الجمعة 22 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

الأمل

الجمعة 22/مارس/2024 - 02:12 م

الأمل - في معناه  المحمود - تلك الكلمة الطيبة العذبة التي تنزل بردا وسلاما على قلوب البائسين اليائسين، الذين أظلمت الدنيا فى وجوههم، فتعيد إليهم الثقة في الله ورحمته وكرمه، وتعيد البسمة لوجوه افتقدت معنى الفرحة والسعادة، وكأنها قطرات ماء نزلت إمطارا على صحراء قاحلة جافة، فأنبتت الزرع واخضر وجهها باسما مشرقا، وعادت إليها الحياة، (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد)، الشورى/٢٨.
الأمل: هو ذلك النداء الذي يدعو كل من ضاقت به  الحياة، وتراكمت عليه كروبها، وتوالت همومها ليفتح صفحة جديدة، ولايستسلم لليأس والقنوط، فما دام الله رب العالمين باعث الأمل موجودا، فلا مجال لليأس والقنوط، فاالأمل فى رحمة الله بعباده من أجل وأعظم العبادات، وخلق من أخلاق أنبياء الله ورسله وعباده الصالحين، واليأس من رحمته من صفات الكافرين الضالين، وهذا المعنى يلمحه ويعرفه كل من يقرأ كتاب الله عز وجل فى تدبر، ويعمل عقله في فهم معانيه.
وقصص الأنبياء السابقين التى ذكرها رب العزة والجلال في القرآن الكريم، وأراد منها أن تكون عظة وعبرة يعتبر بها المؤمن كما قال تعالى: ( لقد كان فى قصصهم عبرة لأولى الألباب ) يوسف / ١١١، وقال عز وجل مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم – (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك) هود/ ١٢٠.
كما نجد أن أنبياء الله ورسله الكرام، وهم صفوته من خلقه، تخلقوا بهذا الخلق العظيم (الأمل فى عفو الله، ورحمته) مهما ازداد سواد الحياة، وتعاظم همها واشتدت كروبها، فالأمل في الله موجود، ومهما أحاطت بك المحن والخطوب، فالأمل فى الله موجود، ومهما طال زمان الظلم والطغيان، فالأمل في الله موجود، ومهما تكالب عليك شرار البشر وأشقياؤهم، فالأمل فى الله موجود، وإن فقدت الأسباب، فإن مسبب الأسباب موجود، وإن خذلك وتخلى عنك كل الناس، وبقى معك الله، فما فقدت شيئا، بل بقى معك كل شىء.
ولنقلبب صفحات القرآن لنستعرض بعض النماذج والمواقف لرجال تمسكوا بالأمل فى الله وما فقدوه، فكانت النتيجة فيضا من عطاء الله وكرمه بلاحدود.

1- في قصة سيدنا (يوسف) عليه السلام – نأخذ العبرة ونتعلم الدرس من موقف سيدنا يعقوب عليه السلام لما عاد إليه أبناؤه يخبرونه أنهم فقدوا أخاهم، رغم أنهم قد عاهدوه من قبل أن يحافظوا عليه، وفقد يعقوب ابنا ثانيا، وهو (بنيامين) بعد أن فقد (يوسف) منذ سنوات بعيدة، ولما جاءه الخبر بذلك بعد أن ضاع بصره على الأول، لا نقول تجدد الحزن أو زاد، بل تجدد الأمل وانتعش فى قلبه بالله رب العالمين، وتذرع بالصبر، فهو نبى مرسل يعلم عظم جزاء الصابرين المتمسكين بالأمل، فكان رده على أبنائه كما حكى القرآن: (فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا) يوسف / ٨٣. 

لم يفقد الأمل حتى في عودة من غاب منذ سنوات بعيدة وليس فقط في عودة من غاب منذ أيام، وأنزل مصيبته وهمه وكربه بمن يفرج الكرب، ويزيل الهم والغم، وصدق أمير الشعراء حين قال:
إن جل ذنبي عن الغفران لي أمل                                  في الله يجعلني في خير معتصم
ألقى رجائى إذا عز المجير على                                  مفرج الكرب فى الدارين والغمم
(وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ) يوسف /٨٤، فرد عليه أبناؤه: (قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أوتكون من الهالكين) يوسف/٨٥، فأعلنها مدوية خارجة من قلب موصول بالله، عميق الإيمان به والأمل فيه: (قال إنما أشكو بثى وحزنى إلى الله وأعلم من الله مالا تعلمون) يوسف / ٨٦، إنها شكوى إلى الله، وليست شكوى من الله، فقدر الله لا يأتى إلا بخير.
- يقول أ.د محمد سيد طنطاوي - رحمه الله فى (التفسير الوسيط) معلقا على قول يعقوب لأبنائه (يابنى اذهبوا فتحسسوا  من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إلا يياس من روح الله إلا القوم الكافرون) قال: أي لا تقنطوا من رحمة الله، فإنه لا يقنط من روح الله إلا القوم الكافرون، لعدم علمهم بالله تعالى وبصفاته وبعظيم قدرته، وبواسع رحمته، أما المؤمنون فإنهم لا يياسون من فرج الله أبدا، حتى لو أحاطت بهم الكروب، واشتدت عليهم المصائب.
- ويقول العلامة (الطاهر بن عاشور): (المعنى لا تيأسوا من الظفر بيوسف – عليه السلام – معتلين بطول مدة البعد التي يبعد معها اللقاء عادة، فإن الله إذا شاء تفريج كربة هيأ لها أسبابها، ومن كان يؤمن بالله واسع القدرة لا يحيل مثل ذلك.
وأورد الإمام القرطبي فى تفسيره: (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) دليل على أن القنوط من الكبا ئر، وهو اليأس فأحسن يعقوب عليه السلام – الظن بربه، ولم يفقد الأمل  فى رحمته.
- وها هو خليل الرحمن سيدنا إبراهيم عليه السلام مع فقد الأسباب لم يفقد الأمل فى مسبب الأسباب، حيث كان شيخا طاعنا فى السن، وزوجه كذلك امرأة عجوز إضافة إلى أنها عقيم لا تلد، نزلت عليه الملائكة بالبشارة من عند الله بأنه سيرزق بولد فتعجب من ذلك، وكما قال العلماء: تعجب بمعنى أنه استبعده لكبر سنه، وعقم امرأته، لا لأنه قنط من رحمة الله قالى تعالى (ونبئهم عن ضيف إبراهيم إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم قال أبشرتمونى على أن مسني الكبر فبم تبشرون قالو بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) الحجر 51: 56، يقول الشيخ / طنطاوى فى التفسير (الوسيط): (وتعجب إبراهيم إنما هو من كمال قدرة الله، ونفاذ أمره، حيث وهبه هذا الغلام في تلك السن المتقدمة بالنسبة له ولامرأته، التي جرت العادة ألا يكون معها إنجاب الأولاد) ثم يقول عن الآية الأخيرة: ( وهنا دفع ابراهيم – عليه السلام – عن نفسه رذيلة اليأس من رحمة الله، فقال على سبيل الانكار والنفي (ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) أى: أنا ليس بي قنوط أو يأس من رحمة الله، لأنه لا ييأس من رحمة الله تعالى – إلا القوم الضالون عن طريق الحق والصواب، الذين لا يعرفون سعة رحمة الله، ونفاذ قدرته، ولكن هذه البشارة العظيمة مع تقدم سني وسن زوجي هي التي جعلتني من شدة الفرح والسرور – أعجب من كمال قدرة الله، ومن جزيل عطائه ومن سابغ مننه).
- وهذان نموذجان من نماذج كثيرة – فى حياة رسل الله وأنبيائه الكرام، تبين لنا كيف أنهم تخلقوا بخلق "الأمل فى الله"، وتمسكوا به، وتعبدوا الله بذلك، والله عز وجل لا يخيب من رجاه، ولا يرد من أمله ودعاه، واقرأ معي إن شئت في قصص الأنبياء في القرآن:
توبته على آدم، وشفاءه لأيوب، وإنجاءه ليونس صاحب الحوت، وإعطاءه يحيى لزكريا، وغير ذلك من قصص الأنبياء فى القرآن الكريم، وهم سادة الخلق أجمعين وسيكون لنا مع سيد السادات، وإمام الأنبياء كلام خاص يناسب المقام الجليل الرفيع للجناب النبوي الكريم، فلنتمسك بالأمل ولا نفقده أبدا، ولنكن على ثقة في رحمة الله رب العالمين، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

تابع مواقعنا