعدل التضخم، فلن يتم السيطرة عليه قبل رفع أسعار الفائدة لمستويات قياسية تناسب الزيادة فيه، بالإضافة إلى سحب السيولة المكشوفة من السوق والتي التهمتها الحكومة بالمخالفة للضوابط ومقدرة حاليا بـ 2.5 تريليون جنيه بعمليات سوق مفتوح لتهدئة المعروض النقدي المحلي، وهما حلان يفرضان على الحكومة التعامل مع ظاهرة اقتصادية راسخة يبدو أنها لا تؤمن بها حاليا وهي الـ Policy tradeoffs أو المقايضات.

وتعني فكرة الـ policy tradeoffs تقديم تنازلات أو التخلي عن هدف مقابل تحقيق آخر، ويمكن شرحها بمثال مبسط مضمونه: سائق يقود سيارته ووجد أن المكابح لا تعمل وأمامه خياران كلاهما مرّ إما أن يصطدم بالسيارة على يساره أو يدهس سرادق عزاء على يمينه، وعليه أن يختار بينهما، وهذا ما تفعله الحكومة فعلا بحرصها على تفادي جميع الآثار السلبية للوضع دون أي تنازلات، فلن يكون هناك انحسار تضخم دون تشديد نقدي ولن يفلح التشديد النقدي دون تشديد مالي وهكذا.

فبما أن عدم التخلف عن السداد أصبح أمرا مقطوعا به تقريبا، فهناك تضحيات لا مناص منها على الحكومة وأولها أن تتخلى عن مسارها التوسعي المتبع في سياستها، لأن الخيار الآخر يحدث ضررا اجتماعيا مباشرا على المواطن الذي لم يعد قادرا على أن يكون هو "الأضحية" هذه المرة أيضا.


لذا فأي مناورات حكومية أو خطط قصيرة المدى لا يجب أن تتعلق بسعر الصرف، خاصة وأنه نتاج سياسات وليس مستهدف "عرض وليس مرض"، والبديل الأجدر بالاتباع هو ترتيب أولويات الإنفاق وتوفير المورد الدولاري اللازم لاستمرار الحياة بالحد الأدنى القابل للتعايش من قبل المواطن خاصة من الفئات محدودة الدخل.

أما المسار طويل الأجل سواء في خطة مصر 2030 أو خطة الإصلاحات الهيكلة أو حتى خلال مناقشات الحوار الوطني، فيجب أن يُعنى أساسا بعدم تكرار هذا الوضع الذي أظهر ضعف الاقتصاد المصري وعدم إنتاجيته، فقد حان الوقت لننسى أخطاء الماضي الكثيرة وأن نتعظ منها بالشكل الذي لا يجعلنا نركتبها مرة أخرى في المستقبل، وهذا لن يتم إلا بمسار حقيقي ورؤية محددة المعالم والخطط والآليات لبناء اقتصاد تشغيلي منتج، بدلا من وضع الطائرة الورقية الذي نقبع فيه.

أعلم أن ثمة مخرجا يلوح في الأفق للعثرة التي نمر بها رغم الصعوبات، ولكن أيا من مسارات الإنقاذ قصيرة أو طويلة الأجل، تتطلب أن تُدار الدولة بنوع من التواصل المباشر الذي يوصف الأزمة وسبل حلها، خاصة أنه من غير المعقول أن يتم إدارة أزمة اقتصادية طاحنة كالتي نمر بها من خلال الشائعات والتسريبات التي يخالف أغلبها المنطق قبل الحقيقة.

تابع مواقعنا