“يا بخت اللي صاحبه راجل”.. عن الجملة التي وصفت حال محمود بعد مذبحة أوسيم (صور)
المكان والزمان مخيمان بالحزن، وجوهٌ منهكة وأجسادٌ خاملة وعقولٌ مذهولة وقلوبٌ تحترق، هكذا تبدوا الأوضاع.
أناسٌ يفترشون الأرض، أمام بوابةٌ سمراء كبيرة مغلقة تحرسها قوات شرطية، لا يهمها سوى السيطرة على الأشخاص، تعلوها لافتة كبيرة صفراء اللون مكتوب عليها “مستشفى أوسيم المركزي”.
المشهد من أمام البوابة الحديدية، عشرات الأهالي مجتمعون، والأمن غلق الأبواب، والأصوات تتعالى بالنواح والعويل كلُ يتقطع ألمًا على مصيبًة أحلت به.
وخلف البوابة جدران تفصلنا عن عالم آخر، جثامين سكنت ثلاجات الموتى وأطباء متسرعون يحاولون إنقاذ المصابين، وهم في موقفٍ لا يحسدون عليه.
أمام المستشفى، الجميع وجه نظره صوب البوابة ينتظر فتحها ويحدق النظر طمعًا في أن يرى ما يحدث خلفها، كلٌ يريد أن يطمئن على المصابين، وأن يتسلموا جثمانين الضحايا.
وفي تلك الأثناء ووسط هذا الضجيج، جلس شاب على مقربة من المستشفى، لا يبالي للمشاهد حوله، عيناه شاردتان وصدره يرتجف وقلبه يبكي في صمت، ومكتوب خلفه جملة نحتت في وجدانه قبل أن ترسم على الحائط “يا بخت اللي صاحبه راجل والله”.
تلك الجملة المذكرة أعلاه، عبرت عن حال ومعاناة الشاب لفقد رفيق عمره، فبالحديث إليه تبين أنه يدعى “محمود” وفقد صديقه وهو شاردٌ لا يستوعب ما حدث، : “الواحد عقله مش فيه.. نكون في أمان الله وفجأة واحد يقولي ألحق صاحبك مات!”.
“ربنا يكفيك شر اللي بيجي على غفلة”، قالها الشاب بعفويه ثم عاد لهدوءه وعادت إليه السكينة، ليسرح في ملكوته ثانية وشريط ذكرياته مع صاحبه تمر أمام عينه، والدموع تنجرف على خديه رغم مقاومته لها.
ماذا قبل المشهد الماضي؟
الواقعة تعود لظهيرة الثلاثاء الماضي، فلم تكن الأوضاع على ما يرام داخل بيت رقم “24” خاصية الحاج محمد رمضان صلاح سالم، حيث تعالت الأصوات داخل أروقة المنزل، والتي ترجح الأراء أنه كان خلافًا عائليًا.
ولا يستطيع أحد حتى الآن الجزم بسبب ارتفاع الصوت داخل المنزل، إلا أن هذا الصوت بدأ يرتفع شيئًا فشيئًا حتى صار صراخ، فإذا بالجميع يهرولون نحو المنزل، فيسمعون صوت الرصاص داخل المنزل.
لاشيء يعلو فوق صوت الهمهمات التي تحولت مع الوقت إلى دماء، المتواجدون في المنزل، المارة في الشارع، كل من يلقاه لم يسلم من صوب بندقيته الآلية، حتى الحيوانات لم تسلم من بطش يده.
شابٌ في مقتبل العمر، لم يكن يعلم أهل أوسيم، بأن مصيرهم بين يدي هذا الشقي، الذي احتار الناس في أمره، بين مدمن للمخدرات وبين الملتزم اجتماعيًا، حتى حسمت وزارة الداخلية أمره، وقالت فيه الفصل “قاتل أوسيم.. مدمنًا للمخدرات”.
كعادة الشعب المصري في المدن والقرى، تلبيه نداء الاستغاثة.. فلبوا النداء ولم يكونوا مدركين أنها النهاية على الأقل لتسعة منهم.
تعالت صيحات الاستغاثة وسرعان ما زالت بصعود القاتل إلى سطح المنزل رقم “24”، بعدما أنهى حياة من بالصراخ استغاث بأهالي المنطقة.. والديه وشقيقيه.
وصعد الشاب صاحب الـ36 عامًا، على سطح العقار، وفتح النيران على المارة الذين أتوا لتبية استغاثة أسرته وهو في حالة هستيرية، وكلما هم أحدٌ للسيطرة عليه، وجه رصاصه نحوه، ليخر جثة هامدة على الأرض.
وعلى الفور، أحاطت قوات الأمن بالعقار خاصية أسرة الشاب، ليوجه المتهم وابلًا من الأعيرة النارية فيصيب ظابطًا وأمينًا للشرطة، الأمر الذي جعل القوات تبادله إطلاق النار، حتى انتهى المشهد المرعب الذي عاشه أهالي المنطقة بمصرع المتهم.