نظرية الشبهية
اليأس خيانة، كنت أؤمن بعدم وجود المستحيل، وأننا أمام الرغبة والإرادة والتصميم والإدارة سنقهره، علينا فقط المعافرة والعمل، ولا نصل إلى نقطة اليأس، فهو خيانة للنفس وللحلم.
ما أجمل الشعارات، وأن تعيش فى نشوة نصر كاذب، وتنكر الواقع الحقيقى الذى تحياه، وتظل أسير خيالك وانت جالس على كرسي هزاز.
سافرت خارج الوطن فى زيارة عمل الأيام الماضية، وكنت أتأمل نهضة هذا البلد المتقدم فى ميادين عديدة، وفى لحظة صمتى يروادنى دائما سؤال، لماذا نحن لم نصل الى تلك الكيفية من التقدم؟
لم يغب الوطن عنى طوال الرحلة، لكننى عشت فى مرحلة مقارنة مستمرة أجهدتنى، شاهدت غالبية المناطق الصناعية التخصصية، زرت عدد من الشركات الكبرى، وتجولنا فى اكثر من فندق لنرى عبقريتهم السياحية، حتى المناطق الريفية والزراعية فى تلك البلد زرتها وعلى مرات سابقة ومتتالية كنت كل مرة ادرك ان هناك فرق كبير بيننا وبينهم.
هما يشبهوننا ولكنهم ليسوا مثلنا ولسنا مثلهم، هم استطاعوا استغلال مقدراتهم ومواردهم بشكل صحيح، هم صنعوا نهضة واقتصاد ومستوى معيشة لمواطنيهم افضل، برغم اننا لدينا مدراس وجامعات ومعاهد ولكنهم انتجوا واخترعوا فما لدينا لا يشبهم.
نحن البلد الكبير حضاريا وتاريخيا، بكنزة البشرى ومقوماتة الطبيعية وموقعة ومناخة وكل المقومات التى يمتلكها اكبر بكثير من أكبر بلاد الدنيا تقدما.
أمريكا سيدة العالم لا تمتلك هذا الإرث الحضاري والتاريخي، ولكننا فعلا استسلمنا لليأس، وقلنا في دواخلنا مستحيل ان نكون مثلهم، ونحن نعتمد عليهم فى كل شىء، هم يصنعون التكنولوجيا ونحن نستوردها، هم صنعوا لنا السلاح والطائرات والغواصات والسفن والأجهزة المنزلية والرصاص والقطارات، بل تستطيع ان تقول هم صنعوا كل شىء، واخترعوا كل الأشياء وكنا فقط مستهلكين.
وكأنني أتذكر قول الفنان الراحل صلاح السعدنى وهو يقول: لدينا نظرية الشبهية فلدينا فى الامة العربية كل حاجة زى العالم فمثلا كرة القدم لدينا اتحاد لكرة القدم، وملاعب لكرة القدم، ومدرجات وجمهور لكرة القدم، وغرف ملابس للاعبى كرة القدم، وبينزل الملعب 22 لاعب كما فى كل العالم، وكرة وحكام وجمهور مثل كل الدنيا، لكن ما لدينا ليس كرة قدم انما شبهة كرة القدم، كما لدينا افلام ومسلسلات لكنها شبهية، وذلك ينطبق على الاقتصاد والزراعة وكل شىء فى حياتنا شبية وليس حقيقة.
صدق الفنان الرائع الراحل صلاح السعدنى فى نظريتة أننا نعيش فى نظرية الشبهية وليس الحقيقة، تجدنا مبهورين بالدورى الإنجليزى وطريقة اللعب والتصوير والمنافسة القوية ويخرج الفريقان بعد هذا المارثون من اللعب والمتعة يسلمون على بعضهم البعض عكس ما يحدث لدينا.
الطبيعى ونحن بلد كبير وعريق أن لا نعيش فى نظرية الشبهية إطلاقا، انما نخلق مكانتنا الحقيقية الضاربة فى أعماق التاريخ، فكم مرة وصلنا لكأس العالم ؟ كم ميدالية حصدناها فى دورات الألعاب الألومبية؟ كم بطل لدينا فى الألعاب الفردية ؟ متى يكون لدينا منظومة علمية وإدارية منهجية تقوم على العلم والتخطيط والبناء ؟ ماهو تصنيف جامعاتنا؟ كم مرة فزنا بنوبل؟ كفانا ان نكون ضيف شرف فى المهرجانات، أبطلوا نظرية التمثيل المشرف، كونوا على قدر المسؤولية، نفتخر اننا ملوك الإسكواش فى الوقت الحالى والواقع انها مجهودات فردية، كنظرية محمد صلاح الذى نتغنى به، يجب ان تكون لنا رؤية حقيقية لبناء جيل قادر على المواجهة.
فماذا ينقصنا لنكون متقدمين فى الصناعة والزراعة والسياحة والاقتصاد وكل المجالات؟
أجدادنا بنوا الأهرامات، وعرفوا الطب والفلك وبرعوا فى كل شىء، سكنوا القصور وغيرهم كانوا يعيشون فى الأكواخ، اناروا العالم علما وفنا وتركوا لنا تاريخ يؤكد تفردهم، ولكن ماذا قدمنا نحن للإنسانية ولبلدنا.
لدينا أحزاب سياسية مثل كل العالم ولكنها شبية هى الأخرى وليست حقيقية، صنعوا حوار وطنيا وخرجنا منه بوابل من التصريحات الوردية، والجنين مات قبل اكتمال نموه، وعلينا البدأ من جديد فاليأس خيانة، ولكنهم يأسوا واستسلموا.
قلنا ان من سيكتب نهضة هذا الوطن هو التعليم، فجاء من يطور التعليم ومكث سنوات يبث فى نظرياتة حتى استسلم ورفع رايته، ليأتى خلفة اخر يبدأ من جديد وهكذا تلك رؤيتنا، قائمة على الفردية وتبقى الرؤية المنهجية العلمية فى اخر درج فى الارشيف، فما لدينا ليس تعليم ولا حتى شبية بالتعليم.
نحنتاج ثورة فى التشريعات والقوانيين، ثورة ضد الروتين والبيروقواطية، ثورة ضد التعنت والفشل، ثورة للتقدم بخطوات مدروسة وأولويات واضحة، نحتاج بناء وطن حقيقى.
اليوم نحن نعيش فى عالم الذكاء الإصطناعى والطفرة الهائلة من التكنولوجيا، ونحن لدينا الهيئة القومية لتعليم الكبار ومحو الأمية، هم صنعوا الطائرات المسيرة والاقمار الصناعية ومحركات البحث ومواقع التواصل الإجتماعى ونحن مكتوفى الأيدى مجرد مستهلكين نحارب الأمية فى القراءة والكتابة.
نحن نعيش كالعجزة المسنيين، استسلمنا لليأس والأمر الواقع، ونردد شعارات زائفة بلا معنى، استمتعنا بنصر زائف ونحن نسقط الى الهاوية، يجب ان نخرج من عنق الزجاجة، ولا نظل أسرى تلك الشعارات الكاذبة، يجب مواجهة الحقيقة بكل مرارتها وصعوبتها، وكسر تابوت الشبهية، نريدها حقيقية.
نهضة فى التعليم والصناعة والزراعة والتجارة والاستثمار والسياحة وكافة المجالات بدون استثناء، اذا تولدت الرغبة واخلصت النوايا سنهزم هذا اليأس، ونقهر المستحيل ونغلق ملف الشبهية، لننتقل الى مرحلة الحقيقة ومعها الريادة.
يجب أن نصنع مجد جمهوريتنا الجديدة بأيدينا، نضع رؤيتنا لمستقبل بلادنا، نغيب الأيدلوجيات والمحسوبيات، ونخمد لهيب انتهازيتنا، ونشعل حب بلدنا فى قلوبنا وعقولنا.
فكل الملفات على الطاولة بها قصور، وهناك علاج يتولد مع الإرادة والحرية والديمقراطية ومناخ سياسي صحي إن أردنا السير إلى جمهوريتنا المنشودة.