من كنوز الجنة.. خواتيم سورة البقرة
كنز اليوم من أجلّ وأنفس الكنوز، ومن أعلاها قيمة، وأجذلها ثوابا، إنه كنز قرآني مبارك، ونحن في شهر رمضان، شهر القرءان الذى يحاول الكثير منّا فيه أن يصل ما انقطع بينه وبين كتاب الله –تعالى –بتلاوته وختمه كاملا مرة أو مرّات على مدى أيام رمضان ولياليه المباركة.
-وكنزنا الذى نتحدث عنه اليوم لا بد أن تمرّ به عندما تصل إلى أواخر وخواتيم سورة البقرة في الآيتين الأخيرتين منها، وعندما نصل إليهما أنصح نفسى وكل إخواني المتواصلين مع القرءان: هدئ سرعة قراءتك، واستحضر روحك وقلبك وعقلك، وكن على حال الخشوع لله، والتدبر لمعاني كلامه ومراميه، فأنت في حضرة كلام الملك العلام.
-وهاتان الآيتان على وجه الخصوص، هما كنز إلهى رباني قرآني، فمتى وصلت إليه بفضل الله وكرمه، فاجتهد وشمر واغترف من رحمة المولى-سبحانه وتعالى- وعرض نفسك لعطاياه، وارجها منه، واترك الدنيا وما فيها، وعش في رحاب كلام الله.
وذلك الكنز: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كلّ ءامن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأعنا غفرانك ربنا وإليك المصير لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا إن مولانا فانصرنا على القوم الكافرين) البقرة/285/286.
-وقبل أن نستعرض درر وجواهر هذا الكنز، دعونا نقول أولا: إن قراءة القرءان عموما من أجل وأعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه، ومن أجزل القربات ثوابا وأجرا، فقراءة حرف واحد منه بحسنة، والحسنة بعشر أمثالها، كما ورد عن سيدنا رسول الله-صلى الله-عليه وسلم-،وورد عنه أيضا أنه قال: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) ويقول:(القرءان شافع مشفع، وماحل مصدق من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار).
وسورة البقرة بخصوصها لها فضل عظيم، يقول رسول الله –صلى الله-عليه وسلم-: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إنّ الشيطان يفر من البيت الذى تقرأ فيه سورة البقرة)، ويقول:(إن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تسطيعها البطلة)،والبطلة أي: الّسّحرة.
-الكنز: وهو الآيتان الأخيرتان من سورة البقرة، وقد تضمنت الأولى منهما إخبارا عن إيمان رسول الله –صلى الله-عليه وسلم-والمؤمنون معه بمآ أنزل الله عليه في القرآن، وبيّنت أركان الإيمان، ومن بينها الإيمان برسل الله جميعا دون تفرقة، سمعا وطاعة لأوامر الله-عز وجلّ-
-و تضمنت الآية الأخرى والأخيرة إخبارا بتفضل الله -سبحانه-على عباده المؤمنين ورفع الحرج عنهم بتكليفهم ما فى وسعهم، وأنه محاسبهم ومجازيهم على أعمالهم إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، ثم عقب مختتما الآية المباركة والسورة الكريمة بهذا الدعاء العذب الرقيق، وفيه الخير كله من ربّ العالمين.
-ومما ورد فى فضل هاتين الآيتين اللتين وصفتا بأنهما كنز من كنوز الجنة.
1- ما رواه النعمان بن بشير -رضى الله عنهما- أن رسول الله –صلى الله-عليه وسلم- قال:(إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام، أنزل فيه هاتين الآيتين ختم بهما سورة البقرة، لا تقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها الشيطان).
2-وعن أبى ذّر الغفارىّ-رضى الله عنه- أن رسول الله –صلى الله- عليه وسلم-قال: (إن الله ختم سورة البقرة بآيتين أعطانيهما من كنزه الذى تحت العرش، فتعلموهن وعلموهنّ نساءكم وأبناءكم، فإنهما صلاة وقرآن ودعاء).
3- وعن ابن عباس -رضى الله عنهما- قال: بينما جبرائيل قاعد مع النبي –صلى الله-عليه وسلم-سمع نقيضا من فوقه، نقيضا أى:-صوتا كصوت الباب إذا فتح –فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم، لم يفتح قط إلاّ اليوم، فنزل منه ملك، فقال:-هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم، فسلّم، فقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبى قبلك: فاتحة الكتاب،وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلّا أعطيته).
4- وعن أبى مسعود البدرىّ-رضى الله عنه – قال: قال رسول الله –صلى الله-عليه وسلم-:(الأيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه).
-جاء فى شرح الحديث:(كفتاه) أى: أجزأتاه عن من قيام الليل بالقرآن، وقيل أجزأتا عنه عن قراءة القرءان مطلقا سواء كان داخل الصلاة أو خارجها، وقيل: أجزأتاه فيما يتعلق بالاعتقاد لما اشتملتا عليه من الايمان والأعمال إجمالا.
وقيل: كفتاه كل سوء، أو كفتاه شر الشيطان، وقيل دفعتا عنه شر الإنس والجن وقيل: كفتاه بما حصل له بسببهما من الثواب عن طلب شيء ءاخر، وكأنهما اختصتا بذلك لما تضمنتاه من الثناء على الصحابة بجميل انقيادهم إلى الله، وابتهالهم ورجوعهم إليه، وما حصل لهم من الإجابة إلى مطلوبهم.) وغير ذلك من المعاني التي أوردها العلماء.
5-وعن عقبة بن عامر الجهنى قال: قال لى رسول الله-صلى الله-عليه وسلم-(اقرأ الآيتين من آخر سورة البقرة فإنى أعطيتهما من تحت العرش)
-وروى أن سيدنا عليا -رضى الله عنه – قال:(ما أرى أحدا يعقل بلغه الإسلام ينام حتى يقرأ أية الكرسى وخواتيم سورة البقرة، فإنها من كنز تحت العرش)
6-وجاء رجل إلى رسول الله –صلى الله –عليه وسلم- فقال: يا رسول الله،أىّ ءاية فى كتاب الله أعظم؟ قال: ءاية الكرسى (الله لا إله إلا هو الحى القيوم ) قال: فأى ءاية تحب أن تصيبك وأمتك؟ قال: (آخر سورة البقرة...)، وما ذلك إلا لما فى هاتين الايتين من كنوز الخير، وجزيل الثواب الموصّل إلى الجنّة بإذن الله –جلّ فى علاه-
-فلنخلص النية لله- تعالى- ونردد هاتين الآيتين الكنز متدبرين ما فيهما من جليل المعاني، سائلين الله-عز وجل- أن يمنحنا ما فيهما، فلا يؤاخذنا إن نسينا أو أخطانا، وألا يكلفنا ما يشق علينا، وألا يحملنا ما لا طاقة به، ونسأله –سبحانه- أن يعفو عنا، ويغفر لنا، ويرحمنا، فلا مولى لنا إلاّ هو، ونسأله أن ينصرنا على القوم الكافرين.
اللهمّ آمين.
ربنا تقبّل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرّحيم.