فضل شهر شعبان وقصص الصحابة للتعبد فيه
يبلغ فضل شهر شعبان منزلة خاصة بين شهور العام الهجري، وقد خصه النبي صلى الله عليه وسلم بوصف دقيق يبين مدى أهميته وخصوصيته، كما ورد في فضله أحاديث كثيرة تؤكد حب النبي الكريم له، وبالإضافة إلى أنه ترفع فيه الأعمال، هناك أفضال ومزايا لا يمكن تغافلها عن شهر شعبان، وعبر القاهرة 24 نوضحها كما نتحدث عن السنن النبوية فيه وكيف يتم استغلاله لاستقبال رمضان؟.
فضل شهر شعبان
تحدث الكثير من العلماء عن فضل شهر شعبان ولماذا خصه النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة الصيام، ورغم أنه ليس من الأشهر الحرم، إلا أن له مكانة خاصة تزيد درجته عن الشهر الحرم كما أوضحتها السنة النبوية، وفيما يلي بعض تلك الأفضال:
- يغفل عنه الناس: فقد اعتاد المسلمون وضع كل شهر عند ميان قدره في التعظيم لوجود سبب لذلك، فالأشهر الحرم فضلها عظيم عند أهل الإسلام، لذلك يعظمون رجب، وكذلك لرمضان مكانة خاصة عن سائر الشهور، فيغفل أغلب المسلمين عن شهر شعبان الواقع بين رجب المحرم ورمضان المبارك.
- ترفع فيه الأعمال: حيث قال أسامة بن زيد: "يا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ ما تَصُومُ مِنْ شعبان" فقال: "ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ العَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ".
- يؤهل العبد لرمضان: فكثرة صيام النبي صلى الله عليه وسلم فيه، توحي للمسلم اتباع سنة النبي للتأهب لصيام الفرض.
- ليلة النصف من شعبان: إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَه تَعَالَى لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ" رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.
ماذا كان يفعل رسول الله في شهر شعبان؟
يحرص المسلم على معرفة ماذا كان يفعل رسول الله في شهر شعبان؟، فقد روت الكثير من الأحاديث أنه كان يكثر من الصوم في شعبان، ولكن لم تحدد تلك الروايات كم يوم صام، وقد ذكر الإمام ابن القيم أن كثرة صومه صلى الله عليه وسلم، في شعبان ترجع إلى ثلاث معان:
- أنه شهر ترفع فيه الأعمال؛ فأحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يُرفعَ عملُه وهو صائم.
- أنه فعل ذلك تعظيمًا لرمضان، وهذا الصوم يشبه سنة فرض الصلاة قبلها تعظيمًا لحقها.
- أنه كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، فربما شُغِل عن الصيام أشهرًا، فجمع ذلك في شعبان؛ ليدركه قبل الصيام الفرض.
ومن الأحاديث التي وردت عن حال النبي صلى الله عليه وسلم في شهر شعبان ما يلي:
- عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان ".
- عن أبي سلمة، أن عائشة رضي الله عنها، حدثته قالت: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرا أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله ".
- وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشهر من السنة أكثر صياما منه في شعبان ".
- وعن أبي سلمة، قال: سألت عائشة رضي الله عنها، عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: " كان يصوم حتى نقول: قد صام ويفطر حتى نقول: قد أفطر، ولم أره صائما من شهر قط، أكثر من صيامه من شعبان كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلا ".
هل صحيح أن الأعمال ترفع في شهر شعبان؟
هل صحيح أن الأعمال ترفع في شهر شعبان؟، سؤال هام قد لا يعرف إجابته البعض، فقد فسر أهل العلم ورفع الملائكة أعمال العباد إلى الرحمن على ثلاث درجات:
رفع يومي للأعمال: ويكون فى صلاة الصبح وصلاة العصر، استنادًا إلى ما رواه البخارى ومسلم عن أبي هريرة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون".
رفع أسبوعي للأعمال: ويكون فى يوم الخميس وذلك لما رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة، فلا يقبل عمل قاطع رحم".
رفع سنوي للأعمال: ويكون فى شهر شعبان لما رواه النسائى عن أسامة بن زيد، قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: "ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم".
ماذا يجب أن نفعل في شهر شعبان؟
ونصل إلى الإجابة على سؤال ماذا يجب أن نفعل في شهر شعبان؟، فكل مسلم حريص على اغتنام هذا الشهر الخاص والفضيل، أن يتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم كالتالي:
- أداء الصلوات الخمس في وقتها خاصة الفجر والعصر.
- كثرة الذكر وتلاوة القرآن.
- الإكثار من الصوم.
- التصدق وكثرة عمل الخيرات.
- اغتنام الصيام وأوقات الاستجابة في كثرة الدعاء.
فضل شعبان والاستعداد لرمضان
العلاقة بين فضل شعبان والاستعداد لرمضان وطيدة وقوية، إذ يأتي شعبان كفاصل زمني يجلب معه نفحات شهر القرآن والصيام، لذلك حرص النبي صلى الله عليه وسلم على كثرة الصوم فيه استعدادًا لرمضان.
وفي ذلك قال الإمام ابن رجب الحنبلى: "قيل في صوم شعبان أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرّن على الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط".
كما أن الصحابة والتابعين اعتبروا بتلك المزية وأن شعبان مقدمة لرمضان، فاتخذوا فيه من العبادات ما يشبه تلك المستحبة في رمضان ما عدا صلاة التراويح الجماعية، ومن تلك العبادات الصيام وقراءة القرآن.
قال سلمة بن كهيل: كان يقال: "شهر شعبان شهر القراء"، وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرّغ لقراءة القرآن.
وللوصل إلى أسمى درجات العبادة الخالصة لله تعالى، يجب البعد عن الرياء، وكان الصحابة إذا أرادوا صيام التطوع أسروه وأخفوه عن الناس، وقد ورد عن أحد السلف الصالح أنه صام 40 عامًا دون أن يعرف أهله أو الناس بصومه، فقد كان "يخرج من بيته إلى سوقه ومعه رغيفان فيتصدق بهما ويصوم، فيظن أهله أنه أكلهما ويظن أهل السوق أنه أكل في بيته".
وكان السلف يحبون أن يظهروا ما يخفي صيامهم، فعن ابن مسعود: أنه قال: إذا أصبحتم صياما فأصبحوا مدهنين، وقال أبو التياح: أدركت أبي ومشيخة الحي إذا صام أحدهم ادهن ولبس صالح ثيابه.
