دقائق من ذهب
إن الوقت هو رأس مال الإنسان، فكل عمل يحتاج إلى زمن لينجز فيه، وعمر الإنسان من الأمور التي ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم أنه سيسال عنها بين يدي الله، ولن تزول قدما العبد يوم القيامة حتى يسأل عن ( عمره - شبابه ماله _علمه)، ولا بد أن يُعد لذلك كشف حساب، ويعد لهذه الأسئلة الجواب، وقد خَصَّت مرحلة الشباب بسؤال خاص - رغم أنها مرحلة من مراحل العمر، لما لها من أهمية عظمى في حياة الانسان، إذ هى مرحلة القوة والفتوة، واكتمال العقل، الأمر الذي يجعلها محلًا لإنجاز الكثير من الأعمال، فينبغى الاهتمام بها، وعدم إضاعتها. يقول الشيخ / محمد الغزالي _ رحمه الله في كتابه ( خلق المسلم): (إن المسلم الحق يغالى بالوقت مغالاة شديدة، لأن الوقت عمره، فإذا سمح بضياعه، وترك العوادي تنهبه، فهو ينتحر بهذا المسلك الطائش.. والإسلام دين يعرف قيمة الوقت، ويقدر خطورة الزمن، ويؤكد الحكمة الغالية: (الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعك)، ويجعل من دلائل الإيمان، وأمارات التقى أن يعى المسلم هذه الحقيقة، ويسير على هداها. وصدق أمير الشعراء (أحمد شوقى ) - رحمه الله – حین ينبه على هذا الممعنى فيقول:-
دقات قلب المرء قائلة له
إن الحياة دقائق وثواني والمسلم مطالب بأن يحسن استغلال وقته، ولا يفرط فيه.
_وفي العمر دقائق معدودات تمر علينا كثيرًا، وهى إن صح التعبير - دقائق من ذهب - بل هي أنفس وأعلى قيمة من الذهب، لعظمة ما يمكن تحقيقه فيها، إذ إنها على قصر مدتهـ فقد أرشدنا نبينا الكريم إلى بعض الأعمال التى تؤدى فيها، ورتب على هذه الأعمال الكثير من الأجر والثواب، تحفيزا وحثًا على طلب الخير، والسعى إلى فعله، ومع ذلك فإن الكثيرين يضيعونها، إما لأنهم لا يعرفون فضلها وجزيل ثوابها، أو لأنهم يتكاسلون عنها ويفرطون فيها، وينشغلون بتوافه الأمور -، ويكفينا أن الذى دلّنا على هذا الخير في هذه الدقائق، هو منبع الخير، ورحمة الله المهداة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
_ ومن أمثلة هذه الدقائق الذهبية:
(1) ترديد ألفاظ الأذان خلف المؤذن:
الأذان والإقامة كما قال العلماء - من سنن الصلاة قبل الدخول فيها، وقد علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نردد خلف المؤذن ما يقوله من ألفاظ الأذان، فقال: ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول، ثم صلوا على، فإنه من صلى على صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لى الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغى إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لى الوسيلة حلّت له شفاعتی)، ومعلوم أن الأذان لا يستغرق الا دقائق معدودات، ومع ذلك نجد كثيرا من الناس منشغلين عن هذه السُّنَّةِ الطيبة، مضيعين لهذه الدقائق الذهبية المباركة، إما بحديث من أحاديث الدنيا، أو باستخدام الهاتف المحمول، فينبغى أن نحرص عليها وأن نحسن استغلالها.
(۲) بين الأذان والإقامة: وبعد أن يفرغ المؤذن من آذار من أذانه، يقوم المسلم ليصلى السنة القبلية، وهى ركعتان أو أربع اقتداء بسيد الخلق سيدنا (محمد) - صلى الله عليه وسلم -، وبعد الفراغ من السنة تبقى مدة يسيرة، دقائق معدودات بين الفراغ من السنة وإقامة الصلاة، وهذه هى ( الدقائق الذهبية ) التي ينبغي على المسلم ألا يغفل فيها عن الدعاء، فقد قال عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد)، فأنت على وشك الدخول فى الصلاة لتكون في حضرة الملك – جل في علاه –، والقلب معلق بهذه المعية بين رغبة ورهبة.
(۳) عند النطق بكلمة (ءامين)، وهذا بعد قراءة سورة الفاتحة، وقد أمر بقولها رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، فيقولها جهرا كل من الإمام والمأموم في الصلوات الجهرية، وفعلها رسولنا الكريم، يقول عليه الصلاة والسلام: ( إذا قال الإمام (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فقولوا: (ءامين)، فإن الملائكة تقول: ( ءامين)، فمن وافق تامینه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)، وفي حديث، اخر ( فقولوا ءامين يحببكم الله )، وكان يقول: ( ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسد تكم على السلام والتأمين)، ومعلوم أن حسد اليهود لنا لن يكون إلا على أمر كتب الله لنا فيه الخير الجزيل، وكلمة (ءامين ): اسم فعل أمرٍ قصد به (الدعاء) بمعنى: استجب، والمعنى: استجب يارب لدعائنا إياك فى سورة الفاتحة ( اهدنا الصراط المستقيم)، وهى كلمة يستغرق نطقها وقتًا وجيزا، ولكن فضلها عظيم عند رب العالمين.
(٤) بعد التشهد الأخير وقبل السلام من الصلاة:، وهو من أعمال الصلاة، وقد علمنا رسول الله صيغته التى يحفظها كل مسلم، فإذا جلست للتشهد فقل ما ورد عن رسول الله، وبعد التشهد، هناك السلام وهو ختام أعمال الصلاة، ولكن انتبه، ولا تعجل بالتسليم والخروج من الصلاة فأنت في معية الله، وما أعظمها من معية، فاشغل هذه الدقائق المعدودات بين التشهد وقبل السلام بدعاء الله تعالى، وسله حاجتك، وادعه بما تريد، وقد دلنا على ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالي بعد أن علمنا وأرشدنا إلى صيغة التشهد: ( ثم ليتخير من الدعاء ما شاء)، ومن الأمور التي أمر رسول الله بها ووردت عنه: ( إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخر، فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والعمات، ومن شرفتنة المسيح الدجال، ثم يدعو لنفسه بما بدا له )، وكان رسول الله يدعو به في تشهده ويعلمه الصحابة كما يعلمهم السورة من القرءان )، وكان أيضًا من دعايه بعد الفراغ من الأسود:( اللهم حسيتي حسابا يسيرا)، ويقول اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أخيتي ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفيت إذا كانت الوفاة خيرا لي )، وسمع رجلا يقول اللهم إني أسألك يا ألله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم، فقال.رسول الله:،( قد غفر الله، قد غفر له)، وكان من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: (اللهم اغفر لى ما قدمت وما أخرت وما أسرار وما أعلنت وما أسرفت، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت) ثم ليسلم.
- فعلى المسلم - أن يحسن استغلال وقته، ولا يفرط فيه أو يضيعه، خاصة فى مثل هذه الدقائق العظيمة المباركة، وصدق من قال: ( الزمن لا يقف محايدًا، فهو إما صديق ودود، أو عدو لدود ) فليحذر المسلم من ضياع هذه الأوقات.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.