الإثنين 25 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

زمن العبيد

الجمعة 01/مارس/2024 - 03:07 م

 من فترة قريبة نسبيًا يعني حوالي 20 سنة وفي واحدة من الدول العربية -(أغلب الظن إنها الجزائر زي ما مصادر كتير قالت)- كان فيه سيدة جزائرية مسنة عايشة هي وبنتها وحفيدها في منطقة جبلية بعيدة وعندهم مزرعة كبيرة بيزرعوها.. رغم إن التلاتة عايشين لوحدهم بس الأرض اللي ورثوها من جدودهم كانت هي السند والعون ليهم واللي ماقصروش لحظة في رعايتها وبالتحديد الجدة اللي كانت بتنزل تزرعها بنفسها رغم سنين عمرها اللي تجاوزت الـ 80!

الجدة كانت بتحب حفيدها فوق الوصف ومن مظاهر محبتها له إنها خلّته يكمل تعليمه للنهاية ولحد ما تجاوز كل مراحله بتفوق منقطع النظير.. طيب بعد النجاح لازم تيجي المكافأة.. بصرف النظر إن الجدة كانت وعدته بهدية ولا لأ بس النجاح المميز ده محتاج هدية تبقى على قد وزنه حتى لو ما كانتش الست وعدت!.. بصراحة النقطة دي ماكانتش غايبة عن الجدة اللي بالفعل كانت بتجهز عشان تجيب هدية لحفيدها بمناسبة الحدث الفريد ده واللي مش بيتكرر كل يوم وخرجت كذا مرة بعد ظهور النتيجة في كذا مشوار غامض محدش عارفهم!

المهم إنها بعد 4 أيام دخلت على حفيدها أوضته وقالتله يالا بينا قوم عشان نجيب الهدية بتاعتك.. الولد ماصدقش بس مشي ورا كلام جدته.. خرجوا ووصلوا للمدينة ووقفوا عشان يحددوا هيروحوا فين بالظبط.. الحفيد وكأي شاب كان لابس ومتأنتك على قد ظروفهم بس الجدة كانت لابسة لبسها العادي البسيط جدًا اللي يتناسب مع مهنتها كمزارعة بسيطة.. الحفيد ولأنه مؤدب فضل واقف ساكت لأنه شاف إن مش من الذوق يقولها ها هنجيب الهدية من فين.. الجدة لاحظت إن فترة سكوته طولت وقالتله مش هتسألني؟.. رد بابتسامة بدون ما يرد.. مسكت إيده أو على وجه الدقة اتشعبطت في دراعه عشان تتعكز عليه وقالتله يالا نتحرك.

كان باين أوي إنها عارفة هي متجهة لفين وهي بتتحرك بحفيدها بين شوارع المدينة باحتراف وسلاسة لحد ما وصلوا قدام معرض عربيات كبير ومشهور!.. آه مشهور بالنسبة للحفيد اللي زيه زي اللي في سنه عارف ماركات العربيات وأماكن بيع الغالي منها بحكم إنه كان بيدرس في الجامعة اللي في المدينة بس جدتي عرفت منين مكان معرض العربيات وهي اللي معظم حياتها عايشاها ما بين بيت الجبل وبين المزرعة.. وبعدين لحظة!.. عربية إيه وبتاع إيه!.. جدتي أنا هتشتري عربية!.. الجدة جرت الولد جر لجوه المعرض وهو مش فاهم حاجة وبمجرد دخولهم شافتهم موظفة الاستقبال اللي بتستقبل الناس بابتسامة عشان تشوف طلباتهم لكنها لما شافتهم قابلتهم باستنكار وجريت عليهم كإنها عايزاهم يخرجوا أو تطردهم!

الجدة بمنتهى العفوية ابتسمت وقالت لها بكام العربية دي.. قالتها وشاورت على عربية شيك موجودة في المعرض!.. الموظفة مرت بعينيها على لبس الجدة البسيط وقالتلها عربية إيه اللي بتسألي عنها!، من فضلك اخرجي فورًا من هنا وشوفي تاكسي يوصلك لمكان ما جيتي!.. الحفيد اتكسف ووشه بقى أحمر من الخجل وسحب كتف جدته بالراحة ووطى على ودنها عشان يقول لها يالا بينا بس جدته بنفس الراحة فلتت كتفها من إيده وتجاهلت كلامه وبصت للموظفة وقالت لها بهدوء أنا عايزة صاحب المعرض.. الموظفة بدأت تستخدم إيديها عشان تبعد الجدة لبره بس الجدة علت صوتها أكتر عايزة صاحب المعرض.

ارتفاع الصوت كان كفيلا إن صاحب المعرض يخرج من مكتبه عشان يشوف فيه إيه فقرب منهم وسأل الجدة بابتسامة ودودة عن طلبها فقالت له وهي بتبص في عين الموظفة أنا عايزة أغلى عربية في المعرض!.. صاحب المكان شاور على عربية مركونة على جنب وقال لها وهو مستغرب هي دي.. الجدة قالت بدون ما تشيل عينيها من على الموظفة وأنا هشتريها.. منين؟.. ده السؤال اللي جه في بالك دلوقتي صح؟.. الجدة باعت جزء من الأرض اللي هي الشيء الوحيد اللي بتملكه وله قيمة عشان تجيب بثمنها هدية لحفيدها وهو ده سبب خروجها أكتر من مرة خلال الأيام اللي فاتت بعد النتيجة.. فوجئ التلاتة بالجدة بتفك حزام ملفوف حوالين وسطها مرصوص فيه بواكي فلوس كتير خرجتهم وحطتهم باكو ورا التاني فوق ترابيزة موجودة في المكان وصاحب المعرض والموظفة عينيهم هتخرج من وشوشهم مش فاهمين هو فيه إيه.. الجدة بصت لحفيدها وشاورتله على العربية وقالت له هديتك أهي.. وبصت بعدها للموظفة وقالت لها (لو كان العبيد ما زالوا يباعوا اشتريناكي أيضًا).. الجملة كانت زى الدش الساقع اللي نزل على راس البنت وخلاّها تبقى في نص هدومها بعد الدرس ده.

• عمرها ما كانت، ولا هتكون بالمظهر.. الحكم على الناس من بره دليل على خراب اللي بيحكم من جوه.. فيه ناس بتضيع وقتها في الاهتمام بتفاصيل مظهرها فقط لا غير، وبالتبعية تقييم غيرهم بناء على مظهرهم فقط لاغير بدون ما يحطوا في حساباتهم فرز اللي بينطقه لسانهم وهل هو دبش ولا كلام لين، وبدون ما يحطوا الكذب، والخيانة، والنفاق في المعادلة!.. بينسوا إن تجميل العقل بيكون بترفّعه عن الصغائر، وتنضيف القلب بيكون بتنقيته من الغِل، والسواد.. بينسوا إن الفلوس بتتصرف، والمكياج بيروح بـ شوية ميه، والحلاوة بتدبل بـ شوية تجاعيد.. وحدهم اللي بيفضلوا للنهاية هما العقل والقلب اللي جمالهم بيفضل ضيه مالي العيون.

تابع مواقعنا