انقضى رمضان.. إن في ذلك لعبرة
في صورة وهيئة بشرية، ينزل سيدنا ( جبريل) أمين الوحى على سیدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم، وهو جالس مع الصحابة - رضوان الله عليهم -، وهم لا يعرفون أنه جبريل، وسأل النبي الكريم عن بعض الأمور، كما صح في الحديث عن سيدنا ( عمر بن الخطاب ) رضى الله عنه - حيث سأله عن ( الإيمان - الإسلام - الاحسان)، وكان رسول الله يجيب عن أسئلته، وجبريل يقول له: ( صدقت)، وقد أثار هذا التصديق عجب الصحابة إذ إنه يدل على أن السائل لا يسأل عن جهل، حتى كان السؤال عن الساعة، أي: عن ( يوم القيامة)، فكان جواب رسول الله له: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل )، ونفى علمه بوقتها وميعادها، فقال جبريل: فأخبرني عن أماراتها، وهذا شيء يعلمه رسول الله، وأخبره ببعض علاماتها وأماراتها.
وعلامات الساعة: هي أمور وأحداث تكون قبل قيام الساعة بزمن يطول أو يقصر، وقد اصطلح العلماء على تقسيمها إلى ( كبرى وصغرى)، فالكبرى هي الأحداث العظام التي تظهر وتقع قرب قيام الساعة، كخروج الدجال، ونزول المسيح، وطلوع الشمس من مغربها... وغيرها، والصغرى: كبعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم - وقبض العلم، وانتشار الجهل، وضياع الأمانة، وكثرة الفتن والقتل. ومن علامات الساعة الصغرى المتحققة فعلا: ( تقارب الزمان ) كما أخبر سيدنا رسول الله، فقد ورد في مسند الإمام أحمد بسنده عن أبى هريرة - رضى الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون
الساعة كاحتراق السعفة الخوصة)، وكذلك ما رواه الإمام البخاري بسنده عن أبى هريرة - رضى الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: ( لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، وهو القتل، وحتى يكثر فيكم المال ويفيض )، وغيرها من الأحاديث.
يقول شراح الحديث: ( إن المراد بـ (تقارب الزمان): قصر زمان الأعمار، وقلة البركة فيها، وقيل: قرب زمان الساعة، وقيل: قصر مدة الأيام والليالى، وقال الإمام ( البيضاوى) - رحمه الله - عن معنى ( فتكون السنة كالشهر)،أي: أنه تذهب بركة الزمان، فلا يتأتى للرجل فى سنة ما كان يتأتى له في شهر، أو بكثرة اشغال الناس لكثرة وقوع الفتن والنوازل، فيغفلهم عن مر الزمان، بحيث لا يدركون كيف تنقضى أيا مهم وليا ليهم لشدة ما هم فيه، وقيل: معناه ( سهولة الاتصال)، لانتشار وسائل التواصل. التي لم تكن موجودة قبل عصرنا، فالمعنى على حقيقته، وهو ما يسمى بـ ( التقارب الحسی)، وقيل: معناه: نزع البركة من الوقت والأيام، وسرعة مرورها وانقضائها، وهو ما يسمى بـ ( التقارب المعنوى)، والحديث بالفاظه الواردة يحتمل كل هذه المعاني.
وأقول: إنّ هذا المعنى يتحقق لنا في كل رمضان يمر علينا ونعيشه ونلمسه واقعا، فما بين انتظار نا فرحين متشوقين لاستقباله منصتين لسماع صوت فضيلة مفتى الديار المصرية يعلن على مسامعنا في وسائل الإعلام نتيجة استطلاع هلال الشهر الكريم لنبدأ الصيام، وما بين جلوسنا منصتين لصوت فضيلة المفتى يعلن نتيجة استطلاع هلال (شوال)، مودعين رمضان لنستقبل يوم الجائزة يوم عيد الفطر، بين الجلستين والحالين مضى من أعمارنا شهر کامل، ويمر بعقولنا كلام رسول الله عن تقارب الزمان فيكون الشهر كالجمعة ).،مضى رمضان، وانقضت أيامه ولياليه، وما كان فيه من أعمال البر والطاعة، وكل يوم وليلة، بل كل ثانية ولحظة تمر على الإنسان تنقص من عمره، وتقربه من النهاية المحتومة.
فعلينا أن نتعظ ونعتبر، ونسأل أنفسنا هذا السؤال: مضی رمضان وسيعود بإذن الله تعالى -، ولكن هل عند ما يعود رمضان فى العام القادم سنكون من أهله وفي استقباله ومن صائميه وقائميه؟ أم سنكون في جوار الله وذمته؟
إن كلمة الوداع قاسية، ولحظاتها صعبة، ونحن إن كنا نودع رمضان زمنا، فلا ينبغي أن نودعه روحًا وأخلاقًا وسلوكا، وقربًا من الله وطاعة، فلنستصحب روح رمضان، ونستبقيه فى حياتنا لتظل رحماته ونفحاته تغمرنا وتفيض علينا، ونسأل الله أن يعيد علينا رمضان أعواما عديدة، وأزمنة مديدة.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.