الجمعة 22 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

مصر والفرصة الأخيرة 2

السبت 10/فبراير/2024 - 03:28 م

في مقالي الأخير مصر والفرصة الأخيرة، استبقت الحديث عن الأحداث التي شهدها سوق العملة في الأسبوع الماضي، وحاولت استقراء المشهد بوصف الوضع الحالي والمسارات التي تتبعها الدولة والخيارات الأخرى المتاحة لها.

حذرت في معرض حديثي، من محاولات التضييق "الخشن" على الطلب لتحقيق هزيمة شكلية للدولار، في ظل أن المردود سوف يقلل خيارات الحل، ونصحت بضرورة ألا تتعلق خطط الحكومة بسعر الصرف فحسب، في ظل أنه تابع للأزمة وليس سبب فيها.

لذلك ما شهده السوق الموازي من تراجع طفيف خلال الأسبوع الماضي لم يكن استنادا لقواعد العرض والطلب بل تم عن طريق تعطيل القدرة على التعامل مع السوق الموازي من خلال تدخلات متعددة، تارة بالشائعات وتارة بالتضييق.

ومع عملية تحجيم جانب من الطلب على العملة استغرق الجميع في الحديث عن هزيمة السوق السوداء، ودخول تدفقات ضخمة، في حين أن الواقع يشير إلى أن ما تم يمثل علقة ساخنة للمغامرين الأفراد فقط، لكن لم يتم تدبير أي طلب حقيقي على العملة للمتعاملين الكبار.

وقد كان ذلك متوقعا، في ظل أن الطلب الحقيقي على العملة أقوى من أن يتم مناورته بمعاملات خشنة، ويستلزم تحركا أشمل من قبل البنك المركزي لطرح تدفقات نقدية تلبي حجم الطلب أو على الأقل تحدث استقرارا في الموقف بالشكل الذي يسمح بدخول تدفقات لاحقة تنقذ الوضع.

أما سيناريو قتل الطلب على الدولار لفترة طويلة دون تداول حقيقي للعملة في حركة تجارية تكون البنوك جزء أصيل منها، فنتيجته إصابة الأسواق بالشلل التام، في ظل عدم احترام قوة السوق وقواعد العرض والطلب.

وبصرف النظر عن "الحسينيات واللطميات"، فالاقتصاد المصري يمر بدورة اقتصادية سيئة، نابعة بشكل كبير من أزمة سيولة سريعا ما تتحول لمشكلة ملاءة إن لم يتم تداركها وذلك بالاعتبار لما تم في تجارب دولية مشابهة كتلك التي مرت بها المكسيك وزيمبابوي وغيرهما.

حيث واجهت هذه الدول تقريبا نفس المسار الكلاسيكي، الذي يبدأ باستدانة عالية، مع ضعف إنتاجية اقتصادية بما يصعب السداد، وعليه يتم اللجوء إلى زيادة المعروض النقدي للتعامل مع ذلك بما يستتبعه تضخم شديد، والإشكالية هنا أنه رغم تماثل التجربة، يظن الجميع إن بامكانهم تلافيها.

وفي تقديري فإن التفكير السليم في هذا الموقف وهو المخرج الأوحد، يجب أن ينصب على إدارة الاقتصاد الكلي بشكل علمي مُنطلق من دستور اقتصادي وحوكمة مالية، والاعتماد على استراتيجية "bailout and regulate" بمعنى الإنقاذ ثم الحوكمة.

وهذه الآلية في حالة ترتيب تطبيقها بشكل مدروس، فهي قادرة على انتشال مصر من هذه العثرة الحالية، بالطبع بتوازيها مع المصارحة الشاملة ثم التغيير الذي يجعلنا نتفادى الوقوع في نفس الأخطاء والقيام بنفس المغامرات مرار وتكرارا كتلك التي تم تجربتها في دورة 2013- 2016، وأيضا في الدورة التي بدأت في2022 وقد تستمر آثارها حتى مطلع 2025.

فالمنطق لا يقبل تحت أي ظرف تكرار  نفس الأخطاء وانتظار نتائج مختلفة، كما أنه لم يعد ممكنا استمرار السير عكس قواعد السوق وحينما نواجه أزمات نتعلل بالظروف، رغم أن تلك الظروف ما هي إلا محفزات للتردي ولكن ليست سببا جذريا فيه.

‏وفي رأيي أيضا فإن البحث المستمر عن حل هو المشكلة في حد ذاته بل أن الحديث عن حلول إبداعية هو محض هروب من المسئولية خاصة وأن المسار الأساسي للاقتصاد الكلي غير منضبط، فيصبح البحث عن حل في هذه الظروف هو بوابة الارتجال الذي يربك الموقف أكثر ويصعب إمكانية تنفيذ الحلول.

فقد جر البحث عن حلول الدولة ومؤسساتها في طريق محاربة الدولار ومحاولة السيطرة على الغلاء، في حين أن كل ذلك كان يمكن التعامل معه حال فهمنا أصل المشكلة ولم نكتفي فقط بإطفاء الحرائق الناجمة عنها.

لا محال، هذه الدورة السيئة التي نمر بها سوف تنحسر مع دخول تدفقات نقدية معتبرة تسد الطلب على العملة سواء جاءت تلك التدفقات من مشروع رأس الحكمة الجاري الحديث عنه أوغيره، وهذا إن تم فسوف نكون قد أنهينا مشكلة حالية، إلا أن الأفق تلوح فيه دورات اقتصادية سيئة أخرى ما لم نغير المسار.


أعلم أن السفينة كبيرة للدرجة التي تجعلها تتجاوز الصعاب لا محالة وأن نظرية "مصر أكبر من أن تسقط" حاضرة بقوة في المشهد الجيوسياسي، لكنها وحدها لن تكفي، لأن الارتجال المتتالي يلقي العبء الثقيل على من بداخل السفينة الذين يتحملون مشقة مضاعفة مع كل صدمة ويدفعون الثمن وحدهم.

فالوضع الحالي مؤثراته الاجتماعية عالية للغاية ومؤسفة ويلمسها الغني أسوة بمحدود الدخل لدرجة فاقت حدود أي تصور والمسارات التي جربتها الحكومة في سبيل البحث عن حل، تتجاهل أن الاقتصاد ليس حقل تجارب ولا يجوز أن يُدار بمبدأ "عك وربك يفك". ‏ ‏

تابع مواقعنا