الجمعة 22 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

هوامش الحوار الوطني‏

الأربعاء 28/فبراير/2024 - 06:18 م

بدعوة من أمانة الحوار الوطني، شاركت، الاثنين الماضي، في إحدى الجلسات المتخصصة حول غلاء الأسعار وارتفاع معدلات التضخم وفقدان السيطرة على الأسواق وأخرى عن السياسات النقدية، ولقد رأيت ضرورة تسجيل انطباعاتي عنهما من عدة نواحٍ خاصة بالتنظيم والمناقشات وجودة المخرجات.

ففي الحقيقة، لم يكن انطباعي عن فكرة الحوار في شقه الاقتصادي مشجعًا، خاصة وأن إدارة مثل هذا التنوع في الآراء في ظل امتزاج الأمور المتخصصة بالحديث في العموميات سيكون أمرا شديد التعقيد لصياغة مخرجات قابلة للتنفيذ، وهو ما تناولته في حديث سابق معلقا على توصيات المرحلة الأولى منه.

وأثمّن التركيز في المرحلة الحالية على الجلسات التخصصية، التي كان التنظيم فيما حضرته فيها جيد إلى حد كبير، كما أن المناقشة بُنيت على نقاط مكتوبة تفصيلا تم استخلاصها من الجلسات السابقة والتي شكلت أساس للتناقش والحوار دون التعرض لتحليلات جديدة، وهو في نظري يمثل تعامل مقبول لإدارة الأمر بشكل يتفادى تحوله إلى مكلمة محمومة.

أما عن إدارة الجلسة، فقد سعى د. أحمد جلال بصفته المقرر العام للمحور الاقتصادي، إلى تركيز الحديث حول نقاط محددة لاستخلاص إطار قابل للتنفيذ وتوجيه المشاركين نحو ذلك، لكن رغم تخصص الجلسات إلا أنها لم تسلم من مداخلات في عموميات ربما لم تتح فرصة كاملة لبعض المتخصصين من طرح أمور فنية كانت ستثري المناقشة والمخرجات.

وفي تقديري فإن المحتوى الذي دارت حوله الجلسات لمس 90% من الحلول المطلوبة، وإن اختلطت فيه الاستراتيجيات العامة أحيانا بآليات التنفيذ، ورغم أن ثمار ذلك لا تشكل في حد ذاتها خارطة طريق واضحة، فإنه من الممكن قبولها حال تم اعتبارها نتاج عصف ذهني يمكن البناء عليه لاحقا لضبط مُخرج مُحكم.

كما لفت انتباهي شبه الإجماع، على ضرورة استهداف التضخم لا سعر الصرف عكس الظاهر من آليات الحكومة حاليًا، ورغم بداهة ذلك بحكم قواعد الاقتصاد، إلا أن مناقشته والتوافق عليه في حد ذاته من المكن أن يكون أمرا محوريا حاكما لكل تصرفات الدولة فيما بعد، في ظل الحاجة الماسة إليه.

وخلال المناقشات حول ذلك تطرق الدكتور أنور النقيب، بحرفية شديدة إلى ارتباط المعروض النقدي بالتضخم، واتفقت معه بشدة في هذا الأمر، وبخاصة أن التوصيات السابقة للحوار خلت من أي إشارة لتأثير ذلك، وأيضا لضرورة تفعيل آليات التعامل معه من خلال عمليات السوق المفتوح ووضع حد لطباعة النقد وتمويل البنك المركزي للحكومة.

ورغم تحفظ د. أحمد جلال على استخدامي لفظ "انفلات المالية العامة"، وحديثه عن وجود فائض أولي في الموازنة، إلا أن تأثير التغول المالي وعدم وجود وحدة للموازنة العامة كان موجودا بشكل أساسي في التوصيات، لكن الربط مع السياسات النقدية لم يبدُ لي راسخا في المخرجات.


كذلك الحديث عن الفائض الأولي كما لو أنه إنجاز يتعارض تماما مع التقرير للصادر عن المعهد القومي للتخطيط في إبريل 2023 والذي قال نصا: ‏لقد اقترن تحقيق الفائض الأولي بزيادة مطردة في قيمة الدين ونسبته للناتج المحلي الإجمالي نتيجة ارتفاع تكلفة الاقتراض ومدفوعات فوائد الدين.

ولم يخلُ النقاش من محاولات مضنية لإعادة اختراع العجلة والحديث عن أمور مثل "التسعير الجبري" و"ضبط الأسواق" وكانت للدكتور ‎مدحت نافع مداخلة متميزة لمواجهة ذلك، وكذلك تحدثت عن التجارب التاريخية الفاشلة في تطبيق هذه المقترحات وتعارضها بشكل جذري مع اعتبارات دعم الاقتصاد الكلي.

كما سلمت إدارة الحوار دراسة علمية حديثة في شأن عدم جدوى ألية ضبط الأسعار، حرصا على أن تكون مشاركتي في المناقشات مثمرة في سبيل المصلحة، وقدمت في الختام ورقة عمل أعددتها بالاستعانة بزملاء أفاضل، طرحت فيها توصيات مبسطة وأساسية للمحور الخاص بالتضخم والسياسة النقدية، آملا أن تفيد.

شملت هذه التوصيات إعطاء الأولوية لاستهداف التضخم، حتى لو تعارض ذلك مع توجه الدولة التوسعي لأن ذلك هو الوسيلة الوحيدة لإشعار المواطن بأي انحسار في الأسعار، وهو ما يجب اعتباره أولوية خلال المرحلة المقبلة.


ويتأتى من خلال عدة آليات، بينها خفض صافي التمويل المقدم من البنك المركزي إلى الحكومة، بالاعتبار إلى التأثير الأقل نسبيا لسعر الفائدة الرسمي على التضخم، ودور خفض التمويل في الحد من التضخم من الاعتماد بشكل رئيسي على السياسة النقدية التقييدية، وذلك عن طريق إجراء عمليات السوق المفتوح.

كذلك أشارت إلى ضرورة أن يسمح المركزي بمزيد من المرونة في سعر الصرف للمساعدة في امتصاص الصدمات الخارجية والحد من التعارضات مع استهداف التضخم، وكذلك إزالة كافة أشكال الهيمنة المالية قبل استهداف التضخم ومن ضمنها الإنفاق الحكومي التوسعي.

وتضمن هذه التوصيات دعم استقلالية البنك المركزي حتى يقوم بدوره الرئيس في شأن مواجهة معدلات التضخم، وفي الواقع فإن أغلب هذه التوصيات هي محور اتفاق أغلب المتخصصين في الاقتصاد، ومنهم بالطبع د. محمود محيي الدين، وخاصة مداخلته خلال المؤتمر الاقتصادي 2022، والتي أكد خلالها أن السياسة النقدية في الدول النامية مشتقة بالأساس من السياسة المالية وأن أي انفلات في الأخيرة يفقد البنوك المركزية أدواتها.

‏‎‎
أؤكد ختاما أنه لا سبيل لإحراز أي تقدم في المسار الاقتصادي دون هوية ونسق اقتصادي معلن ومستدام، قد نختلف فيه على آليات التطبيق الدقيقة لكن من الصعب بدايته بنكران وجود مشكلة وحاجة هذا المسار للتصحيح بإتباع منهجيات علمية مجربة وناجحة، وبخاصة أن محاولات اختراع الأساسيات ومواجهة المشكلات بالتمني لن تفلح أبدا، بل على العكس تفسد فرص الحل.

تابع مواقعنا