العلاج بالبطالة.. آثار صحية لفقدان الوظيفة
فجّر تقرير نشره موقع «بيزنس انسايدر» جدلا كبيرًا عن الآثار الصحية لـ البطالة، في الوقت الذي تعمل فيه الحكومات على الحد من هذه الظاهرة، وتُجنب اقتصاداتها تداعياتها على المسار الداخلي والخارجي للدولة.
لكن مجموعة متزايدة من الأبحاث تشير إلى أن فترات الركود مفيدة في شيء واحد على الأقل، وهو طول العمر، فيما عرض التقرير بحثًا أكد أنه -الركود- يوفر فعليا لنحو 4% من البالغين 55 عامًا، عامًا إضافيًا من الحياة، كذا أشار إلى أنه كلما زادت البطالة عاش الناس فترة أطول.
الحياة مقابل سبل العيش
وتأتي أحدث الأدلة في البحث الجديد بعنوان الحياة مقابل سبل العيش، بقلم أربعة باحثين بقيادة خبيرة الاقتصاد الصحي الشهيرة إيمي فينكلستين، وحسبما نشر موقع بيزنس انسايدر:
- يقول الباحثون إنه خلال فترة الركود الكبير، من عام 2007 إلى عام 2009، انخفضت معدلات الوفيات المعدلة حسب العمر بين الأمريكيين بنسبة 0.5٪ لكل قفزة قدرها نقطة مئوية واحدة في معدل البطالة في المنطقة.
- كلما زادت البطالة، كلما عاش الناس فترة أطول - وخاصة البالغين الذين تزيد أعمارهم عن 64 عاما وأولئك الذين لم يتلقوا تعليما جامعيا.
- هذه الانخفاضات في معدل الوفيات تظهر على الفور، وتستمر لمدة 10 سنوات على الأقل.
- التأثيرات ضخمة إلى الحد الذي جعل الركود يوفر فعليا لنحو 4% من كل من يبلغون من العمر 55 عامًا إضافيًا من الحياة.
- في الولايات التي شهدت قفزات كبيرة في معدلات البطالة، كان الناس أكثر عرضة للإبلاغ عن أنهم يتمتعون بصحة ممتازة.
آثار صحية لفقدان الوظيفة
وجد الاقتصاديون أن المقاطعات التي شهدت أكبر فقدان للوظائف في الركود الكبير، شهدت أيضًا أكبر انخفاض في تلوث الهواء، مقاسًا بمستويات الجسيمات الدقيقة «PM2.5».
وهذا أمر منطقي خلال فترات الركود، إذ يقل عدد الأشخاص الذين يقودون سياراتهم إلى العمل، وتتباطأ المصانع والمكاتب، ويخفض الناس استخدامهم للطاقة لتوفير المال.
كل هذا النشاط المنخفض يؤدي إلى هواء أنظف، وهذا من شأنه أن يفسر لماذا يتمتع العمال الذين لا يحملون شهادة جامعية بأكبر انخفاض في معدل الوفيات، فالأشخاص الذين يعملون في وظائف منخفضة الأجر يميلون إلى العيش في أحياء بها سموم بيئية أكثر.
وقد يفسر ذلك أيضًا سبب انخفاض الركود في معدل الوفيات الناجمة عن أمراض القلب والانتحار وحوادث السيارات، وهي أسباب للوفاة ترتبط جميعها بالآثار الجسدية والعقلية للجسيمات «PM2.5».
وبشكل عام، وجد الاقتصاديون أن الهواء النظيف كان مسؤولا عن أكثر من ثلث الانخفاض في معدل الوفيات خلال فترة الركود الكبير.
ما دقة علاقة الرفاهية بالنمو الاقتصادي؟
وتوفر الدراسة الجديدة، إلى جانب الأبحاث الأخرى حول فترات الركود، تذكيرًا مهما بأن النمو الاقتصادي ليس - ولا ينبغي أن يكون - المقياس الوحيد لرفاهتنا الجماعية، إذا كانت فترات الركود تنقذ الأرواح، فإن ذلك يأتي مع نتيجة طبيعية أن أوقات الازدهار تكلف الأرواح.
ويخلص الباحثون إلى أن النتائج التي توصلنا إليها تشير إلى مقايضات مهمة بين النشاط الاقتصادي والوفيات، فنحن بين خيارين سيئين للغاية الثروة التي تقتلك، أو الفقر الذي يبقيك على قيد الحياة.
هذه المعضلة هي التي أدت إلى ظهور ما يعرف بحركة تراجع النمو - وهي فكرة أن الناتج المحلي الإجمالي لا يوفر لنا قراءة دقيقة للتقدم البشري، فالنمو الاقتصادي يوفر فرص العمل، لكنه لا يخبرنا أي شيء عن صحة أطفالنا أو سلامة أحيائنا أو استدامة كوكبنا.
ويتساءل دعاة خفض النمو ما الفائدة من الحصول على كل هذه الأموال، إذا كان ذلك يجعل أحوالنا أسوأ؟
فيما يقول المستشار الاقتصادي مازن أرشيد، إن أحد الأسباب المحتملة لهذا الانخفاض في معدلات الوفيات يمكن أن يرجع إلى تغيرات في سلوكيات الأفراد خلال الأوقات الاقتصادية الصعبة، فعلى سبيل المثال، قد يقلل الأشخاص من استهلاك الكحول والتبغ بسبب الضغوط المالية، ما يؤدي إلى تحسين الصحة العامة، كذلك قد يجد الأشخاص المزيد من الوقت لممارسة النشاط البدني نتيجة لفقدان الوظائف أو تقلص ساعات العمل، ما يساهم في تحسين الصحة البدنية والعقلية.
ويلفت المستشار الاقتصادي في حديثه لـ موقع القاهرة 24، إلى أن الدراسات تشير إلى أن إسبانيا شهدت اتجاهات مماثلة للولايات المتحدة، إذ انخفضت معدلات الوفيات بشكل طفيف خلال فترة الركود، على الرغم من الارتفاع الحاد في معدلات البطالة.
آثار صحية للبطالة
ويوضح أرشيد أنه هذه الظاهرة تفسر –جزئيًا - بتحسن بعض السلوكيات الصحية وانخفاض حوادث الطرق، نتيجة لانخفاض النشاط الاقتصادي.
ويؤكد أرشيد على أن الآثار الصحية للبطالة وانخفاض الدخل قد تظهر على المدى الطويل، فالإجهاد المالي المستمر وعدم الاستقرار الاقتصادي يمكن أن يؤديان إلى مشاكل صحية مزمنة، مما يزيد من التكاليف على النظام الصحي ويقلل من إنتاجية القوى العاملة.
ويبين المستشار الاقتصادي أن تحسن الصحة العامة يمكن أن يكون له آثار إيجابية على المدى الطويل، فالانخفاض في معدلات الوفيات وتحسن الصحة يقللان من الضغط على النظام الصحي، كذا يقللان من التكاليف المتعلقة بالرعاية الصحية، علاوة على ذلك قد يؤدي تحسن الصحة إلى زيادة الإنتاجية العامة للقوى العاملة.
فيما تقول كبيرة مراسلي الاقتصاد في صحفية فايننشال تايمز، أكي إيتو، إنها نشأت في اليابان، وهو البلد الذي يشير إليه أنصار تراجع النمو في كثير من الأحيان باعتباره نموذجا للنمو الأبطأ.
وتضيف إيتو في مقال لها عبر فايننشال تايمز، صحيح أن اليابان دولة مستقرة سياسيا ونظيفة وآمنة على الرغم من تعثر اقتصادها منذ 30 عاما، ولكن هناك شيء ما يتعلق بالركود الاقتصادي طويل الأمد الذي يستنزف أمل أي بلد، لا شيء يتغير في السياسة أو الثقافة أو المجتمع حتى عندما يعلم الجميع أنه أمر سيء.
العمل أو المعيشة
كذا توضح أن حركة تراجع النمو تقدم لنا خيارا زائفا، والحل للآثار السلبية التي يتسبب بها النمو لا يكمن في تقليله بل في وجود تنظيمات أقوى وابتكار أكثر ذكاء.
وحتى لا يزال أمامنا طريق طويل لنقطعه لتحقيق توازن صحي بين النمو الاقتصادي والرفاهية الاجتماعية، لا ينبغي لنا أن نختار بين العمل والمعيشة.
ويلفت استشاري الطب النفسي الدكتور جمال فرويز، إلى أن فترة الركود تتسبب في ارتفاع البطالة، أي أن الأشخاص لا يضطرون إلى الخروج من بيوتهم، ما يؤدي إلى انخفاض نسبة حوادث السيارات وبالتالي انخفاض نسبة الوفيات لدى الشباب.
كما أن عدم وجود ضغوطات العمل التي يمكن أن تسبب ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع نسبة السكر، والأزمات القلبية الحادة، يقلل أيضا من نسب الوفيات.
هل تؤثر ضغوطات العمل على العمر؟
فيما ينوه فرويز في حديثه لموقع القاهرة 24، بأن نسبة الاكتئاب ربما تزيد نتيجة الركود وانخفاض الدخل، إلا أن المرء سرعان ما يتأقلم مع الوضع الجديد ويعود تدريجيًا إلى حياته الطبيعية، إلا الذين لديهم جينات وراثية تساعد على الاكتئاب.
ويؤكد استشاري الصحة النفسية أن الأماكن التي تقل فيها ضغوطات العمل، تكون نسبة الوفيات فيها قليلة مقارنة بالأماكن التي ترتفه خلال الضغوط، إذ إن ضغط العمل سبب أساسي لتقصير العمر نتيجة تسببه في الإجهاد ورفع نسبة الأدرينالين في الدم.