قصة قصيرة بعنوان: لذة الألم
جذبته من قميصه وطلبت منه أن يجلس على الرمال، أجواء شديدة البرودة، والشمس اقترب موعد رحيلها.. الكون حولهما في حالة من الصمت المهيب.. نظر لها وقد عقد جبينه وسألها "لماذا هنا؟ الجو شديد البرودة، الرمال تحتنا باردة، والبحر أمامك انظرى مظلم؟".. مدت يدها وجذبت زجاجة الخمر وبدأت تشرب بهدوء.
قالت: "هل تعرف أن الحرية بدأت من هنا؟".. أعاد النظر إلى وجهها لم يدر تحديدا أين أشارت فقد بدأ الخمر يذهب بعضا من عقله.. اقتربت منه وسألته: "كيف تكون الحياة دون خمر؟".. ضحك بصوت عال: "الجحيم طبعا".
قالت:"ولأجل هذا كانت شراب أهل الجنة.. من أراد دخول الجنة شرب من هذا الخمر،".. رد عليها مقاطعا: "ربما هو خمر من نوع آخر".. اقتربت منه وقبلته قبلة طويلة.. ثم ابتعدت مسافة يمكنها من خلالها فقط أن تنطق بكلمات يمكنه سماعها بصعوبة ولكنه قد سمع: "كانوا في أرضي يسقون الصغار خمرا كي يدخلوا الجنة".
اقترب منها وقبلها طويلا: "أنتِ مجنونة".
"وماذا ستقول لو أخبرتك أنى لا أنتشي إلا بصراخك؟".
"وماذا ستفعلين إن صرخت الآن بصوت عال؟"
انتبهت ثم مدت يدها مرة أخرى وتناولت من الخمر رشفة كبيرة جدا، حتى سالت قطرات منها على شفتيها ورقبتها ممتزجة باحمرار شمس الغروب وصوت الموج الخفيف، امتعض وجهها ونظرت إلى قدميها الغارقة بين حبات الرمل الباردة: "سأبتسم".
لمس شعرها بأطراف أصابعه ثم جذب وجهها تجاهه مرة أخرى: "ألم تكتفِ ببرودة الرمال كي أشعر بالعذاب؟ كيف تبتسمين وأنا أصرخ، ربما أكن أتألم حقيقة؟!".
ردت بهدوء: "لقد أخبرني مصور في إحدى القنوات أنه يجب علي أن أبتسم أمام منزلنا المحطم وإخوتي لا يزالون تحت أنقاضه كي أخبر العالم كله أني أتحمل، كنت في السادسة من عمرى، ملابسي ممزقة والجو حولي بارد، وصمت رهيب يتخلله صراخ، لا أدرى أين أجد أمي.. صمت داخل عقلي يخبرني أنه يجب ألا أسمع أي شيء، لكنه هز كتفي كي أنتبه:"هيا ابتسمي كي ألتقط الصورة".
جذبته من قميصه وخلعت عنه الجاكت الثقيل، ثم فككت باقي الأشياء، وألقت الخمر على وجهه، ثم لعقته بينما يتساقط دمع حار على وجهها ووجهه.
ابتعدت فجأة ثم قالت له: "أعلم أنك تتألم عندما أغرس أظافري في صدرك، هل تعرف أن طبيبي المعالج وصفني بالمازوخية لأنني قلت له أنني أنتشي تماما بالصراخ، بالعويل ربما، برائحة الدخان التي تحرق كل شيء حولى، إني لا أعرف إلا ذروة العذاب، وأن البحر المظلم قد يكون باب أمان؟".
انتبه لجسدها على آخر ضوء قادم من الشمس: "إنك جميلة بشكل لا يمكن وصفه، هيا أكملي ما بدأتيه".
ما بدأته لم ينتهِ أبدا، لقد ارتحلت سنوات طوال أحمل داخلي ذكرى واحدة، بيت كان هناك قرب البحر، نيران تشتعل حولي في كل مكان، صراخ إخوتي، صمت رهيب، ابتسمت فرأيت الدخان يعلو إلى السماء يرسم أزهارا ورأيت إخوتي يضحكون بصوت عال.. رأيت أمي تقف على أبواب السماء تحمل الطعام وتطلب مني أن أقف بين الصغار لآخذ حصتي.. كانوا يضعون الطعام في أوان قديمة جدا، طعام لم أكن أحبه، كنت جائعة، نظرت إلى أمي في السماء، تحولت الأطباق كلها إلى أطيب حلوى ذقتها.. كنت أبتسم وأنا أضع الطعام في فمي رغم أن طفلا إلى جواري كان يمسح وجهي ويخبرني ألا أبكى.. صدقني لم أكن أبكي، كنت أنظر إلى النيران هناك في السماء وسألت الله أن أعرف الطريق إلى الجنة.
ومن وقتها وأنا أشرب الخمر منذ أدركت هذه الأرض، آتي هنا أنظر إلى البحر، هناك "قم تعالى أريك شيئا".
أشارت لنجم بدا ساطعا فوق البحر حالك السواد: "على الجانب الآخر من العالم، يفصلنا هذا البحر عنه، امتزجت فيه اللذة بالألم إلى الأبد".