الإثنين 18 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

مبادرة مصرية للتهدئة.. ومراوغة إسرائيلية

الجمعة 03/مايو/2024 - 10:39 م

لا أبالغ إذا قلت إنني عندما أردت أن أكتب مقالا أقوم من خلاله بأقل ما يمكنني فعله تجاه الأشقاء هناك في غزة، ظللت بعض الوقت لم أجد من الكلمات ما أستطيع به التعبير عن حجم الألم الذي يعتصر قلبي ومعي كل صاحب ضمير في هذا العالم.

وكما قالوا قديما قطعت جهيزة قول كل خطيب، فالآن أقول أعجزت غزة قلم كل كاتب وأديب. 

قرأنا في التاريخ الكثير عن الحروب والصراعات التي أنهت وجود إمبراطوريات عاشت مئات السنين، وبناء أخرى على أنقاضها ثم زوالها أيضا.. وهكذا ظلت الدنيا في حالة من الصراع بين سكانها، وذلك لما في تكوين الإنسان من طمع وعدوانية.. ليس الجميع يمكنه التحكم فيه، وإنما الكريم يخفيه واللئيم يبديه، ولكن لم نسمع أبدا بما نراه الآن في غزة من بشاعة لا يمكن أن ترتكبها حتى أكثر الحيوانات افتراسا.

كل ما يحدث لما يقارب مليوني إنسان لا يعبر إلا عن حالة من القذارة لعدو لا يمكن أن ينتمي إلى عالم البشر، خاصة أن الاستهداف يزداد بشاعة كلما كان الضحية ضعيفا.

فهم يقتلون بلا تردد ثم يضحكون، ويمرحون كأنهم حققوا انتصارا عظيما، بينما ضحيتهم طفل صغير، أو مسن لا يستطيع الحركة، أو سيدة لم ترتكب جرما يوما. 

حتى جثامين الموتى لم تنج من بشاعتهم وإجرامهم ونفوسهم المريضة، ولا حتى المرضى على أسرتهم داخل المستشفيات، وقد كشفت المقابر الجماعية التي تم العثور عليها داخل المجمعات الطبية ما لا يمكن تخيله قبل هذه الحرب الأبشع ربما في التاريخ كله بلا مبالغة، فقد رأينا قتلى تم دفنهم ربما أحياء، ومعهم تقاريرهم الطبية التي تثبت هويتهم، وحالتهم الصحية، وبعضهم كانت أطرافه في الجبس، فماذا فعل هؤلاء حتى يتم إعدامهم بهذا الجبن؟ 

يتم الحديث منذ أيام حول مبادرة مصرية لهدنة ما زالت قيد انتظار رد الأطراف المعنية، والمتمثلة في الحكومة الإسرائيلية، وحركة حماس التي من المقرر أن يزور وفد منها مصر هذا الأسبوع، وذلك يحدث بشكل دائم منذ بداية الحرب، في إطار المساعي المصرية المستمرة للتوصل لاتفاق يوقف هذا العدوان ويرفع الحصار والمعاناة عن الأشقاء في غزة.. ولكن بكل أسف وكالعادة ما يرد عن موقف نتنياهو، والموالين له ولفكره المتطرف داخل حكومته، يقول بأنه سوف يعرقل كل محاولات التهدئة بكل وسيلة ممكنة، وذلك لأنه لا يريد لهذه الحرب أن تنتهي خوفا من المحاسبة التي تنتظره بسبب كل ما حدث من إخفاقات، وخسائر سبقتها وخلالها، خاصة أنه بلا تحقيق فائدة تذكر لإسرائيل أو أي هدف مما تم إعلانه، رغم مرور أكثر من 6 أشهر، وهي أطول فترة خاضت خلالها دولة الاحتلال حربا عبر تاريخها. 

لقد دخلت إسرائيل تلك الحرب بأهداف معلنة، وأخرى خفية تتعلق بطموح شخصي لنتنياهو، وما تم الإعلان عنه هو استعادة الرهائن، والقضاء بشكل نهائي على حركة حماس، ونعلم جميعا أن كل ما ارتكبه العدوان من جرائم حرب لم يحقق هدفا من تلك الأهداف.. فلا رهائن عادت ولا المقاومة تم إنهاء وجودها، بل ربما زادت قوة ودعما ومساندة من كل حر في هذا العالم، يرى أن الدفاع عن الأوطان والعمل على استقلالها، وعدم الاستسلام والخنوع أمام المحتل شرف كبير.

أما عن الأسباب الخفية فهي ما يسعى نتنياهو الآن للوصول إليه متحديا كل الآراء التي تحذر من تداعياته وخطورته، وهو اجتياح رفح، ومحاولة إنهاء آخر مكان يمكن أن يكون صالحا للحياة في القطاع، ومن ثم الوصول لتنفيذ مخطط التهجير إلى سيناء المصرية، وتفريغ غزة من سكانها، وجعل ذلك نصرا عظيما في تاريخ رئيس الوزراء الذي طالما قدم نفسه كرجل إسرائيل القوي، والآن يرى أن تلك الأسطورة التي عاش فيها لسنوات تنهار تماما، بل أنه من الممكن إنهاء مسيرته السياسية بفضيحة مدوية تصل إلى سجنه، وذلك ما يحارب الآن من أجله، وليس لشيء آخر يتعلق بأمن إسرائيل وغير ذلك كما يدعي. 

لكن كل المؤشرات تقول بأنها حرب خاسرة تخوضها إسرائيل مهما طالت، ولعل كل التقارير الوارد حول عدد الإصابات والقتلى في صفوف جيشها الذي علق في رمال غزة، بالإضافة لتدمير مئات الآليات وذهاب الكثير ممن شاركوا في تلك الحرب إلى الطب النفسي خير دليل، وبات مؤكدا أن ما يحلم به مجرم الحرب نتنياهو حول اضطرار مصر للموافقة على خطته مستحيل الحدوث، وأي محاولات استفزازية حمقاء يمكن أن يرتكبها سوف تواجه بمنتهى الحسم والقوة، وسيدفع ثمنها غاليا، وأيضا ها نحن نرى كيف أن جامعات الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الأول لهذا الكيان المحتل تنتفض تنديدا بالمجازر التي يتم ارتكابها بحق الأبرياء في غزة، وسط تحدي للقيود الأمنية، واعتقال العشرات من الطلاب، وأعضاء هيئات التدريس، وتلك مواقف غير مسبوقة، وتنبئ عن تغيرات هائلة في المشهد، والأهم هو الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني كله، وبشكل خاص داخل القطاع وسط كل الخذلان العالمي الرسمي، والموقف العربي المخجل جدا تجاه ما يحدث والذي لم يكن من المتوقع أن يكون بهذا الضعف.

هناك أمل الآن علينا التمسك به لعله يتحقق، ونجد إعلان لوقف إطلاق النار يصدر من القاهرة قريبا، بفضل كل الجهود المصرية التي تبذل الآن على جميع المستويات.

تابع مواقعنا