الجمعة 22 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

فتح مكة

الجمعة 29/مارس/2024 - 01:28 م

إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد.. القصص 85 صدق الله العظيم، وتحقق وعده لنبيه، إن الله لا يخلف الميعاد، فبيده مقاليد الأمور كلها، وتقدير الأمور كلها، وكل شيء عنده بقدر، فما بين ليلة خرج فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة المكرمة، مهاجرًا متخفيا مطاردًا، تاركا وطنه الذي ولد ونشأ فيه، وتربى على أرضه، وہیں یوم أغر أنور، حقق الله له فيه وعده، وأعز جنده، وصدق رؤياه بالحق.

فعاد النبي الكريم إلى مكة فاتحا منتصرا، محطما كل مظاهر الشرك والوثنية، ويدخل البيت الحرام مطأطئ الرأس، في إخبات وخضوع، مكسرا الأصنام التي كانت حول الكعبة وبالبيت الحرام، وهو يتلو قول الله - تعالى: (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) الإسراء 81، وبين هذا اليوم وذاك فارق كبير زمنا وحالًا، وكذلك ما بين خروج الصحابة أفرادا تاركين الدنيا وراءهم، مكرهين على ذلك،لا لشيء إلا لأنهم قالوا: (ربنا الله) وبين عودتهم مع رسول الله في جيش يبلغ عدده عشرة آلاف مقاتل تحت راية الإسلام لا يخشون أحدا إلا الله، فارق كبير، عادوا ولا تزال في نفوسهم وقلوبهم مرارة القهر والظلم، عادوا ولا تزال على ظهور كثير منهم، آثار سياط التعذيب، ولكن من قال إن الظلم يدوم، فدولة الظلم ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة.

وجاء اليوم الموعود، يوم الفتح المبين، ويوم الفتح الأعظم، يوم فتح مكة الذي يوافق العشرين من رمضان سنة 8 هـ وهو يوم من أعظم أيام الإسلام، يقول الإمام القرطبي - رحمه الله - في تفسيره عن قوله تعالى (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد)، ختم السورة ببشارة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - برده إلى مكة قاهرًا لأعدائه.

وقال الإمام مقاتل بن سليمان، أحد أئمة التفسير: خرج النبي – صلى الله عليه وسلم - من الغار ليلًا، مهاجرا إلى المدينة في غير الطريق مخافة الطلب، فلما رجع إلى الطريق، ونزل بالجحفة عرف الطريق إلى مكة فأشتاق إليها، فقال له جبريل: إن الله يقول لك إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد؛ أي إلى مكة ظاهرا عليها، ومعنى (فرض) أي: أنزل.

ويعلق الدكتور محمد سيد طنطاوي على هذه الآية فيقول: والمعنى أن الذي فرض عليك القرآن أيها الرسول الكريم بأن أنزله إليك، وكلفك بحفظه وتلاوته على الناس، والعمل بأوامره ونواهيه، (لرادك إلى معاد)، لرادك إلى المكان الذي أنت فيه، وهو مكة بعد أن تهاجر منه، تعود إليه ظاهرًا منتصرا، بعد أن خرجت منه، وأنت مطارد من أعدائك، تعود إليه ومعك الآلاف من أتباعك، بعد أن خرجت منه وليس معك سوى صاحبك أبي بكر الصديق- رضى الله عنه.

ولعظمة هذا المعاد، ورفعة شأنه جاء منكرا بلفظ (معاد)، كما يقول الإمام الزمخشري - رحمه الله في تفسيره الكشاف: لأنه كان معادًا له شأن، ومرجعا له اعتداد، لغلبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليها، وظهور الإسلام وأهله، وذل الشرك وحزبه.

يوم المرحمة لا يوم الملحمة.. قالها رسولنا - صلى الله عليه وسلم - لما بلغه ما قال سيدنا سعد بن عبادة، أحد زعماء الأنصار، وأحد قادة الفتح: اليوم يوم الملحمة، اليوم تُستَحَلُّ الحرمة، أو تستحق الكعبة، قال ذلك لما مر عليه أبو سفيان بن حرب، فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: اليوم يود المرحمة، اليوم تعظم الكعبة، وأمر قادة جيشه ألا يقاتلوا إلا من قاتلهم، وأخذ الراية من سعد بن عبادة، ودفعها إلى ابنه قيس.

وبالفعل، ضرب رسول الله في هذا اليوم أعظم مثال في الرحمة والعفو والتسامح، فقال: من دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ثم وجه السؤال لأهل مكة: ما تظنون أني فاعل بكم؟ فقالوا: خيرًا، أخ کریم وابن أخ كريم، فقال لهم: والله لا أقول لكم إلا كما قال أخي يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم اذهبوا فأنتم الطلقاء.

ورفع مؤذن الرسول سيدنا بلال بن رباح، بصوته العذب الندي، الأذان في جنبات البيت الحرام، وبين أرجاء مكة، ليعلن نهاية عهد الظلم والبغي، وبداية عهد العدل والإيمان، وجاء أهل مكة يدخلون في دين الله أفواجًا، رجالًا ونساء، يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام. 

إنه يوم العشرين من رمضان، ذلك اليوم الخالد في تاريخ الإسلام يوم الفتح المبين، نسأل الله أن تتم الفرحة بنصر الإسلام، وعز الموحدين، وأن يرد كيد البغاة المعتدين، وأن ينصر المجاهدين المستضعفين في غزة وفلسطين، وسائر بلاد المسلمين.

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

تابع مواقعنا