غزوة بدر الكبرى
يأبى الله عز وجل إلا أن يتمم نعمته على عباده المسلمين في رمضان، ويزيد فرحتهم بكرمه وفضله الذي لا تحده حدود، فبحلول هذا الشهر المبارك الكريم تتجدد ذكريات طيبة لأحداث وانتصارات عظيمة وقعت فيه، كان لها أكبر الأثر في تاريخ الإسلام كله.
ويأتي على رأس هذه الذكريات والأحداث الطيبة، والانتصارات المجيدة غزوة بدر الكبرى، والتي وقعت في مثل هذا اليوم الجمعة 17 رمضان سنة 2هـ، وكانت هذه الغزوة المباركة كما سماها القرآن الكريم: يوم الفرقان حين التقى الفريقان، وتقابل الجمعان، فئة مؤمنة تقاتل في سبيل الله يقودها سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم، وأخرى كافرة يقودها رأس الكفر، وفرعون أمة محمد أبو جهل عليه لعنة الله، حيث نصر ألله الإسلام واعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، والله غالب على أمره ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز الحج 40 فكانت غزوة بدر الكبرى، من أولى وأجل واعظم المواجهات بين الإيمان والكفر، وكان لها نتائج عظيمة في تاريخ الدولة الإسلامية.
ولكن: لماذا سميت بـ غزوة بدر الكبرى؟
إن لكل مفردة من مفردات هذه التسمية معنى ومفهوما، فهي غزوة: لأن قائد الجيش الإسلامي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، فلو خرج الجيش بقيادة أحد غیر رسول الله، فإنها تسمى معركة، وهذه الإضافة غزوة بدر إضافة إلى المكان الذي دارت ووقعت عنده الغزوة، وهو بئر بدر، وهو مكان يبعد عن المدينة حوالى 130 كيلومتر جنوب غربها.
وهذه الصفة الكبرى مييزا لها عن غزوة بدر الصغرى، أو الأولى، والتي خرج فيها رسول الله فى حملة تأديبية لملاحقة كرز بن جابر الفهرى، الذي أغار على مراعى المدينة، وسلب سرحها، فخرج رسول الله مطاردا إياه حتى بلغ وادى سفوان، وهو قريب من بدر، ولكنه لم يدركه، فلم يحدث فيها قتال، وكان ذلك في جمادى الأخرة سنة 2 هـ.
غزوة بدر الكبرى:
أولا: الهدف منها توجيه ضربة اقتصادية لقريش، باعتراض قافلة تجارية لها آتية من الشام، عبارة عن ألف بعير محملة ببضائع تبلغ قيمتها 50 ألف دينار ذهبي، يقودها أبو سفيان بن حرب، وليس معه إلا 40 رجلا، وكان هذا استردادا لبعض ما أخذ من المسلمين المهاجرين ظلما وعدوانا عندما هاجروا من مكة إلى المدينة.
لذا فقد خرج الرسول صلى الله عليه وسلم، ومعه حوالى 314 رجلا من أصحابه ولم يلزم أحدا بالخروج، فلم يكن الأمر يعدو أن يكون اعتراضا لقافلة تجارية، وليس حربا.
موقف أبي سفيان: لما علم بهذه الأنباء وكان رجلا حصيفا ذكيا، حول طريق القافلة إلى ساحل البحر لينجو من المواجهة، فأفلتت القافلة، وأرسل إلى أهل مكة يطلب النجدة، وخرج أهل مكة حفاظا على هيبتهم، وحماية لأموالهم فخرج جيشهم، وعلى رأسه سادتهم بقيادة أبى جهل - لعنه الله -، وكان قوامه ما يقرب من 950 مقاتلا، وأرسل إليهم أبو سفيان يخبرهم بنجاة القافلة وما فيها من أموال، ولا حاجة للخروج أو الحرب، إلا أن أبا جهل أصر على موقفه، وأخذته العزة بالإثم ورفض الرجوع قائلا: "والله لا ترجع حتى نرد بدرا، فنقيم ثلاثا، ننحر الجزور، ونطعم الطعام، ونسقى الخمر، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب وبسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا أبدا، وهو بهذا يريد ترسيخ سيطرة وسطوة قريش ومكانتها في هذه المنطقة، التى ستتزعزع إن رجعوا سريعا أو عادوا بدون حرب وقتال، ولكن الله غالب على أمره، ليقضى أمرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حيا عن بينة.
موقف النبي الكريم: من خلال عيونه واستخباراته الحربية علم النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الأنباء، فاستشار من معه من الصحابة، فتكلم أبو بكر وعمر - رضى الله عنهما – وأحسنا، ثم قام المقداد بن عمرو، - رضى الله عنه - معلنا موقفه بالأصالة عن نفسه، ونيابة عن المجاهدين مع رسول الله، وقال قولته المشهورة مخاطبا رسول الله: يا رسول الله، امض لما أمرك الله، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا
ها هنا قاعدون، ولكن نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، وهؤلاء الثلاثة أبو بكر وعمر والمقداد من المهاجرين.
فأراد النبي أن يستطلع رأى الأنصار، لأنهم يمثلون غالبية الجيش، فقال: أشيروا على أيها الناس، فعلم سيدنا سعد بن معاذ، سيد الأنصار أن رسول الله يعنيهم، فقام ووقف في شموخ الجبال، معلنا رأيه ورأى الأنصار بالموافقة على خوض الحرب مع رسول الله تنفيذا لبنود بيعة العقبة، ومن بينها أن يمنع لأنصار رسول الله مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم، وأن يدافعوا عنه وينصروه.
إذن فهى الحرب، وهنا تقدم سيدنا الحباب بن المنذر مشيرا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن يتخذوا موقعا استراتيجيا، فينزلوا بأدنى ماء من القوم، ويغوروا باقی آبار المياه، حتى يكون مصدر الماء الوحيد تحت سيطرة المسلمين، فيشربون ولا يشرب القوم، وبالفعل استجاب الرسول الكريم لهذا الرأى.
والتقى الجمعان، ودارت رحي الحرب، وكتب الله النصر للمسلمين، وأنزل ملائكة تؤيدهم وتؤازرهم وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم آل عمران 126، وقتل من المشركين سبعون، وأسر سبعون، وعامتهم من زعمائهم، وعلى رأس القتلى كان قائدهم أبو جهل واستشهد من المسلمين 14 رجلا - رضى الله عنهم أجمعين، وقد ضرب المسلمون أروع الأمثلة في الفداء والتضحية، ويعتبر الصحابة الذين شهدوا غزوة بدر مع سول الله من خيار الصحابة وأفضلهم، وقد أثنى عليهم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
موقف الأسرى: وبعد انتهاء الغزوة، وتحقق النصر بفضل الله، استشار النبي أصحابه فى شأن أسرى المشركين، فأشار أبو بكر رضى الله عنه - بأن يقبل النبي منهم الفداء حفاظا على الرحم، وطمعا في هدايتهم، وأشار عمر رضي الله عنه بأن يقتلوا جزاء لما فعلوه، ونزل رسول الله على رأى سيدنا أبى بكر، ونزل القرآن موافقا لرأى سيدنا عمر، قال تعالى: ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يسخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم الأنفال 67.
وقد تحدث القرآن الكريم عن هذه الغزوة، وذلك في العديد من سوره وآياته، ومنها سورة، آل عمران والأنفال، وذكر المسلمين بما كان من نصرالله وتأييده لهم فىها، رغم قلة العدد، وضعف العتاد، فقال - سبحانه: واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فأواكم وأيدكم بنصيره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون، وكان من نتائجها الإعلان عن قوة الدولة الاسلامية الناشئة، بهذه المواجهة، وتدعيم مكانة المسلمين في هذه المنطقة.
وختاما: وإذا كان لنا من دعاء نختم به كلامنا عن غزوة بدر، ونتوجه به إلى مولانا عز وجل -، فاللهم إنك تعلم أن لنا إخوة مستضعفين مقهورين في أرض غزة وفلسطين، فنسألك يا ربنا كما أنزلت مددا من ملائكتك يوم بدر تنصر به عبادك المسلمين، وترد عنهم كيد الغزاة الكائدين، فنضرع إليك مولانا أن تكون الناصر لهم،، والمدافع عنهم فقد عز النصير، وقل المعين، وما النصر إلا من عندك یا الله، فاللهم امنحهم نصرك، وثبت أقدامهم با عزیز یا حکیم، أطعمهم واكسهم واحملهم.
ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.