ما هو المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني؟
في مطلع هذا الشهر، دخلت الصين فترة "الدورتين" السنوية، التي أصبحت موضوع محل الاهتمام بين الأصدقاء المصريين في الآونة الأخيرة. ويهتم الكثير من الأصدقاء المصريين كثيرا بالاطلاع على النظام الديمقراطي في الصين، وبخاصة المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني. بصفتي السفير الصيني لدى مصر وعضو اللجنة الوطنية الـ14 للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، أود أن أغتنم هذه الفرصة لإطلاعكم بإيجاز على هذا المؤتمر.
يعد المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني منظمة الجبهة الوطنية المتحدة للشعب الصيني وجهاز مهم للتعاون متعدد الأحزاب والتشاور السياسي تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني. وأشار الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى أن المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني هو إبداع عظيم للنظام السياسي الذي خلقته الأحزاب الديمقراطية والشخصيات اللاحزبية والجمعيات الشعبية والشخصيات من جميع القوميات والأوساط تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني. ويلتزم المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني بالوحدة الوطنية والديمقراطية كالموضوعين الرئيسيين، ويخدم المهام المركزية للحزب والدولة، ويلعب دورا مهما للغاية في المراحل التاريخية المختلفة، مثل تأسيس الصين الجديدة والثورة الاشتراكية وبناء الدولة وإصلاحها. في هذا السياق، منذ دورة المجلس الوطني الثالث للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني المنعقدة في عام 1959، من أجل تسهيل مشاركة كافة الأحزاب والجمعيات والشخصيات من كافة القوميات والأوساط في شؤون الدولة، تنعقد دورة المجلس الوطني المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني بشكل متزامن مع دورة المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، ويحضر أعضاء المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني جلسات المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني كمراقبين، للاستماع إلى التقارير المهمة ومناقشتها، مثل تقرير عمل الحكومة.
إن المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني نشأ لتحقيق الوحدة الوطنية واعتمد على الوحدة الوطنية وازدهر بسبب الوحدة الوطنية، وهو رمز للوحدة الوطنية واسع النطاق، وله دور فريد في تعزيز الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب الصيني، ويضطلع بالمهام الكبيرة المتمثلة في تكريس الديمقراطية وتعزيز التواصل وتقديم الاستشارة السياسية وبلورة التوافق. يستوعب المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، تحت راية الوطنية والاشتراكية، تباين الأعضاء من حيث الخلفية المعرفية والمصالح والمطالب والتجربة الاجتماعية وأسلوب الحياة، ويسعى إلى توطيد وتطوير الجبهة الوطنية المتحدة على أوسع نطاق، ويتحد مع جميع قوى يمكن الاتحاد معها، ويعبئ جميع عوامل إيجابية يمكن تعبئتها، ويحشد قوة كبيرة للنضال إلى أقصى حد. من خلال المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، يتمكن جميع الأحزاب السياسية والجمعيات الشعبية والشخصيات من مختلف القوميات والطبقات وممثلو كافة الأوساط، الذين يعيشون في ظل النظام الاشتراكي في بر الصين الرئيسي، من المشاركة في الحياة السياسية الوطنية وممارسة حقوق الديمقراطية الشعبية؛ كما يستوعب ممثلي المواطنين في هونغ كونغ وماكاو وتايوان والصينيين المغتربين، الذين يعيشون في ظل النظام الرأسمالي، لتقديم الاستشارة السياسية والمشاركة في الحياة السياسية الوطنية، والاستمتاع بنفس الحقوق الديمقراطية مثل أبناء الشعب الغفيرة في بر الصين الرئيسي.
إن الديمقراطية التشاورية التي يمارسها المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني هي جزء مهم للديمقراطية الشعبية كاملة العملية. إن المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني ومجلس نواب الشعب يكملان بعضهما البعض، ويجسدان الخصائص والمزايا للسياسة الديمقراطية الاشتراكية في الصين، المتمثلة في التكامل بين الديمقراطية الانتخابية والديمقراطية التشاورية. ويمكن لأعضاء المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني أداء مهامهم مثل المشاركة في الاجتماعات وتقديم الاقتراحات، كما يمكنهم المشاركة في الأعمال المحددة، مثل المشاركة في الزيارات التفقدية والتحقيقات الخاصة بتنظيم المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، والاطلاع على الرأي العام والمشاركة في الأعمال الخارجية.
تكمن الميزة الأهم للتشاور السياسي في تحقيق الحقوق الديمقراطية للأغلبية، مع احترام الحقوق الديمقراطية للأقلية، وتقصد الأقلية هنا أعضاء كافة الأحزاب الديمقراطية والشخصيات اللاحزبية والشخصيات الوطنية الأخرى. بالمقارنة مع عدد أعضاء الحزب الشيوعي الصيني، يُعد عدد أعضاء الأحزاب الديمقراطية من الأقلية، كما تعد الشخصيات من كافة القوميات والأوساط من الأقلية، بالمقارنة مع جميع أبناء الشعب الصيني، غير أنه في المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، يشكل أعضاء من غير الحزب الشيوعي الصيني الأغلبية. وحافظت الصين على هذه الأغلبية في المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني للاستماع إلى الاقتراحات والملاحظات التي تقدمها كافة الأحزاب والجمعيات والشخصيات من كافة القوميات والأوساط، بمن فيهم الخبراء والباحثون، حول السياسات الوطنية العامة والقضايا الهامة للدولة.
في ديمقراطية التصويت، يُتخذ القرار من قبل الأغلبية، أما الديمقراطية التشاورية، فتحترم إرادة الأغلبية وفي الوقت نفسه تراعي المطالب المعقولة للأقلية، ويمكنها إيجاد القواسم المشتركة ووضع الخلافات جانبا وحشد توافق الآراء وتسوية الخلافات، بما يضمن حرية التعبير ويعزز التواصل بين الأفكار والآراء المختلفة، الأمر الذي لا يساهم فقط في تعبئة جميع العوامل الإيجابية والاتحاد مع جميع قوى يمكن الاتحاد معها، بل يستطيع تدارك قصور ديمقراطية التصويت، إذ أنها قد تتخذ القرار الخاطئ، لأن الأقلية قد تُمسك بالحقيقة في أيديهم في بعض الأحيان. ويمكن للديمقراطية التشاورية ضمان الحقوق الديمقراطية للشخصيات من كافة الأوساط الاجتماعية، وبالتالي ضمان استمتاع جميع أبناء الشعب الصيني بالحقوق الديمقراطية الأوسع والأكبر وأكثر شمولا.
في الفترة بين 4 و10 مارس عام 2024، انعقدت الدورة الثانية للمجلس الوطني الـ14 للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني في بكين، بحضور الرئيس شي جين بينغ وأكثر من 2000 عضو من 34 فئة لمناقشة شؤون الدولة. واسترشد الاجتماع بفكر شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد، أدى مهامها بنشاط وعمل على التشاور حول الشؤون السياسية بشكل عملي، وأكمل جميع جداول الأعمال بسلاسة وحقق نتائج مهمة. منذ الدورة الأولى للمجلس الوطني الـ14 للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني المنعقدة في عام 2023، تم عقد 94 فعالية تشاورية بأشكال مختلفة، وشارك فيها 5087 شخصا وألقى 1602 شخصا الكلمات، الأمر الذي يعكس بجلاء الآراء والاقتراحات من أبناء الشعب الغفيرة. كما قدم أعضاء المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني والجهات التابعة له واللجان الخاصة 5،621 اقتراحا، وتم قبول 4،791 منها بعد المراجعة. لغاية نهاية فبراير عام 2024، تم الرد على 99.9% منها. وعملت الجهات المتلقية للاقتراحات بجدية، وتبنت الكثير منها، وأدرجتها إلى السياسات والتخطيطات التنموية للحزب الشيوعي الصيني والحكومة الصينية، مما قدم مساهمة جديدة للقضايا التنموية للحزب الشيوعي الصيني ودولة الصين.
أنشأت الصين هيئة تشاورية خاصة على أساس نظامها السياسي الأساسي، ونظم المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني مشاركة جميع الأحزاب السياسية والجمعيات الشعبية والشخصيات من كافة القوميات والأوساط في الحياة السياسية الوطنية، الأمر الذي قد أصبح شكلا مهما للديمقراطية على النمط الصيني. وتمكّن هذا النوع من الديمقراطية من تجنب قصور التنافس الشرس بين مختلف الأحزاب السياسية ومجموعات المصالح من أجل مصالحها الأنانية، وتجنب قصور اتخاذ القرارات بشكل منفرد دون الاطلاع على الحقائق، وتجنب قصور نقص فرص التعبير والمشاركة للمواطنين العاديين في الحياة السياسية الوطنية والحوكمة الاجتماعية، وتجنب قصور نقص التوافق حول السياسات والأعمال وصعوبة التنفيذ.
على مدى أكثر من 100 عام، رفع الحزب الشيوعي الصيني راية الديمقراطية الشعبية عاليا، وقاد الشعب الصيني لتحقيق سيادة الشعب، وجعل أبناء الشعب السيد الحقيقي للبلد والمجتمع ومستقبل أنفسهم. لقد أثبت التاريخ أن الديمقراطية على النمط الصيني تنطبق على الصين، وتتناسب مع الظروف الوطنية الصينية؛ ستثبت التاريخ أن الحزب الشيوعي الصيني سيقود أبناء الشعب الصيني لإثراء مقومات الديمقراطية على النمط الصيني وتطويرها، بما يجعل شجرة الديمقراطية في الصين مورقة ومزدهرة.