الإثنين 23 ديسمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

الميناء الغامض

الخميس 14/مارس/2024 - 12:37 ص

خرج علينا منذ أيام الرئيس الأمريكي الطاعن في السن جوزيف بايدن في خطابه السنوي أمام غرفتي الكونجرس ليعلن أن القوات البحرية الأمريكية ستنشئ ميناء على سواحل قطاع غزة المنكوب لإدخال المساعدات عن طريق البحر، وذلك عبر إنشاء منطقة لوجيستية في أحد الموانئ القبرسية لتنسيق هذا الأمر.

 نظريًا سيسمح هذا الجسر البحري لدخول قدر أكبر من المساعدات لأهالي القطاع الذين يعانون تحت وطأة عدوان إسرائيلي إجرامي حصد أرواح نحو 40 ألف إنسان وتسبب في تهجير نحو 90% من السكان وأدى إلى تدمير مدنه وقراه ومخيماته بشكل شبه كامل.

 ومنذ اندلاع هذا العدوان الذي دخل شهره السادس منذ أيام تعنتت إسرائيل في إدخال المساعدات الإنسانية، ولم تدخل أي مؤن عبر معابرها الست مع القطاع، وتعرقل جهود مصر لإدخال المواد الإغاثية والغذاء والدواء عبر معبر رفح بسطوة السلاح وسلطة الأمر الواقع. 

وبالرغم من زيادة وتيرة إنزال المساعدات عبر الإسقاط الجوي من قبل عدد من الدول العربية والغربية فإنها لا تكفي إطلاقا لكفاية حاجات أهل القطاع الذين بدأ بعدهم يعانون من المجاعة وسوء التغذية والأمراض بسبب النقص الحاد في الغذاء والماء النظيف والدواء.

أمام هذا المشهد لم ترفع الولايات المتحدة ساكنًا لتمارس أي ضغط فعلي على دولة الاحتلال، رغم امتلاكها جميع الأدوات اللازمة للقيام بذلك، بل على العكس توفر واشنطن الغطاء السياسي لتل أبيب عبر استخدام حق الفيتو بمجلس الأمن الدولي لإفشال مشاريع القرارات الرامية لوقف إطلاق النار، وعبر توفير الدعم العسكري والاقتصادي اللازم لها لتستمر في عدوانها الهمجي ضد الشعب الفلسطيني في غزة.

وبالنظر لواقع التفاعل الأمريكي مع الحرب الصهيونية على غزة بعين تحليلية مجردة، تثار تساؤلات مشروعة حول هذا الميناء الغامض الذي تنتوي الولايات المتحدة إقامته في غزة، فهل الهدف منه فعلا إدخال قدر أكبر من المساعدات؟ وكيف وافقت إسرائيل على هذا الأمر رغم رفضها التام لزيادة كم المساعدات التي تدخل القطاع عبر معبر رفح وامتناعها تقرييًا عن إدخال أي مواد إغاثية من خلال معابرها؟ وكيف ستوزع الولايات المتحدة هذه المساعدات داخل القطاع مع تراجع القدرات الفعلية للأونورا المسؤولة عن القيام بهذه المهمة، بعد أن تقلصت ميزانيتها بأكثر من النصف بعد أن قطعت الولايات المتحدة وألمانيا وعدد من الدول الغربية الأخرى تمويلها لهذه الهيئة الأممية؟ وكيف ستصل المساعدات لجميع أرجاء القطاع مع سيطرة قوات جيش الاحتلال على جميع محاوره وطرقه التي تمثل شرايين التواصل والتنقل بداخله؟ وهل إلى هذا الحد أصبحت الولايات المتحدة عاجزة عن الضغط على إسرائيل لإدخال المساعدات من المعاصر البرية؟ وإذا كانت فعلا عاجزة، كيف لها أن تقنع دولة الاحتلال بإنشاء ميناء يدخل قدر أكبر من المساعدات؟
كافة هذه الأسئلة تكمن إجابتها ليست في العجز الأمريكي المزعوم، إنما في التواطؤ الأمريكي الإجرامي الذي يجعلها شريكا أساسيا في الحرب ضد الفلسطينيين إلى جانب دولة الاحتلال.

هذا الميناء وإن كانت ستدخل منه المساعدات، قد يمثل أيضا منفذ يتم من خلاله التهجير "الطوعي" للشعب الفلسطيني في غزة أو علي الأقل لجزء منه. 

هذه أطروحة تواترت على ألسنة المكون اليميني الديني المتطرف بحكومة دولة الاحتلال، وبالفعل أعربت من قبل دول مثل كندا وعدد من الدول الأوروبيةعن استعدادهم لاستقبال لاجئين من غزة في حال تم السماح بإخراجهم. لذا قد يكون الميناء الأمريكي بمثابة حصان طروادة الذي يتم من خلاله الالتفاف على الموقف الفلسطيني والعربي والمصري الرافض تمامًا لمخطط التهجير، لاسيما عبر سيناء أو إليها. وجدير بالذكر أن الرفض الأمريكي لاجتياح رفح الفلسطينية المقتظة بمئات الآلاف من المدنيين، نابع عن رفض مصري تام لهذه المسألة لما قد تخلفه من تداعيات إنسانية كارثية تجبر أكثر من مليون إنسان على الفرار إلى داخل الأراضي المصرية، ووفقا لتسريبات إعلامية القاهرة حذرت أن تحقق مثل هذا السيناريو قد يؤدي إلى تعطيل تعطيل اتفاقية السلام مع إسرائيل، ونظرًا لما قد ينتج عن ذلك من تدهور خطير في المنطقة يمس المصالح الاستراتيجية الأمريكية في المقام الأول، مارست واشنطن هذا الضغط الذي نجح في منع حدوث هذا السيناريو أو تأجيله على أقل تقدير. 

في ضوء ما سبق، قد يكون هذا الميناء الأمريكي الغامض وسيلة لتنفيذ سيناريو التهجير بشكل تدريجي أكثر هدوءا وأقل دراماتيكية يبدو في ظاهره طوعيًا وإنسانيًا، ولكنه في باطنه امتداد لمخطط الخبث والإجرام الرامي لتصفية القضية الفلسطينية.

ويظل الرهان لإفشال هذا المخطط في الأساس مستندًا على عاتق صمود الشعب الفلسطيني البطل في غزة، الذي يرفض إعادة تكرار نكبة 1984 في القرن الحادي والعشرين.

تابع مواقعنا