الصوم مدرسة الصبر
يقول المولى - سبحانه وتعالى - في كتابه الكريم:( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ) البقرة/ 45.
ويقول المفسرون: ( إن الله - تعالى - أمر بالصبر على الطاعة وعن المخالفة في كتابه فقال ( واصبروا)، يقال فلان صابر عن المعاصى، وإذا صبر عن المعاصي، فقد صبرعلى الطاعة والمقصود ب( الصلاة ).
هنا: الصلاة الشرعية المشتملة على قيام وركوع وسجود بالهيئة المعروفة لدينا، وقيل: المراد بها المعنى اللغوى، وهوا الدعاء)، وقال الإمام المفسر ( مجاهد بن جبر )- رضي الله عنه - كما ذكر الامام " القرطبي في تفسيره: (إن معنى الصبر(الصوم )، فكأن الله قال:( استعینوا بالصوم والصلاة ومنه قيل لرمضان (شهر الصبر) وسر الإتيان بهاتين العبادتين العظيمتين كما قال العلماء: ( أن الصيام يمنع الشهوات، ويزهد في الدنيا، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. والصبر خلق عظيم، ومنزلة سامية من منازل الإيمان كما قال سيدنا ( على ) - رضي الله عنه في بعض وصاياه -:( وعليكم بالصبر، فإنه من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد).
والصبرفيه شد العزائم، وشحذ الهمم، ورفع المعنويات، وطرد الياس والإحباط، فهو خلق إيجابي محمود، ينعكس أثره على الفرد والمجتمع كله، فلا يكاد يخلو منه مجال من مجالات الحياة، فتحصيل العلم يحتاج للصبر، وكسب الرزق لا يتأتى إلا بالصبر، وزيادة الإنتاج تكون بالصبر، وتربية الأولاد، ومعاملات الناس كل ذلك لا يكون إلا بالتحلى بخلق الصبر.
ولذلك يقول الإمام الطاهرين عاشور، معلقا على الآية المذكورة سابقا:( فالأمر بالاستعانة بالصبر لأن الصبر ملاك الهدي، فإن مما يصد الأمم عن اتباع دين قويم، الفهم باحوالهم القديمة وضعف القوي عن تحمل مفارقتها، فإذا تدرعوا بالصبر يسهل عليهم اتباع الحق)، ثم يورد تعريفا للإمام الغزالي للصبر بأنه( اثبات باعث الدين في مقابل باعث الشهوة )،وقد قيل:إن الإيمان نصفه صبر ونصله شكر.
ثم يعقب على هذا بقوله: ( وهذا قول حسن، ومعظم الفضائل ملاكها الصبر، إذ الفضائل تنبعت من مكارم الخلال، والمكارم راجعة إلى قوة الإرادة وكبح زمام النفس عن الإسامة في شهواتها، بإرجاع الشهوتين ( الشهوية والغضبية ) عما لا يفيد كمالا، أو عما يورت نقصانا، فكان الصبر ملاك الفضائل، فما التعلم والتكرم والتحلم والتقوى والشجاعة والعدل والعمل في الأرض ونحوها إلا من ضروب الصبر.
والصابر في معية الله - سبحانه وتعالى، وفي كنفه وحمايته ( إن الله مع الصابرين ) البقرة / 102، وهو سبب من أسباب الفوز والفلاح، قال تعالى.. والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين امنوا وعملوا الصالحات وتوصوا بالحق وتواصوا بالصبر)، والصبرسبب من أسباب النصر والرفعة والتمكين، قال تعالى (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما. اصبروا وكانوا بآياتنا يوقنون،) السجدة / 24، وقال تعالى - على لسان موسى عليه مخاطبا بني إسرائيل،(استعير با لله واصبروا ) الأعراف / 28.
فكان صبرهم - بفضل الله_ سبيل في نصرهم على عدوهم وتمكينهم، قال تعالى: ( وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا..) الأعراف / 137 _ والوصول إلى هذه المنزلة العالية والمقام الرفيع، وهو الاستعانة بالصبر والصلاة " بإخضاع النفس، وحبس شهوتها، وصبرها على الطاعة فعلا، وعن المعصية بعد ا، مقام عظيم، ولذلك لا يصل إليه إلا من اتصف بالخشوع، ( وإنها لكبيرة إلا على على الخاشعين) البقرة / 45، وهؤلاء الخاشعون وصفهم الله بأنهم ( الذين يظنون أنهم ملاقوا ر بهم وأنهم إليه راجعون) البقرة / 46.
والصوم مطلقا، وصوم رمضان على وجه الخصوص هوا مدرسة الصبر، التي يتعلم الإنسان فيها كبح نفسه عن شهواتها، والخروج عن إلف العادة، الذي كبل كثيرا من الناس بالقيود، الصوم مدرسة يتعلم فيها الإنسان الصبر واعتیاد أداء الفرائض والطاعات، خاصة في شهر رمضان، في هذا الجو المفعم بالروحانيات الإيمانية، والتعاون على البر والتقوى، والتنافس على فعل الخير بشتى صوره.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم - (الصبر نصف الإيمان)، وكانت عبادة " الصيام جديرة بأن يهتم بها المسلم، وأن يسعى لتحقيقها على الوجه الأكمل الذي شرعه الله ورسوله، تحقيقا ووصولًا لهذا الخلق العظيم ( الصبر) ومن أجل ذلك لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم - عن أفضل الأعمال، قال لمن سأله: ( عليك بالصوم فإنه لاعدل له ) - وعند ما يتعبد الإنسان لله بعبادة الصيام على وجهها.
فإن من أعظم ثمراتها، أن يخرج متحليًا بخلق الصبر الذي يجعله فى معية الله - عز وجل -، وهى معية تؤهل الإنسان للبعد عن المعاصى والتخلى عن الرذائل، وتدفعه للقرب من الطاعات والتحلى بالفضائل، وتستمر معك هذه المعية الالهية والحماية الربانية من رمضان إلى رمضان، حتى تألف الطاعة وتعتادها، وتنفر من المعصية وتبغضها.
ولذلك يقول سيدنا رسول الله: ( الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر)، فهذا تحصين يومى بالصلوات الخمس، وتحصين أسبوعى بالجمعة، وتحصين شهـري بأداء فريضة الصيام فى رمضان.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.