الحرب المنسية.. المجاعة تعصف بالسودان وورق الشجر وسيلة المواطنين للتغلب على الجوع
في بلد ملىء بالصراعات الداخلية، يعاني الشعب السوداني العديد من الأزمات ما بين نقص الغذاء والخدمات العامة، ناهيك عن انعدام الأمن والنزوح في خيام تحيطها أشعة الشمس من كل مكان، يأكلون التراب وأوراق الشجر، ليصبح الحال في السودان هكذا بعد أكثر من عام على الحرب هناك.
عام من الصراع كان كفيلًا لانتشار الجوع، الذي خلّف مجاعة كشرت عن أنيابها في السودان، وسط غياب أي مؤشرات على تراجع حدة الحرب التي اندلعت في أبريل من العام الماضي، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وقال أحد الوافدين النازحين الذي يدعى قرنق اشيك أكوك في مخيمات بإقليم دارفور نزح برفقة زوجته وأطفاله الخمسة، تاركين منزلهم في منطقة كردفان بالجنوب بعد أن اقتحمت الميليشيات قريتهم وأحرقت كوخهم: أصبحت بلا عمل ولا استطيع إعالة أسرتي، وفي بعض الأحيان، نمضي يومين أو ثلاثة دون طعام، مضيفًا: في هذه الأثناء أنظر بلا حول ولا قوة إلى زوجتي وأطفالي وهم يحفرون حفرا في الأرض ويدخلون أيديهم فيها ويلتقطون بعض التراب ويصنعون منه كرات ويضعونها في أفواههم ويبتلعونها بالماء، بحسب رويترز.
وفي مقابلات أجريت مع أكثر من 160 مدنيا عصف بهم القتال وما يزيد عن 60 من موظفي الإغاثة وخبراء الأمن الغذائي، فضلا عن مراجعة المسوحات الغذائية التي تجريها وكالات الإغاثة، في أم درمان الشهر الماضي، وهي واحدة من المدن الثلاث التي تشكل العاصمة الخرطوم، كانت النتائج والمؤشرات صادمة عن أشخاص يئنون تحت وطأة النقص الحاد في الغذاء.
وصارت أجزاء من السودان على شفا مجاعة حادة، حيث انهار قطاع الزراعة في ظل سرقة قوات الدعم السريع المحاصيل من المزارعين واضطرارهم للفرار من أراضيهم بسبب أعمال العنف، وكذلك أصبح الجوع سببا آخر للنزوح، وليس القتال وحده، إذ يهجر البعض منازلهم بحثا عن الطعام.
وفي ذات السياق، انتشرت الملاريا وأمراض أخرى بين النازحين، كما تتعرض مراكز المساعدات الرئيسية للنهب من قوات الدعم السريع وميليشيات متحالفة معها.
ونقلت عن آنيت هوفمان، الباحثة في مؤسسة كليجندال البحثية، ومقرها هولندا عن أزمة الغذاء في السودان، أن الحرب تسببت في أكبر أزمة جوع في العالم، ومن المرجح أن تحدث مجاعة لم يشهدها العالم منذ عقود.
من جانبها قالت وزارة الخارجية السودانية، إنها ملتزمة بتسهيل إيصال المساعدات، ووجهت أصابع الاتهام لقوات الدعم السريع بنهب وعرقلة المساعدات.
وقال الفريق إبراهيم جابر مساعد القائد العام للقوات المسلحة، إن السودان لن يسقط في براثن الجوع ولديه أكثر مما يحتاج.
المجاعة في السودان
وفي جميع أنحاء السودان، ومن أجل البقاء على قيد الحياة، لجأ المواطنون في أنحاء السودان إلى تدابير يائسة، ففي غرب دارفور، لم يجد المزارعون ما يسد رمقهم سوى البذور التي كانوا قد اشتروها لغرسها، بعد أن نهبت قوات الدعم السريع أراضيهم.
وفي منطقة كردفان، باع البعض أثاثهم وملابسهم للحصول على نقود لشراء الطعام، وفي الخرطوم، لم يجد سكان محاصرون في منازلهم خيارا سوى قطع أوراق الأشجار وغليها وأكلها.
ويشير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو أداة عالمية لرصد الجوع، إلى أن ما يقرب من 18 مليون شخص في السودان، أي أكثر من ثلث سكان البلاد البالغ عددهم 49 مليونا، يواجهون مستويات عالية من الانعدام الحاد للأمن الغذائي، وتشير تقديراته أيضا إلى أن من بين هذا العدد، هناك ما يقرب من 5 ملايين على بعد خطوة واحدة من المجاعة.
سيناريوهات محتملة لأزمة السودان
وفي السياق ذاته، وضع تقرير مؤسسة كليجندال 3 تصورات للسودان، وأكثر هذه التصورات تفاؤلا أن تعصف المجاعة بستة فى المئة من السكان، وفي أسوأ الحالات، سيعاني 40 بالمئة من المجاعة خلال الجفاف بين مواسم الحصاد، والذي يبدأ في مايو ويستمر حتى سبتمبر.
كما خلصت تقديرات منظمة أطباء بلا حدود، إلى وفاة طفل واحد في المتوسط كل ساعتين في مخيم زمزم الضخم للنازحين في شمال دارفور نتيجة المرض وسوء التغذية.
وعلى الرغم من الأزمة الغذائية التي تشهدها البلاد، لم يحظ الوضع في السودان بقدر معتبر من التدقيق الدولي مقارنة بالأزمات الإنسانية الأخرى في أماكن مثل أوكرانيا وغزة ويطلق بعض المراقبين على الصراع في السودان وصف الحرب المنسية.
وقالت تشاسا لطيفي كبيرة مستشاري برامج الصحة العالمية في منظمة الإغاثة بروجكت هوب: أكبر تحد يواجهنا هو التمويل وقلة الاهتمام بالسودان، هناك اهتمام كبير بكل من أوكرانيا وغزة لدرجة أنه لا توجد فرصة لدى أي أحد للتفكير في السودان أو حتى الاستماع لما يحدث هناك.
ويشار إلى أنه في حين أن التحذير من حدوث مجاعة لا يستتبع أي تعهدات ملزمة على الأمم المتحدة أو الحكومات، فإن من شأنه توجيه اهتمام العالم نحو وضع الأزمة وحشد الموارد اللازمة لتقديم مساعدات طارئة، وبشكل عام، فإن إعلان المجاعة في مكان ما يصدر عن الحكومات والأمم المتحدة.