الإثنين 25 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

وش سلندر!

الأربعاء 14/فبراير/2024 - 04:16 م

تظهر بيانات البنك المركزي المصري الأخيرة، انخفاض معدل التضخم الأساسي- يستثني الوقود وسلع غذائية متقلبة الأسعار- إلى 29 % على أساس سنوي في يناير، هبوطا من 34.2 % في ديسمبر، بعد أن بلغ أعلى مستوياته على الإطلاق 38 % في سبتمبر الماضي ويأتي الانخفاض شكليا إلى حد كبير حيث إنه متأثر بسنة الأساس.

البيانات الرسمية تشير إلى أن الرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين، سجل معدلا شهريا بلغ 2.2 % في يناير 2024 مقابل معدلًا شهريًا بلغ 6.3 % في ذات الشهر من العام السابق، في حين ارتفعت الأسعار 1.6% في يناير، أما أسعار المواد الغذائية فقد زادت بنسبة 47.5% في نفس الشهر، بعد أن سجلت ارتفاع 71.9% أغسطس الماضي على أساس سنوي.

بينما يظهر أحدث تقرير للبنك الدولي عن تزايد انعدام الأمن الغذائي حول العالم، أن تضخم أسعار الغذاء في مصر ارتفع بنسبة 35% منذ بداية 2023 مقارنة مع العام السابق، وهو الرقم الأعلى بين الزيادات التي شهدتها الدول الأخرى حيث تقبع مصر في المركز الثاني عالميا لشهر فبرابر بتضخم غذاء حقيقي بلغ 27%

وفي الحقيقة فإن تفحل معدلات التضخم خاصة في أسعار السلع والغذاء، يلمسها الجميع في الشارع من كافة الطبقات الاجتماعية، ولا تحتاج إلى إحصائيات لتبيان حدة الأزمة، رغم محاولات البنك المركزي للتخفيف من مستوياتها في قراراته الأخيرة برفع الفائدة.

وبلا شك فإن السبب المباشر في هذه المعدلات  غير المسبوقة هو زيادة المعروض النقدي الناجم عن التوسع المالي الشديد في ظل سياسات نقدية استيعابية، بما يشير مباشرة إلى أنه لا بديل عن إتباع سياسة تشديد مالي ونقدي تتضمن سحب السيولة الزائدة في الأسواق، وإلا فلن تهدأ الأسعار.

والمطلوب هنا هو استخدام أدوات المركزي (المعطلة حاليا) وأهمها ما يعرف بإجراءات السوق المفتوح لسحب السيولة الزائدة طرف الحكومة والتي تجاوزت الـ2 تريليون جنيه مما بلغ 20 ضعف المسموح طبقا لقانون البنك المركزي.

أما إن استمر تشبث الحكومة بسياسة التوسع المالي وزيادة حدود الإنفاق عن المعدلات المعقولة في ظروف الأزمة، فالتبعات لن تكون مقبولة خاصة وأن ذلك يتعارض مع أي إجراءات أخرى لاحتواء الظرف.

ناهيك أن حالة تجاهل الحكومة والمؤسسات المعنية لدورهم في احتواء أزمة التضخم بالإصرار على عدم تهدئة ماكينة الإنفاق، يترك المواطن والسوق بمفردهم في تسيير أمورهم وتوفير مطالبهم، دون اعتبار لاحتياجات القطاع الخاص ومعاناته والتبعات الاجتماعية الحادة على الطبقات، فالاهتمام موجود فقط لتدبير الحاجات الأساسية قدر المستطاع وهو شيء محمود لكن غير كافي لأنه يدفع الجميع إلى دفع ضريبة الإصلاح بينما بالإمكان استخدام مناورات اقتصاديا لتغيير المسار ولو مرحليا.


وفي تقديري فإن تراجع الحكومة عن مسارها التوسعي في الإنفاق، لم يعد مجرد طرح، لكن فرض عين تجبرنا عليه ظروف السوق والمواطنين التي لم تعد قابلة للتعايش، أما الاستمرار فيه فهو أمر يتضاد تماما مع كل قوانين الاقتصاد والكون أيضا، كما أن أسبابه غير مفهومة إلا لو كانت حكومتنا تجرب اختراع نظام اقتصادي جديد.

وتشير مؤشرات مخاطر التخلف عن السداد التي بلغت أحسن حالاتها منذ حرب أوكرانيا أن مصر ستتجاوز أزمة المدفوعات الحالية مما يمكن الدولة من الانتصار بشكل مرحلي على أزمة الاقتصاد الكلي من عدم توافر العملة أو السيولة، لكن دون انضباط مالي في سياسة الإنفاق، سوف نعود لا محالة إلى ذات الأزمة خلال فترة وجيزة، وإن كانت سوف تكون أعنف وأشد فتكا بالسوق والمواطن.

فالكل قد أصبح في حاجة ماسة لالتقاط الأنفاس، وقد حان الوقت للمواطن والسوق أن يستقرا ولو مرحليا، أما استمرار آلية "التضحية" فلا داع لها طالما هناك بدائل أخرى. فحالة الانفصال بين توجهات الدولة التنموية والأثر المجتمعي لها بحاجة إلى إعادة نظر لتقليل الأثر الناجم عنها وهو ظاهرة اقتصادية راسخة ولا يمكن الانتصار عليها دون تبني مناورات مدروسة بين التوسع والتشديد وإلا فستخرج المؤشرات الاقتصادية الرئيسية عن السيطرة.

ولا أجد ختام مناسبا سوى مقولة متعارف عليها بين أوساط عدة ومعناها يصل دون شرح مضمونها: "الموتور على صوته لأقصى الحدود ولو ضغطنا عليه أكثر لا محالة هيجيب وش سلندر!".

تابع مواقعنا