العشر الأواخر من رمضان
ورد في الأثر عن سيدنا عيسى بن مريم عليه السلام أنه قال: (إن هذا الليل والنهار خزانتان، فانظروا ما تضعون فيهما)، فما تقول من قول، أو تفعل من فعل، فهو لك أو عليك، فانتبه.
وما أسرع مرور الأيام والليالي، فها نحن قد حللنا في العشر الأواخر من رمضان، أيام العتق من النيران، أيام الاجتهاد في الطاعة والعبادة، أيام ترتجى فيها ليلة القدر، أعظم الليالي وأشرفها على الإطلاق، نسأل الله أن يهدينا ويوفقنا إليها لندعوه كما علمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم: (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، وحين نقول: هى أيام اجتهاد في العبادة والتقرب ونقتدى بحاله وهديه صلى الله عليه وسلم، فإننا نتمثل سید نا رسول الله، فقد كان - عليه الصلاة والسلام - إذا دخل العشر الأواخر من رمضان كما صح في الحديث عن أم المؤمنين (عائشة)، رضي الله عنها: "شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله)، وأخبرت عن حاله فيها فقالت: (كان رسول الله يجتهد فى العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره)، ونحن حين نتكلم عن رسول الله متذكرين اجتهاده في العبادة في هذه الأيام المباركة لنجعله قدوة لنا، فإننا تكلم عن نموذج الإنسان الكامل، الذي لم يقترف ذنبًا أو خطيئة، ومع ذلك كان يكثر من الدعاء والاستغفار والتوبة إلى الله، ويجتهد في العبادة على الدوام ويزيد منها في رمضان، ويجتهد فى العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها.
وهب أن إنسانًا زيّن له عقله، أو سولت له نفسه، أنه سيصوم النهار لا يفطر، أو يقوم الليل لا ينام، ويظن بذلك أنه حاز الدرجة العليا فى الاجتهاد، ولهذا ومثله أقول: لو فعلت هذا ظاهرا، فأين أنت من قلب رسول الله، ذلك القلب الموصول بربه ومولاه وإن نامت عيناه.، إن مشكلة الكثيرين منا أنهم يتعاملون مع العبادة على انها مظاهر، أو يتعاملون معها بمنطق الكم وليس الكيف والله عز وجل غني عن عبادة تؤدى بالبدن ولا حضور للقلب فيها.
وربما أكثر المسلم من العبادة والطاعة لله في هذا الشهر الكريم ولما دخلت العشر الأواخر زاد واجتهد أكثر اغتناما لبركة هذه الأيام وفضلها، وطمعا فى رضا الله ورحمته، ولكنه وضع العوائق والعقبات التى تحجب عنه الرحمات الإلهية، ولا يحاول أن يزيلها، ومن هذه العوائق: دنس القلوب، قطع الأرحام، وفساد ذات البين، وهى أعمال تتعلق بالعباد، وما ليلة النصف من شعبان منا ببعيد، تلك الليلة العظيمة المباركة التي ينزل الله فيها الرحمات، وينظر فيها إلى عباده، فيغفر لهم جميعا، ولكن هناك من لا يستحق هذه الرحمة الإلهية التى فاضت على جميع الخلق وإن اجتهد في الدعاء والعبادة، ووضع أمامها عقبة تحول دون الوصول إليه، ولنستمع إلى حديث رسول الله الذي يرويه سيدنا ( أبو موسى)، يقول فيه الرسول الكريم: ( إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن )، وعن سيدنا (عبد الله بن عمرو) - رضى الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( إن الله ليطلع إلى خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لعباده إلا اثنين: مشاحن، أو قاتل نفس ). فانتبه في هذه الأيام والليالي التي تمر عليك، وقد شغلتها بصيام وقيام، وقراءة قرءان، أتعبت به الجسد ليلا ونهارًا، ترجو ثواب الله وتطلب رحمته وعفوه، ومادريت أنك حجبت عنك تلك الرحمة بخصامك مع أخيك أو أختك، أو قطعك لذوى رحمك وهجرك لهم، أو بما في قلبك من دنس الحقد والحسد.
وإن من أجل وأعظم ما نتقرب به إلى الله صفاء القلوب وسلامتها، وصلة الأرحام التي قطعتنا أو قطعناها، ولنطهر قلوبنا من أدناسها، حتى لا يأتي علينا العيد إلا وقد صَفَتْ قلوبنا وامتلأت بالرضا والقناعة، فلا نكبر تكبيرات العيد إلا وقد ارتسمت على وجوهنا ابتسامة المحبة والتسامح، ثو يكون هذا حالنا في رمضان وبعد رمضان، وطوال حياتنا، ونسأل الله ألا يجعلنا من الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، وأن يأخذ بأيدينا إليه،وأنيثلح ذات بيننا، وأن يؤلف بين قلوبنا.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.